يُعرف المنبر على أنه مرقاة الخطيب، وسمّى منبراً لارتفاعه وعلوّه، ولا يقصد المنبر بلفظه بقدر ما يقصد ما يطرح ويعالج من خلاله، فالخطابة على حد وصف أرسطو هي «القوة القادرة على الإقناع» لها أهمية كبرى، لذا جعلت في الإسلام جزءا من العبادة المقترنة مثلا بصلاة الجمعة، والمنبر مرتبط بالخطابة، ويعتبر أحد أبرز معالم المجلس الحسيني، الذي نشأ منذ فاجعة كربلاء على يد السيدة زينب بنت الامام علي (ع) في خرابة الشام أثناء الأسر، حينما نصبت مأتما على أخيها الإمام الحسين واستقبال المعزيات، ومنذ ذلك الحين كانت المجالس تقام، لكن نشوء الحسينيات كمبنى ومؤسسة قائمة بذاتها ترجع إلى عهد الفاطميين في القاهرة، أي قبل 1000 عام تقريبا، وبدأت بقراءة القصائد وتطورت عبر التاريخ إلى قراءة سيرة الرسول (ص) وأهل البيت، وتبعا لذلك ظهرت كتب المقاتل، والتي بلغ عددها 120 مقتلا، وهي سرد لواقعة كربلاء وما جرى فيها، وهي مادة أثرت المنبر الحسيني وساعدت كثيرا على تطويره.
المرأة في البحرين تفاعلت مع الموسم العاشورائي، وأصبحت جزءا من منظومته، وساهمت بشكل فعال في إحياء شعائره، فالواقع العاشورائي النسوي في البحرين يمثل حالة من الواقع العام المرتبط بالاستجابة الفاعلة للشعائر الدينية على مستوى الحضور أو التنظيم. لم يؤرخ لبدايات المآتم النسائية في البحرين وتطورها، ولكن على ما يبدو من خلال لقائي مع من التقوا أو سمعوا من المؤسسات الأوائل، أن تأسيس المآتم النسائية في البحرين يرجع إلى عشرينات القرن الماضي، حيث كانت النساء مسبقا تستمع إلى مجالس الرجال عبر غرف مجاورة. المأتم النسائي يختلف عن المأتم الرجالي، في مسألة التنظيم والطريقة، وإن كان ما يجمعها هو القراءة الحسينية. المآتم النسائية قامت على الشراكة بين المنظمات أو أصحاب المأتم وبين القارئة الكبيرة ومن معها من القارئات، وغالبيتهن هم طالباتها «الوليدات» وتعرف بالمَعلمَة، إذ إن الأهالي يلحقن بناتهن بإحدى دور تعليم القرآن من أجل أن تكون الواحدة منهن قارئة في المأتم، حيث يخضعن لبرنامج تعليمي تدريبي يستمر سنتين إلى 3 بحسب قدرة الفتاة وإمكاناتها، حيث تتعلم البنت قراءة القرآن الكريم بداية بالإعراب لجزء عمّ، ثم بعدها تعليم قراءة السردية لبقية أجزاء القرآن الكريم، لتنتقل بعدها إلى تعلم القراءة في كتاب المنتخب لفخر الدين الطريحي المتوفى سنة 1085هـ، وهو كتاب يتضمن خطبا ومراثي في الإمام الحسين (ع). بعد تخرجها من المَعَلم، تلتحق بالمأتم الذي تديره معلمتها، وتبدا كقارئة مبتدئة بقراءة الحديث ثم تتدرج بقراءة القصيد ومن ثم اللطمية (الردادية) حتى تتمكن من إجادة قراءة النعي وهي الرواية.
بدأت المآتم النسائية في البحرين صغيرة، ففي كل حي أو لدى كل عائلة معروفة يوجد مأتم، ولم تدرج الخطابة فيه لعقد من الزمن، هذا الأمر بسبب هجرة الكثير من الشابات المتعلمات إلى الاستماع للمجالس الرجالية، إضافة إلى طول المجلس الذي يستغرق 3 إلى 4 ساعات؛ نظرا للتناوب على القراءة لما يفوق العشر قارئات ضمن تدرج معهود في القراءة. بينما المجالس الرجالية لا تزيد عن الساعة وتقصر على الخطيب فقط. لذا أصبحت المآتم النسائية فترة من الزمن قاصرة على كبار السن حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، عندما اخذت بعض المآتم التوجه إلى إدخال المحاضرة. ومع مطلع الألفية الجديدة أقدمت بعض النساء على تأسيس مآتم، تأخذ طابع العمومية فخرجت من إطار الحي أو العائلة إلى العموم واستقبال أهالي القرية بالكامل، وتنحو منحى الرجال في قصر مدة القراءة، واقتصارها على المحاضرة والناعية.
بعد تطور المنبر النسائي الحسيني عادت النساء إليه من جديد وبزخم كبير، وأصبح يمتلك فرصاً مؤاتية لم تتح له على مر تاريخه، والمتمثلة في الحضور النسائي الحاشد، والمتفاعل بجميع فئاته العمرية وشرائحه الاجتماعية ومختلف مستوياته العلمية، كما أنه يمتلك جوانب كبيرة من القوة والمتمثلة بوجود كوادر نسائية قادرة على العطاء إضافة إلى استقلاله في الإدارة والتنظيم. وعلى رغم ذلك فإن تطويره مقترن بالمنبر الرجالي في الشكل والمضمون، فمثلا لم يتم الحرص على أن كل ليلة موضوع كما هو السائد لدى الرجال، المرأة لم تطرح في منبرها رسالتها وقضاياها مستغلة هذا الحشد والتوجه، وخاصة أن نماذج كربلاء النسائية، فاقت دور المساندة إلى درجة القيادة، واتخاذ القرار، وفن إدارة الأزمات وهو غائب على مستوى الطرح والممارسة النسائية، كما أن بعضها لم يتخل عن بعض الممارسات الموروثة غير العقلانية وكأنها مقدسة، حتى أصبحت نوعا من التماهي مع الغلو والابتداع، المرأة الحاضرة الغائبة في منبرها بحاجة إلى إعادة بناء هذا المنبر، وفق ما تريد وما تطمح، وأي دور تطلع إليه، وأي جيل تصنع.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ
المقال علمي جدا ومهم وموضع حاجة وموفق في الفكرة والاسلوب.. وليته لامس عنوانه أكثر مما اقتصر عليه ف آخر سطرين .
هو كذلك
شكراً للكاتبة على هذه المقالات الرائعة
بحرانيه وافتخر
احسنت بنت ديرتي مآتم اللنساء في تطور وهذا بفضل الوعي الديني وجعل آل البيت وأخلاقهم ومعاملاتهم قدوه لنا