حرصت خلال زيارتي الأخيرة إلى المملكة المتحدة، والتي نستشهد تكراراً بتجربتها في الديمقراطية والحريات والحياة السياسية السليمة، أن أتعرف على بعض روافد التربية على الديمقراطية، ومن أجل تحقيق ذلك حرصت على زيارة أربع جامعات في إنجلترا هي جامعة إيكستر جنوب إنجلترا، وجامعة كامبردج شمال شرق، وجامعة أكسفور شمال غرب، وجامعة وورك شمال وسط.
ذهبت إلى جامعة كامبردج الشهيرة بدعوة من صديق خريج الجامعة المشهورة، وذلك لحضور مناظرة في جمعية طلبة كامبردج والتي تأسست في 1815، حيث تشهد قاعة الجمعية التاريخية ندوة أسبوعية لمدة ساعة ونصف بشأن موضوع معين، ويتم المناظرة من قبل فريقين اثنين، لكل منهما حيث يتبنى أحدهما موقفاً ويتبني الآخر الموقف المضاد، وقد يكون المتناظرون من الجامعة طلبة أو مدرسين أو من خارجها، فيما تدار الندوة من قبل عضو طلابي بالجمعية. وقد كان موضوع المناظرة مرشحي الرئاسة الأميركية ترامب مقابل هيلاري. وبعد أن رحب الكولونيل المتقاعد مستشار الجمعية ويليم بيلي بالحضور معرفاً بإيجاز تاريخ الجمعية وقواعد المناظرة والتصويت، قدمت مديرة الحوار المتناظرين وهم د. هدراك وزميله وهو مؤيد لدونالد ترامب، والفريق المؤيد لهيلاري كلنتون وهما د. سوزان وزميلتها. ومن القواعد المتبعة أن يطرح المناظر أطروحته، ويمكن للطرف المعارض أن يعترض، ويسجل ذلك حتى إذا حانت اللحظة المناسبة تعطي مديرة الندوة إشارة للمعترض بالتداخل لفترة قصيرة، ثم يستمر المناظر في طرحة. بعدها يتقدم المناظر المضاد بأطروحته، مع تكرار إمكانية الاعتراض، بعدها يقوم رديف المناظر الأول بطرح ما يكمل ويعزز به أطروحة زميله مع حق الاعتراض أيضاً ثم يقوم رديف المناظر المعاكس، بإكمال وتعزيز أطروحات زميله.
كان واضحاً أن تأييد دونالد ترامب قضية خاسرة لكنها لم تحبط معنويات الفريق المؤيد له، والذي قدم كل ما في جعبته لإظهار ترامب بأنه سياسي غير تقليدي وأن لديه برنامجاً مختلفاً تماماً عما جرى تجريبه على امتداد ثماني سنوات من حكم الديمقراطيين خلال عهدي كلنتون/ أوباما، حيث هيلاري شريكة في العهدين وفي الوقت ذاته عمدا إلى اظهار هيلاري كسياسية تقليدية شريكة في فشل استراتيجية أوباما وخصوصاً الفوضى في الشرق الأوسط، وتدهور الاقتصاد الأميركي، ولصالح شركائها التجاريين وخصوصاً الصين والمكسيك وغير ذلك. أما فريق هيلاري، فقد كان متمكناً، حيث عمد الى تبيان تناقضات خطاب ترامب، وافتقاده إلى أي برنامج متماسك، بل افتقاده الى اللياقة من خلال مماحكاته وتهجماته بل وكذبه على مختلف شرائح المجتمع الأميركي والبلدان الأخرى. وبعد ساعة من النقاش الحامي، أتيح المجال لمداخلات وأسئلة الحاضرين.
وقد تداخل عدد من الحاضرين حيث يعرف المتداخل نفسه ويعرض ما لديه، وقد اتضح أن الغالبية تعتقد أن السباق الرئاسي يجرى ما بين سيِّئ أي هيلاري كلنتون وأسوأ وهو دونالد ترامب، وان أيّاً منهما لن يخلص أميركا من مأزقها، لكنهم يرون أن هيلاري لن تغامر بأميركا في حروب أو مواجهات، كما أنها ستحافظ على تحالفات أميركا، وعلى الاستمرار في خط أوباما المضمون. بعد ذلك طرحت مديرة الندوة التصويت بنعم أم لا لترامب، فكانت الغالبية ضد ترامب، ومع هيلاري. بعدها تصافح المتناظرون على المسرح والتقطت لهم ومن يرغب من الجمهور الصور التذكارية، وتبرع البعض بالشوكلاته والحلويات. لقد كانت فعلاً تجربة لي للمشاركة في مناظرة راقية وعقلانية، نفتقدها كثيراً من ندواتنا البحرينية والعربية، حيث يرتفع الصراخ والزعيق وتبادل الشتائم بل واللكمات والأحذية.
وبالنسبة لجامعة أكسفورد الشهيرة، حيث المدينة في معظمها مكرسة لجامعة أكسفورد، وحيث تشغل مبانيها أبرز معالم المدينة. وجامعة أكسفورد هي أقدم جامعة في بريطانيا، حيث وضع حجر الأساس لأول كلية، وهي كلية سانت كريستوفر في العام 1230، لكن الكلية لم تفتح إلا في العام 1315، وتتالى بناء الكليات في حقب مختلفة حتى منتصف القرن السابع عشر. وجامعة اكسفور هي اقرب إلى فيدرالية من 38 كلية، حيث لكل كلية إدارتها وأنظمتها لكن المشترك فيما بينها هو اعتماد كل منها لمواد الكليات الأخرى، وبذا إمكانية الانتقال من كلية لأخرى. وتعتمد كليات جامعة أكسفورد بالأساس على التبرعات والصناديق والأوقاف، وهناك صندوق مشترك لتمويل المنح المخصصة للطلبة غير القادرين أو المتفوقين من الإنجليز، وغيرهم وله هيئة مستقلة، كما أن استمرار المنحة غير مضمون إلا باستمرار التفوق والنجاح. وهناك مبنى مخصص فقط لإجراء الامتحانات المهمة لمختلف الكليات.
والحقيقة أنه إلى جانب كون مباني الجامعة تاريخية وجميلة، فإنه يجرى تحديثها وتجهيزها باستمرار بحيث يمكن استخدام أحدث التكنولوجيا. وقد عمدت إلى زيارة عدد من كلياتها مثل كنجز كوليج وترنتي وغيرها والاستماع الى شرح بشأن تاريخ كل كلية ومسيرة جامعة أكسفورد وحاضر التعليم والبحث والنشر والندوات والمؤتمرات التي تنظمها الجامعة ومراكزها. هنا يتأكد أن استقلالية التعليم وكفاءة ونزاهة القائمين عليه والنظام المحكم للتعليم الجاد والترقي دون محاباة، وكون الجامعة مركز البحث العلمي الذي يسهم في تقدم المجتمع بل والبشرية والاقتصاد هو ما يعول عليه، فبالتعليم ترقى الأمم.
بالنسبة لزيارة جامعة وورك فقد كانت لزيارة صديقين بالجامعة، حيث لم يكن بالإمكان زيارة الكليات بتمعن، ولكن كانت مناسبة للاطلاع على نظام الجامعة، ودورها التنويري والعلمي.
وبالنسبة لجامعة إيكستر فكانت لحضور المؤتمر السنوي لدراسات الخليج والذي تنظمه دائرة الدراسات العربية والإسلامية وعقلها المدبر الصديق مارك فاليري، وكان موضوع هذا العام، علاقات الخليج إقليميّاً في إطار الشرق الأوسط الكبير، وقدمت فيه ورقة بشأن العلاقات اليمنية الخليجية وسأعرضه في مقال مستقل.
هناك موقع تعليمي مهم، وهو المتحف، حيث يشكل المتحف في بريطانيا ليس مكاناً تجمع فيه الآثار واللوحات ونماذج الاختراعات وغيرها، بل مكاناً للتعلم للكبار وللطلبة بشكل خاص. وبالفعل فمن خلال زيارتي لمتاحف أكسفورد وليفربول وهي للعلم مجانية، لاحظت استعداد المرشدين في متحفي التاريخ والعلوم بالتطوع للشرح بإسهاب وآثاره للزوار، وكذلك المجموعات الطلابية من مختلف المراحل لزيارة المتاحف برفقة مرشدين، كجزء من مقررهم الدراسي. وأخيراً وأمام إغراءات الكتب فكان لابد من اقتناء ما أمكن وخصوصاً من خلال سوق الكتب الشعبي في أكسفورد، حيث نفائس الكتب بأسعار زهيدة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ
لماذا جامعاتهم باسعار خياليه اليس الاجدر اتفااق بين الدول لتخفيض الاسعار
الديمقراطية لهم ولشعوبهم والتنكيل والقمع والقتل يصدرونها للشعوب الأخرى .. هذه هي بريطانيا دول النفاق والفتن التي تبحث عن رؤوس الفتن فتموّلهم وتعطيهم فضائيات لكي يمارسوا مهامّهم في اشعال هذه الفتن والحروب الطائفية لكي تبيض هذه الفتن والحروب ذهبا في اقفاص بريطانيا
كلامك صحيح و يدعون انهم يدربون شعوب المنطقه على الديمقراطية و الانفتاح و لكنهم يساعدون الحكومات على قمع هذه الشعوب التي قاموا هم بتدريبها