العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ

بالفيديو ... في حضرة ملا علي بن فايز: «الوسط» تحرث سيرة «مزارع موهوب» أحاله منبر الحسين علماً خالداً

المؤرخ النويدري يطلق نداءه: وثقوا علمياً... واحذروا العاطفة

النويدري يقرأ الفاتحة على روح بن فايز
النويدري يقرأ الفاتحة على روح بن فايز

مزارع مغمور، يقضي يومه بين بساتين الأحساء وجناتها، يحرث أراضيها مستعيناً على ذلك بموهبة شعرية فذة وصوت جميل.

وفي لحظة بدت تاريخية، يسمعه حاكم المنطقة صدفة، فتتلقفه عناية إلهية لتمنحه فرصة ارتقاء منبر الحسين (ع)، ومن هناك يصبح المزارع المغمور والموهوب، علماً خالداً في سماء الخطابة الحسينية.

هو الملا علي بن فايز، القادم من الأحساء بالمملكة العربية السعودية، وضيف سادس حلقات «الوسط» التوثيقية.

وأمس الأول الخميس (6 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، كانت «الوسط» تنتقل بمعية المؤرخ البحريني سالم النويدري وابن قرية (الناصفة) إبراهيم سالم، لمقبرة القرية الكائنة في سند، حيث يستريح رفاة ملا علي بن فايز منذ 114 عاما.

التوثيق العلمي ضرورة

يبدأ النويدري حديثه عن حكاية بن فايز وانتقاله للبحرين، تأثيره وتأثره بها، معرجاً على أسباب خلود اسمه، وهو يقول: «هو علم من أعلام زمانه وما بعد زمانه في مجال الشعر الشعبي والخطابة الحسينية»، ليختتم كل ذلك بإطلاق نداء رسم من خلاله ملامح مرحلة مقبلة. يقول النويدري: «ما نحتاجه اليوم، ونحن نتحدث عن سير شخصيات بارزة، حركة توثيق مبنية على أسس علمية لا عاطفية».

وفي السؤال عن استثمار هذه الشخصيات بمجالاتها التي برعت فيها، قال النويدري: «في البداية نحن بحاجة لتوثيق علمي لسير هذه الشخصيات سواء من الخطباء أو الشعراء أو المتميزين السابقين، على ان يتم ذلك بشكل غير مبالغ فيه»، وأضاف «إنجاز ذلك وبالشكل المطلوب، مازلنا قاصرين عنه، والمطلوب أن نسعى لأن تكون توثيقاتنا علمية بعيدة عن التهويل والمبالغات والادعاءات، على اعتبار أن ذلك يشكل خطراً في حال تم الاعتماد على ما نكتبه».

وفيما إذا كانت مشكلة التوثيق غير العلمي، تعترض توثيق سير خطباء المنبر الحسيني في البحرين، قال النويدري: «نعم، هي موجودة بأسلوب (حب وقول، وابغض وقول)، فإذا أحببت هذا المرء توصله للسماء وإذا أبغضته تنزله للأرض، ولذلك فإن التوثيق لا بد أن يخضع لأسس حيادية علمية بحتة لا تنطلق من العاطفة التي هي ضرورية ولكنها ليست المنطلق».

وأضاف «من المهم ان يكون توثيق تراثنا مبنيا على أسس علمية، وعدم الخضوع للعاطفة، بحيث أنك كباحث وبمجرد وصولك للنتيجة تعلنها، سواء كانت هذه النتيجة ترضيك أم لا ترضيك».

وتعليقاً على صعوبة ذلك، في حالة النتائج القاسية، قال النويدري: «ولكن هذه أمانة العلم، وأنا هنا أخص بالذكر العاملين في مجال البحث، بوصفهم متفرغين ولديهم في الوقت ذاته النفس الطويل، فإذا اكتشفوا اليوم شيئا وغداً اكتشفوا نقيضه يعلنون عنه بلا تردد».

المزارع الموهوب

بداية بن فايز لم تكن حسينية، يؤكد ذلك الباحث النويدري، والزيارة تنطلق من مدينة عيسى حيث منزل النويدري، إلى مقبرة الناصفة: «ولد ملا علي بن فايز كما ينقل في الاحساء وهي موطنه الأصلي واشتغل فيها مزارعا كغيره من أهل الاحساء، وهناك اكتشفت ملكته وهو في صباه، تحديداً في نظم الشعر الشعبي وفي إنشاده بطور يجذب الناس إليه».

وأضاف «وهو شاب، كان يزاول هذا النشاط الشعري (النظم والإلقاء)، وبشكل خاص بين زملائه في المزارع في الاحساء، حيث وكما هو معروف فإن المزارعين يقضون أوقاتهم في الدردشة وفي إلقاء الشعر أحياناً بغرض التسلية».

وتابع «وفقاً لما ينقله المؤرخ الاحسائي الحاج جواد الرمضان: في هذه الاثناء تشاء الصدف أن يمر بين الحقول حاكم المنطقة الشرقية من قبل العثمانيين (من آل جمعة) متفقداً أحوال منطقته في وقت متأخر من الليل، فينجذب إلى سماع صوت مشج لم يسمع مثله من قبل، فيسأل عن صاحب الصوت فيخبر أنه أحد المزارعين فيستدعيه، ويختبر حاله ومستوى أدائه فيسأله عن الشعر الذي ينشده فيجيبه أنه من نظمه، فيزداد إعجابه به ويتأكد أنه امام رجل عصامي شعرا وإنشادا، فيجزل له العطاء ويوجهه إلى النظم في آل البيت (ع)، فيعده أنه سوف يقصر شعره وإنشاده على ظلامتهم (ع)، وهكذا كان».

وأردف «يظهر انه تشجع ووعده بأن لن ينظم في غير أهل البيت (ع)، ومن ذلك الوقت بدأ يتفرغ ويتخصص في هذا المجال، ويجمع بين عمله هذا وبين عمله في الزراعة».

الانتقال للبحرين

تقترب الجولة من مقبرة الناصفة، وقبل مداهمة الوقت (آذان المغرب)، كان النويدري يتحدث «جاءت ملا علي بنا فايز، فرصة الارتحال للبحرين، مزارعاً أيضا، ولكن عرف بترديده هذا اللون من الشعر وهو في المزرعة، فطلب منه الاشتراك في العزاء الحسيني بشعره».

وفي كتابه (حاضر البحرين)، يقول المرحوم الشيخ إبراهيم المبارك: «سكن ملا علي بن فايز، البحرين وتعلم فيها الخطابة ونبغ نبوغاً عظيما لا يكاد يشاركه غيره في الخطابة والشعر العامي، وينشئ شعره على البديهة في وقت إنشاده (...) وله صوت رقيق جذاب فوق الوصف (...)»، فيما يعلق على ذلك النويدري بالقول «هذا يعني أنه جاء جاهزاً من الناحية الشعرية فقط، وتعلم الخطابة فأبدع حيث تحصل على جو في البحرين يتفاعل معه، فنمت عنده حالة الشعر الشعبي والناس تأثروا به كثيراً، كما تعلم فن الخطابة في البحرين وارتقى المنبر. وبالمناسبة، في السابق لم تكن هناك منابر بل وحتى الى فترة بسيطة كما يخبرني المرحوم ملا محمد جعفر العرب، والذي يقول ان الخطيب في السابق لم يكن يرتقي المنبر، بل كان يقف عند اسطوانة ويضع يد على خاصرته ويده الأخرى على خده وينطلق في نعيه وهو واقف على قدميه، فيما يكون المستمعون جلوسا، فينهي الخطيب نعيه وهم لايزالون في حالة بكاء شديد».

الوصول للمقبرة

تصل الجولة لمقبرة الناصفة، والتي تختبئ خلف منازل حديثة أخفت معالم المنطقة القديمة التي لم يتبق منها سوى مقبرة تضم ضريح ملا علي بن فايز.

ضريح يتخذ من أقصى الجانب الشمالي للمقبرة، موضعا، ويتمايز عن بقية القبور بضريح، وعليه طبعت أسماء أهل البيت (ع)، و14 بيتاً من أبيات بن فايز، هذا مطلعها:

«نوحي على الأولاد يا زهرة الحزينة ... في كربلاء واحد وواحد في المدينة...».

ولحظة التوجه للضريح، كان المؤرخ النويدري يستمثر الوقت وهو محمل بأوراق تتحدث عن سيرة بن فايز، من بينها مخطوطة الشيخ إبراهيم المبارك من كتابه (حاضر البحرين)، وأخرى أعدها النويدري بقلمه وهو المعروف بمؤلفاته في علماء البحرين وخطبائها.

بن فايز والبحرين... تبادل الإثراء

في العلاقة بين ملا علي بن فايز والبحرين، فقد أثر وتأثر بها، قدم لها شاعراً فأحالته خطيباً ذائع الصيت. يشير لذلك النويدري «البحرين أعطته الخطابة ونمت له الشعر أيضاً، لأن شعر بن فايز سليقة، والسليقة قد تخون الإنسان في بعض الأحيان إذا لم تتم تنميتها فنياً، وآنذاك كان هناك تنافس بينه وبين الشعراء الموجودين في البحرين ومن أهمهم الشيخ أحمد بن عباس العالي، والذي يعبر عنه الشيخ إبراهيم المبارك بـ»شاعر الروية»، فيما يصف بن فايز بـ»شاعر البديهة»، والروية بمعنى الاعتماد على الاصول الفنية والعلمية، أما البديهة فيعتمد على الذوق والفطرة، وحين يجتمع الذوق بالجانب العلمي، بطبيعة الحال يصل المرء لحالة من التكامل والنضج، وهذا ما استفاد منه بن فايز في البحرين، بالاضافة لفن الخطابة الذي تعلمه هنا في البحرين، وتأثر بخطبائها».

شعر بن فايز

الحديث عن بن فايز، الشاعر، يؤشر لما كانت تعيشه البحرين من حالة شعرية في ذلك الوقت، والتي يصفها النويدري بـ»حالة ازدهار».

يقول: «في ذلك الوقت وعلى مستوى الشعر الرثائي على وجه الخصوص، أو الشعر الحسيني، وعلى مستوى الخطابة الحسينية، فقد كانت البحرين تضم اعلاما بالاضافة للجو العلمي العام، حيث عاش ملا علي بن فايز في زمن الشيخ عبدالله الستري (المقلد)، وعاش في بيئات في قسم من حياته أيضاً كان على علاقة بالسهلة التي كانت تضم عائلة بن سليم، العائلة المعروفة بالعلم والخطابة والشعر والخط أيضاً».

وعن طبيعة العلاقة بين بن فايز وبين عائلة بن سليم، أوضح النويدري «استفاد منهم واستفادوا منه، ومعروف وجاهة عائلة بن سليم في المنطقة، فاستفاد من هذه الوجاهة، كما ان بعض من أولاد العائلة تعلموا الخطابة على يده، ومن بينهم الشاعر المعروف ملا سلمان بن سليم الذي تعلم الخطابة على يد ملا علي بن فايز».

شعر خالد... جمرة غضى

تحول بن فايز، الذي قدم للبحرين تلميذا، تحول أستاذا، وذلك بفضل «إمكانات صوته الموصوف بالجميل وقدراته الإنشادية المؤثرة، فجمع الأمرين»، يقول النويدري ويعقب: «آنذاك كانت الخطابة لم تكن كما هي عليها الآن، انما كان يكتفى من الخطيب بأن يتكلم عن السيرة الحسينية أو سيرة أهل البيت (ع) في مواضع الحزن والرثاء، وأيضاً قراءة بعض الأشعار العربية أو الشعبية في رثائهم أو في مدائحهم».

تتلمذ على يد خطباء البحرين في فن الخطابة، كما أثر في آخرين وتتلمذوا على يديه، فانتقل لدور الأستاذية حتى أصبح أستاذاً لمشاهير بعض خطباء البحرين القدامى من أمثال ملا سلمان بن سليم وغيره من الخطباء.

ومن أبرز أشعار بن فايز الخالدة التي لا تفارق المنابر، تلك الأبيات التي يصور فيها حيرة الإمام الحسين (ع) وهو يهم بالتوجه إلى مصرع أخيه العباس:

جمرة غضى في كفي ... وجمرة عليها واطي

سهم العدا صايبني ... وسهمي عليهم خاطي

خيل تدوس عليا ... وخيل على فسطاطي

وأنا وحيد وحاير ... يا مشرد الخياله

على تلك الأبيات يعلق النويدري «أحسب أن جميع المعاجم الفصيحة عاجزة ألفاظها أن تصور مشهداً إنسانياً في مثل هذه الدقة والروعة والتكامل الدلالي معاً».

بجانب ذلك، وبفضل طوره المعروف بالطور «الفائزي»، فقد أضحى اسم ملا علي بن فايز، خالداً، تذكره منابر المآتم باستمرار.

بشأن ذلك، تحدث النويدري فقال: «انفرد ملا علي بن فايز بهذا الطور، الذي أخذه عنه الكثير ولايزال يردد حتى اليوم»، مضيفاً «من بين من يردده العراقيون الذين حين يقولون الطور (البحراني)، فيقصدون الطور (الفائزي)، على اعتبار أنه يمثل الأطوار البحرانية كافة، أما قصائده فهي الأخرى معروفة».

حيث الضريح

تصل الزيارة للضريح لقراءة الفاتحة على روح ملا علي بن فايز، وهنالك يقف النويدري ليقول: «اختار ملا علي بن فايز سند (الناصفة) موطنا له في آخر حياته، وذلك بعد سترة والتي قصدها بغرض العمل كمزارع فور قدومه للبحرين، وهنالك عرف كشاعر وبدأ الأهالي في التفاعل مع قصائده ومازالوا، وبسبب ذلك بدأ نبوغه يتنامى في نظم الشعر، وهناك كانت شعبيته ومكانته التي انتشرت لمختلف مناطق البحرين، حتى كانت وصايا بعض الأهالي بالدفن بجواره».

وعن سبب تحوله لمنطقة سند، قال النويدري: «لا نعلم سبباً محددا لذلك، لكن كتحليل لا تأريخ، أقول: ربما قد يكون قد اقترن بإحدى بنات المنطقة (من سند)، فمن طرائفه رحمة الله عليه أنه كانت له زوجة في سترة وكانت ظاهراً أنها ربما تتعالى عليه؛ لأنها كما هو يعبر في بعض أبياته (أنها من بيت رفيع)، وهو بوصفه رجل وافد كان يعبر عنها بـ(بنت الطوايف)»، مضيفاً «هو رجل غريب عن هذه المنطقة، لكنه في الحقيقة ليس بغريب، فسواء كان احسائياً أو قطيفياً فهو يعتبر بحرانيا، ينسب لمنطقة البحرين الكبرى».

وتابع «رغم ارتحاله لسند فقد ظل هو على اتصال بالأهالي في سترة، وهم كذلك ظلوا على اتصال به، حتى توفي بداء السوداء، وانتقل الى الرفيق الاعلى سنة 1902، ودفن في مقبرة قرية الناصفة».

الناصفة المندثرة... أحياها بن فايز

ضمن ما يعرف بقرى البحرين المندثرة، تأتي قرية الناصفة. القرية التي التي ذهبت كل معالمها القديمة، وتمتد جغرافيتها وفقاً للشيخ المبارك من بين قريتي سند وجرداب (من بداية مركز مدينة عيسى الصحي القديم إلى حدود قرية جرداب)، وقد أضحت منطقة حديثة، ولم يتبق سوى مقبرتها التي تضم ضريح بن فايز.

يعلق على أهمية المنطقة، المؤرخ النويدري، فيقول: «تكتسب هذه القرية أهمية مضاعفة، وذلك بالنظر لوقوع أحداث تاريخية هامة على أرضها، ذلك إلى جانب عمرها القديم».

وفي مؤلفه (التحف الأوالية) الذي هو عبارة عن منظومة، ضمت أكثر من 1000 بيت من الشعر، تحدث النويدري عن غالبية المناطق في البحرين وأسمى كل منطقة بالتحفة، من بين ذلك (التحفة السندية) التي يشير فيها إلى قرية سند واحتوائها ضريح ملا علي بن فايز، وفي ذلك نظم النويدري قصيدة كان مطلعها:

في (سَنَدٍ) قبر الخطيب المشتهر ... (عليٍ الفائزِ) ذي المجد الأَغرْ

الشاعر الصَّدَّلح نعياً وَشَجا ... وقد أسال بالشجون المُهَجَا

العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:08 م

      الله يرحمه

    • زائر 6 | 8:56 ص

      جميل نعيش مع منبر الحسين قبل أكثر ١٠٠ سنه ومع خدمت الحسين

    • زائر 5 | 4:28 ص

      معلومة تاريخية يجهلها الكثيرون وربما لم يتداولها احد من التاريخيين وهي ان بن فايز عاش في قرية سماهيج حيث استأجره المرحوم الحاج علي بن احمد الحايكي، مؤسس ماتم علي بن احمد بالمحرق، استأجره للعمل في النخل المسمى حينها "الغميضة" واليوم يعرف بالتينة.

    • زائر 4 | 4:12 ص

      الملا علي بن فايز كان يعمل ايضا مزارعاً في سماهيج في دالية نصر لدى المرحوم الحاج علي بن أحمد الحايكي مؤسس مأتم علي بن الحايكي
      هذا بحسب ما بتناقل وسمعه الحاج علي ينشد شعرا واعجب بصوته

    • زائر 3 | 2:25 ص

      رحمه الله .. أثرى المنبر بأبياته
      تشكر الوسط على هذه السلسلة الجميبة ????

    • زائر 2 | 2:21 ص

      رحمة الله عليك اثريت المنبر الحسيني بشعرك النابض من القلب في رثاء الائمة المعصومين

    • زائر 1 | 1:46 ص

      رحمك الله يا ملا علي بن فايز خدمت الحسين عليه السلام فخلدك التاريخ للعلم هذه مقبرة قرية سند و ليس الناصفة و الناصفة جزء من قرية سند كانت الناصفة مليئة بالمزارع و الآن تحولت إلى منطقة سكنية جديدة

اقرأ ايضاً