بدأ الماراثون. واستعد المرشحون لخوض غمار الانتخابات النيابية المقبلة المقرر عقدها في 24 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وهي انتخابات برلمانية طال انتظارها منذ حل المجلس الوطني السابق منذ ربع قرن. ويبقى السؤال: ماذا بعد المشاركة الواسعة للجمعيات السياسية بكل تياراتها وتوجهاتها الإسلامية منها والعلمانية في انتخابات المجالس البلدية الماضية؟ هل ستشارك كل الجمعيات والقوى السياسية الموجودة على الساحة البحرينية في معركة الانتخابات النيابية أم سيقاطعها البعض؟ وإذا قاطعها البعض - وهذا من حقه الذي كفله الدستور - فهل يعني هذا اعتراضه على التعديلات الدستورية الأخيرة؟ أم انها تكتيك سياسي يهدف إلى كسب تعاطف قوى الشارع السياسي ثم مفاجأة الجميع والاشتراك في اللحظة الأخيرة كما حدث في سيناريو المجالس البلدية؟ ثمة أسئلة مبعثرة وهواجس القلق من جدوى المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة من قبل بعض الجمعيات السياسية الإسلامية الشيعية والعلمانية التي تلعب دورا رئيسيا مهما على الساحة السياسية الانتخابية المحلية.
هذه الهموم الانتخابية والاحباطات السالفة الذكر استشعرناها وقرأناها في عيون البعض من المشاركين في الندوات والمنتديات والحوارات التي عقدت على مدى الأسابيع القليلة الماضية في أندية العروبة والمحرق وجمعية المهندسين والأطباء البحرينية، وفي بعض الجمعيات السياسية والمجالس والديوانيات العامة، التي عبر عنها بعض المنتدين بعدم رضاهم عن التعديلات الدستورية الأخيرة معتبرين دستور 73 أفضل من دستور 2002 الجديد، مفسرين ذلك على اعتبار ان دستور 73 جاء بوصفه استحقاقا سياسيا وتاريخيا نتيجة للمتغيرات المحلية والاقليمية والدولية التي توافرت مقوماتها آنذاك ومنها الاستقلال عن بريطانيا وخروج المستعمر في العام 71، نتيجة لنضالات الشعب البحريني الطويلة. ثم جاء المجلس التأسيسي الذي وضع نصوص الدستور الذي أخذ بدوره بنظام المجلس الواحد (أي ان دستور73 هو الأصل)، أما دستور 2002 المعدل فقد اعتبره البعض «دستور منحة»، منحه عظمة الملك لشعبه بوصفه عقدا اجتماعيا جديدا بين الحاكم والمحكومين ويسمى في الفقة الدستوري «دستور المنحة» ويطبق في كثير من الأنظمة الملكية الدستورية، ثم جاءت القوانين الأخرى المكملة مثل قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون مجلسي الشورى والنواب وتساوي صلاحيات هذين المجلسين فيما يخص التشريع... إلخ مما حدا بالبعض إلى اعتبارها تراجعات دستورية إلى الوراء لا ترقى إلى مستوى طموحات الشارع السياسي ثم جاء لغر قانون الانشغال بالسياسة وعدم الاشتغال بها، وعدم السماح للجمعيات السياسية بدعم البرامج الانتخابية لمرشحيها كضربة أخرى في خاصرة العملية الديمقراطية برمتها.
وعلى رغم ان هذه الهموم الانتخابية كانت ملموسة في نطاق هذه المنتديات وخارجها، وأحس بها الكثيرون، إلا انه من المفيد القول ان الجميع متفق على ثوابت الأمة ومرتكزاتها الأساسية التي لا تخرج عن نطاق الاجماع والوحدة الوطنية لفصائل القوى الوطنية والشعبية كافة ومؤازرة مشروع الاصلاح الذي بدأه عظمة الملك منذ توليه الحكم والابتعاد عن الطائفية التي تؤدي إلى الفتنة والتي قال عنها رسولنا الأكرم (ص) في الحديث الشريف: «دعوها فإنها نتنة» أي مفسدة تسبب الخراب والدمار للمسلمين. وهنا ينبغي القول إن الأمر الإلهي واضح وصريح، والنص القرآني ثابت لا جدال فيه فيما يخص طاعة الله ورسوله وأولي الأمر أي (الحكام) حيث يقول تعالى في محكم التنزيل «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا» (النساء/ 59) فهذه الآية هي تشريع إسلامي عام في التعاقد الدستوري بين الأمة وأولي الأمر. ومبدأ من مبادئ السياسة الشرعية الإسلامية يجب اتباعها في حال الخلاف والاختلاف بين الحكام والمحكومين. وعلى رغم ان التعديلات الدستورية الأخيرة أفرزت وجهات نظر مختلفة بعضها تؤيد المشاركة وهي غالبية الجمعيات، وبعضها تريد المقاطعة وهي أربع جمعيات، فإن الدستور كفل للجميع حرية المشاركة أو المقاطعة، على ألا نصف المشاركين في الانتخابات بالخيانة والعمالة للسلطة. ولابد أن نبتعد عن خطاب التخوين الجاهز، الذي اصبح شعار الضعفاء في سوق السياسة لمن لا مرجعية لهم، والابتعاد عن وصف المقاطعين للانتخابات بنعوت وصفات مثل الحزبية واللاوطنية حتى يكون هدفنا جميعا خدمة الوطن والمواطنين. وهنا ينبغي ان نذكر المقاطعين للانتخابات المقبلة بأن نرجع قليلا بحوادث التاريخ على الوراء ونقرأ بعض فصولها لعلها ترشدنا وتعيننا على فهم أوضح وصورة أدق وأشمل للوضع السياسي الذي نعيشه الآن. ولنأخذ ثلاث تجارب لأحزاب اسلامية ذات ثقل كبير في الوطن العربي الواسع كنماذج، وهي حركة الاخوان المسلمين في مصر، وحزب الله في لبنان، وحزب العمل الاسلامي في الاردن. جماعة الاخوان (المحظورة) في مصر وهي كبرى الحركات الاسلامية المعاصرة في وطن العروبة وديار الاسلام وتأسست العام 1928، وعلى رغم الحظر الرسمي المفروض عليها منذ قيام حكومة النقراشي باشا في العام 1948 بحل جماعة الاخوان، وضرب كوادرها واعدام قيادييها، وسجن وتشريد مفكريها إبان حكم عبدالناصر، فإنها مع كل هذا مازالت تشارك في الحياة السياسية، وفازت بـ 17 مقعدا في انتخابات مجلس الشعب العام 2000، وأسست استراتيجية التحالف مع الاحزاب الاخرى مثل حزب العمل والاحرار والاقباط المستقلين، وهو ما شكل مفاجأة للشارع السياسي المصري خصوصا والعربي عموما. وحزب الله في لبنان فاجأ كل اللبنانيين بعد أن وضعت الحرب أوزارها باشتراكه في أول انتخابات نيابية في 1992، ثم الانتخابات التي تلتها في دورة 96 ودورة 2000. وكان الاعتقاد ان حزب الله سيقاطع الانتخابات النيابية نتيجة للاختلافات السياسية والعقائدية مع الأحزاب والطوائف والتنظيمات الأخرى من جهة، ومع الحكومة اللبنانية من جهة أخرى.
حزب العمل الإسلامي في الأردن قاطع الانتخابات النيابية خلال التسعينات من القرن الماضي لاعتراضه على القانون الذي أصدرته الحكومة وهو «لكل ناخب صوت»، ولم يلبث ان أعلن حديثا مشاركته في الانتخابات المقبلة وأسفه لتلك المقاطعة السابقة.
إذا لعلنا نستخلص بعض الدروس والعبر من هذه التجارب لمن سبقونا في العمل السياسي، أولها ان المقاطعة لن تخدم تكتلات القوى السياسية والجمعيات التي تعارض المشاركة، لأنها تفقدها ثقلها الحقيقي في البرلمان المقبل، وتخسر حصتها من المقاعد الانتخابية وتصبح منعزلة ومتقوقعة لمدة أربع سنوات بعيدة عن المشاركة في عملية الاصلاح والتغيير في المجلس النيابي المقبل.
ومع تحفظاتنا على بعض بنود التعديلات الدستورية الأخيرة ومنها محدودية الصلاحيات التشريعية المخولة للمجلس المنتخب، فإننا نزعم انها خطوة أولى نحو تكريس العملية الديمقراطية في البلاد. ثم ان اصدار القوانين وسن التشريعات يمكن مناقشتهما وتعديلهما بل وحتى تغييرهما تحت قبة البرلمان، لأنهما نتاج فكر إنساني، واجتهاد بشري لا يدخل في المحرمات، لذلك نعتقد مع احترامنا للآخرين ان المشاركة واجب وطني وديني ينبغي على الكل التفاعل معها بإيجابية
العدد 9 - السبت 14 سبتمبر 2002م الموافق 07 رجب 1423هـ