في كتاب (العمود الشخصي) المعروف باسم مذكرات بلجريف للمستشار تشارلز بلجريف، الذي قمت بترجمته في العام 1989، هناك بعض الصفحات حول طقوس العزاء في شهر محرم الحرام لم أترجمها في ذلك الحين لأسباب لا يتسع المجال لذكرها الآن، ويسرني اليوم بمناسبة حلول شهر محرم لعام 1438 هـ، أن أترجمها لما لها من فائدة تاريخية.

خلال العشرة أيام الأولى من شهر محرم، وهو أول شهر في السنة الهجرية، يحتفل الشيعة في البحرين وأماكن أخرى باستشهاد الحسين، نجل الإمام علي الذي هو مع شقيقه الإمام الحسن هما سبطا النبي محمد (ص) الوحيدان. وعادة ما ينتشر الشعور المرير بين المذهبين وتزداد الحرارة بالعروض والتمثيليات للأحداث التي وقعت في العراق قبل أكثر من ألف سنة. وبعض الحكومات تمنع أية مسيرات عامة، لكن نظراً لأن جزءاً من سكان البحرين هم من الطائفة السنية والجزء الآخر من الطائفة الشيعية فإن حاكم البحرين يسمح للشيعة بممارسة احتفالاتهم التقليدية كل عام.

وقد تم اغتيال الإمام علي في العام 660 ميلادية. ومن المعروف أن نجله الأكبر الحسن قد مات مسموماً في العام 668 ميلادية، أما الحسين نجله الأصغر، وبعض أقربائه وأتباعه فقد قتلوا في معركة على أرض كربلاء الواقعة جنوب بغداد في 9 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 680 ميلادية.

ومنذ اليوم الأول من محرم يجتمع شيعة البحرين بعد غروب الشمس في المآتم في المنامة والقرى. والمآتم تشبه قاعات الكنائس في إنجلترا وهي مدعومة بواسطة هبات دينية وتستخدم للاجتماعات الدينية وغيرها من الاجتماعات ولغرض استضافة المسافرين ولتحضير الجنازات. بعض هذه المآتم قديمة ومبانيها رائعة ويمكن للناس الأكل والتدخين فيها لكن هذا الشيء مسموح به في بعض المساجد. في إحدى المرات حينما كنت أعاين بعض الحدائق فيما يتعلق بإحدى القضايا دعاني القرويون للغداء معهم ولدهشتي اصطحبوني إلى أحد المساجد، حيث كان يتم توزيع الوجبة. اعترضت وسألتهم فيما إذا كان من المناسب أن أتناول وجبة الطعام في مسجد، فأكد لي مستضيفي وهو رجل سمين مرح، عُرف عنه بأكل عشر دجاجات في جلسة واحدة، أن ذلك مسموح به. فجلسنا جميعاً على الأرض واستمتعنا بوجبة شهية مع بعضنا البعض.

بعض الوعاظ (الشيوخ) الذين يتحدثون في المآتم في محرم هم ملالي محليّون بينما تستأجر المآتم الميسورة (قرّاء) كما يسمونهم هنا من العراق وإيران والقطيف وتدفع لهم ما يعادل 400 أو 500 جنيه استرليني للعشرة أيام الأولى من محرم. في اليوم العاشر يخرج الشيعة في مواكب دينية كبيرة خلال شوارع المنامة وهم يمثلون ما يوصف بالمسرحية المعجزة للحسن والحسين. وفي السنوات الأخيرة قلّ الاهتمام بإعطاء الجانب الدرامي للمواكب وأخذ المنظمون، وهم رؤساء المآتم، يركزون على إنتاج أعداد أكبر من الجلادين ولاطمي الصدور وضاربي السيوف. وقد درجتُ على قضاء ليلة واحدة أو ليلتين خلال شهر محرم في زيارة المآتم والاستماع إلى القرّاء. وإذا ما تخلّفت عن الحضور في المآتم الرئيسية تصلني رسائل تستفسر عن سبب عدم زيارتي لها. وبعيداً عن نفسي هناك القليل جدّاً، إذا ما وجد، من الأوروبيين الذين دخلوا المآتم، وإذا ما رغبوا في ذلك فأنا لست متأكداً من أنهم سيلقون الترحيب. لقد توجّب علينا أن نمنع الأوروبيين من مشاهدة المواكب في وقت النهار لأنهم درجوا على الضحك على المشاركين في المسيرات الدينية، ويجرون على طول جانب الموكب مركزين الكاميرات على وجوه الناس. الشيعة يعتبرون هذا التصرف غير مؤدب ونحن أيضاً ننظر النظرة نفسها إلى المصورين الذين يلتقطون لقطات وصوراً سينمائية للمشيعين في جنازة. وبعد أن أمضينا بعض السنوات في البحرين، تم دعوة زوجتي مارجوري لحضور مأتم نسائي، وهذه المآتم تشبه المآتم الرجالية لكنها خاصة بالنساء، وربما كانت هي بالطبع المرأة الأوروبية الوحيدة التي دخلت أحد المآتم في شهر محرم.