يحكم المملكة المغربية التي شهدت أمس الجمعة (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016) انتخابات برلمانية، الملك محمد السادس الذي خلف والده الراحل الحسن الثاني على عرش البلاد في العام 1999.
ومنذ ذلك الحين، قاد محمد السادس عدداً من الإصلاحات في مجالات مختلفة، لكنه ظل الحكم والحاكم الفعلي في أهم القطاعات الاستراتيجية والحساسة.
المصالحة مع الماضي
استقل المغرب في العام 1956 بعدما كان تحت نظام الحماية الفرنسي. توفي الملك محمد الخامس في 1961 وخلفه ابنه الملك حسن. بعد توليه العرش، قرر الملك محمد السادس إطلاق آلية للعدالة الانتقالية لطي ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حصلت في عهد والده الراحل خلال ما سمي بـ «سنوات الجمر والرصاص». وبذلك تأسست هيئة الإنصاف والمصالحة في العام 2004 برئاسة المعتقل السياسي الراحل إدريس بنزكري لتكمل عمل هيئة التحكيم المستقلة للتعويض التي استحدثت في العام 1999، واختتمت أعمالها بتقرير تضمن توصيات لإصلاح النظام السياسي اعتمد غالبها في دستور صدر في العام 2011.
هيكلة الحقل الديني
عمد الملك محمد السادس بصفته «أميراً للمؤمنين» بعد تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو/ أيار 2003 إلى إصلاح الحقل الديني من خلال إعادة هيكلة المجلس العلمي الأعلى وهيئة الإفتاء، ومراجعة طرق تكوين الأئمة وإدماج النساء في مجال الإرشاد الديني، إضافة إلى مراقبة أكثر من 50 ألف مسجد والخطب والمواعظ التي تقدمها. وانتهى الأمر بمنع الأئمة والقيمين الدينيين من ممارسة العمل السياسي والنقابي في نوع من فصل الدين عن السياسة.
مدونة الأسرة لإعادة الاعتبار للمرأة
بعد صراع محتدم بين الإسلاميين والمطالبين بالحداثة في المملكة بشأن «الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية»، لجأ المختلفون إلى تحكيم الملك الذي دفع في اتجاه إصدار قانون حمل اسم مدونة الأسرة في العام 2004 لينهي بذلك الانقسام الحاد في المجتمع. وكان هدف المدونة الأساسي تعزيز دور المرأة داخل الأسرة المغربية مع منحها حقوقاً جديدة وتقييد تعدد الأزواج وتسهيل الطلاق. وانتهى مسار تعزيز حقوق المرأة بإعلان المغرب سحب تحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، لكن الجمعيات النسائية مازالت تناضل لإقرار القوانين مقابل مقاومة المحافظين.
تحرير غير مكتمل للإعلام العمومي
تم في العام 2002 إحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري بميزانية من القصر الملكي. وأعلن إلغاء احتكار الدولة لمجال البث الإذاعي والتلفزيوني عبر إصدار قانون خاص بالقطاع. وبعد سنوات من العمل منحت هذه الهيئة في العام 2006 وللمرة الأولى في تاريخ المغرب 10 تراخيص لإحداث واستغلال خدمات إذاعية. لكن مجال التلفزيون ظل حتى اليوم حكراً على الدولة بقنواته التي يقارب عددها العشر، ومازالت المطالب قائمة لتحرير هذه القنوات.
تبني دستور 2011
بعد ضغط قادته حركة 20 فبراير الاحتجاجية بداية العام 2011 في سياق «الربيع العربي»، أطلق الملك محمد السادس في التاسع من مارس/ آذار 2011، عبر خطاب وصف بـ «التاريخي»، عملية إصلاح شاملة للدستور بإشراف لجنة عين أعضاءها بنفسه. وفتحت اللجنة المشاورات وتلقت قرابة 150 مقترحاً انتهت بطرح الدستور للتصويت في يوليو/ تموز من السنة نفسها، فحظي بموافقة الغالبية الساحقة من المغاربة ومكن من تعزيز صلاحيات رئيس الحكومة مع احتفاظ الملك بمجالات استراتيجية أهمها الجيش والأمن والدبلوماسية والتعيين في المؤسسات والوظائف الاستراتيجية.
الأمازيغية
بعد سنوات من النضال الذي قادته الحركة الأمازيغية المغربية، اعترف دستور 2011 في سابقة في تاريخ المغرب، بأن الأمازيغية لغة رسمية وجب تعميمها في المؤسسات الرسمية وتلقينها في المدارس. وتبنى المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك بداية سبتمبر/ أيلول القانون الخاص بجعل الأمازيغية لغة رسمية، وسيكون على الحكومة المقبلة تنفيذه على أرض الواقع. وسبق هذا الاعتراف تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ثم تبني حرف تيفيناغ الامازيغي بتحكيم ملكي واختبار تدريس الأمازيغية في عدد من مدارس المغرب.
تبني الجهوية الموسعة
انتقل المغرب من 16 جهة إلى 12 جهة بعد تبني الدستور لنظام الجهوية (اللامركزية) الموسعة التي تمنح رؤساء الجهات المنتخبين نهاية 2015 سلطات أوسع مما كانت لهم، وتمكنهم من إشراك المواطن في اتخاذ القرار عبر آليات جديدة للديمقراطية التشاركية، وذلك بعد عقود من هيمنة السلطة المركزية على الحياة السياسية من دون تشاور فعلي مع المواطنين.
الحكم الذاتي في الصحراء
الصحراء الغربية أرض واسعة يقطنها نحو نصف مليون شخص، وهي مستعمرة اسبانية سابقة يسيطر عليها المغرب منذ 1975 ويعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أراضيه.
لكن جبهة «البوليساريو» المدعومة من الجزائر تطالب باستقلال الصحراء الغربية وتطالب باستفتاء بشأن حق تقرير المصير.
في 11 أبريل/ نيسان 2007، قدم المغرب مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وانطلق مسلسل المفاوضات مع جبهة «البوليساريو» من دون أن تفضي إلى نتيجة. وهذا ما دفع الملك إلى إطلاق مشروع ضخم لتنمية الأقاليم الصحراوية بموازنة فاقت 7 مليارات دولار نهاية 2015، في نوع من فرض سياسة الأمر الواقع.
سياسة بيئية إرادية
التزم المغرب بخفض انبعاثاته من غازات الدفيئة بنسبة 13 في المئة بحلول العام 2020 بجهد مالي ذاتي قدره 10 مليارات دولار لتنفيذ مشاريع ضخمة لإنتاج الطاقة المتجددة من الشمس والرياح والمياه وتغطية 42 في المئة من حاجات البلاد من الطاقة. وخلال قمة المناخ 21 في باريس، التزم الملك محمد السادس شخصياً برفع تلك النسبة لتصل إلى 52 في المئة بحلول 2030. وساعده ذلك في التأهل لاستضافة المؤتمر العالمي للمناخ الثاني والعشرين المنتظر منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني لمتابعة مقررات مؤتمر باريس التي نصت على الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين مع نهاية القرن الحالي.
العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ