جاءت الخطوة الأخرى بعد ذلك، منذ بداية الحكم البويهي، وبسبب تدخّل الحكومات وانتشار المتصوّفة، في تفريغ محتوى أدبيات عاشوراء وسلب الاجتماع الشيعي مضمون وروح الحماسة والنضال؛ وذلك من خلال دسّ الروايات والتفاسير السطحية غير الحماسية عن حادثة عاشوراء. ومن سخريات القدر، أن يكون أهم مؤلّفين لكتابي (روضة الشهداء)، و(تركيب بند/الأرجوزة)، وهما الواعظ الكاشفي، ومحتشم الكاشاني؛ من رؤساء المتصوّفة البارزين في عصرهم، ومن الطبيعي أن يقدّما وجهات نظرهما عن عاشوراء بما يتناسب ومذهبهما؛ أي انطلاقاً من المقولة التي تقول: البلاء للولاء. لذا، كما يشير إلى ذلك، محمد صاحبي، تم استبدال واقع هذه الحادثة العظيمة بانطباعات معنوية وعرفانية، ولهذا لاتجد هناك عبارة واحدة في كتاب (روضة الشهداء)، تذكر حقيقة ثورة كربلاء، أو ما انطوت عليه من أهداف سياسية .
وتكتمل الرواية، إذا عرفنا أنّ الكتابين ألّفا بأمر من ملوك تلك الدول، فلابد أن تكون آلية إصدارهما بما يصبّ في مصالح السلطان، فجاءت النتيجة تخدير عامة الشيعة وتجريد مجالس أهل البيت من محتواها الأصيل. فقد تم نشر (روضة الشهداء) بأمر مرشد الدولة وهو من ولاة السلطان حسين المعروفين، بينما طلب الشاه طهماسب نظم أرجوزة (تركيب بند) .
ونشير هنا، إلى الروايات والآراء الغريبة التي شوهت مفاهيم وأهداف الحركة الحسينية النبيلة، وتعميتها وتحريفها. كالقول بأن الإمام الحسين (ع) إنما قُتل من أجل أن يبكي عليه الناس فتُغفر ذنوبهم لا غير، حتى ولو كانوا فاسدين أو غير صالحين! كما كتب ميرزا الطباطبائي: «... يجزع، على الإمام، المؤمنون من الأوّلين والآخرين ويبكونه دهورهم، ويتمنّون الحضور معه ليفوزوا فوزاً عظيماً، وبذلك تغفر ذنوبهم ما تقدّم منها وما تأخر، ويكون بكاؤهم كفارةً لها. وهذا الجزع والبكاء لا يتحقق إلاّ باستشهاده. إذاً فحقيقة استشهاده كفارةٌ لجميع المذنبين» .
وهنا يعلق، مطهري على هذا بقوله، إن فلسفة المدرسة الحسينية ليست مبنية على أساس تربية أجيال من المذنبين، بل هي مدرسة تنبذ المذنبين ولا يمكن أن تكون من صانعيهم. فهي استمرار لمدرسة الأنبياء التي يرد ذكرها في القرآن الكريم ولتخريج المصلحين. وان إحياء هذه الذكرى كل عام إنما يستهدف من ورائها المنبر والموكب الحسيني تخليداً لتلك المدرسة النبوية. صحيح أن النبوة قد خُتمت بالرسول الكريم، إلا أن المدرسة الحسينية جاءت بمثابة المكمل الدائم لمصدر الوحي والإلهام النبوي .
وبما أن الشعائر الحسينية تنقسم إلى نوعين: قراءة المراثي على المنابر، ومواكب العزاء. ومن خلال هذين النوعين، وبالذات طبقة النعاة، نفذت الخرافات والتحريف والبدع في شعائر عاشوراء الحسين (ع). ولهذا فقد تصدى لتنقية هذين النوعين مما أُدخل عليهما من التحريف والبدع، عالمان من كبار علماء الشيعة، هما الميرزا حسين النوري ـ صاحب مستدرك الوسائل ـ حين ألّف كتابه (اللؤلؤ والمرجان سنة 1319هـ)، والذي تعهّد فيه النوري بمحاربة الخرافة وتنزيه المنبر عنها، ونظّر فيه لضرورة توافّر شرطين أساسيّين في النعاة قبل ارتقائهم المنبر تهذيباً لأدائهم، فوضع في الدرجة الأولى شرط الإخلاص، وفي الثانية شرط الصدق؛ كاشفاً من خلال ذلك عما يتلبّد خلف الستار من رياءٍ وتدليس.
والعالم الثاني، العلامة محسن الأمين، صاحب كتاب أعيان الشيعة، الذي وضع مؤلّفه (التنزيه لأعمال الشبيه) سنة 1346هـ/ 1927، متصدياً من خلاله لتهذيب جميع مظاهر العزاء ومراسم التشابيه الاستعراضية. حيث إنّ معنى التنزيه هو تنزيه الحقائق من التحريف، من أجل تهذيب مواكب العزاء من الخرافات والأساطير، بخلاف التنزيه الذي تمت معارضته كثيراً وكتبت حوله الردود والرسائل.
كما أضاف إليهما الشهيد علي شريعتي، الاستاذ بعلم الاديان وعلم الاجتماع الديني، رأياً صريحاً من واقع التاريخ المدون للدولة في عهد أسرة اسماعيل الصفوي الاردبيلي، التي شعرت بحاجة ماسة لشعائر دينية معينة تخدمها سياساً وتُقرب الناس منها عاطفياً. يقول في هذا: «... اما وقد احتاج النظام إلى مثل هذه الأمور، فلا بد من عمل شيء ليسهم في تحقيقها». لذا استُحدث منصب وزاري جديد باسم (وزير الشعائر الحسنية). وقد قام هذا الوزير بجلب أول هدايا الغرب لإيران، وذلك في القرنين السادس عشر والسابع عشر للميلاد. ذهب (وزير الشعائر الحسنية) الى أوروبا الشرقية، وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة بشأن المراسيم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية (المسيحية)، وأساليب احياء ذكرى شهداء المسيحية، والوسائل المتبعة في ذلك، حتى انماط الديكورات التي تُزين بها الكنائس في تلك المناسبات. واقتبس تلكم المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران، حيث استعان ببعض الملالي لإجراء بعض التعديلات عليها لكي تصبح صالحة لاستخدامها في المناسبات الشيعية وبما ينسجم مع الاعراف والتقاليد الوطنية والمذهبية في بلاده. فظهرت موجة جديدة من الطقوس لم يعهد لها سابقة في الشعائر الدينية الإسلامية. ومن بين تلك المراسيم (النعش الرمزي)، والضرب بالآلات الحادة على الجسم، واستخدام الآلات الموسيقية، كل ذلك جاء تحت عنوان (Passions)؛ أي المصائب. وهو المصطلح الذي أطلق على تلك المراسيم التي اقتبسها الوزير، والصقها بشعائر تجسد مصائب آل البيت الاطهار. والغريب أنه لا أحد يعلم السبب الحقيقي في ازدهار وانتشار تلك الألوان الدخيلة على المذهب والحراك الحسيني، منذ ما يزيد على 4 قرون، على رغم مخالفة معظم العلماء لها. يُتبع...
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 5143 - الأربعاء 05 أكتوبر 2016م الموافق 04 محرم 1438هـ
نقد جريء و بنّاء ، أتمنى ان يتم التحقيق في الروايات و تنقيح الأشعار التي تبين ان الحسين ضعيف و يتسوَّلون الناصره وهو الذي خرج للإصلاح في أمة النبي لا خائفاً ولا ضعيفاً ، جزاك الله خير
اكتب ماعليك منهم ،.وهذي محاولة وبعدها محاولات لوقف هذه الخرافات لنتاسى بالنبي وصحابته في الدين الصحيح ، اكتب الشغب يشيلون السواد يومية وانت تكتب وان شاءالله تكون مشترك في وقف هذه الخرافات وتوحيد المسلمين على دين النبي والصحابة بدل هذه الخرافات، اكتب اكتب كله مسجل في ديوان الحسين مع من ازالوا السواد، هنيئا لك قدومك يوم القيامة مع عصبة ازالة السواد
..اكتب ماعليك منهم ..
السيد الگلبايگاني يدعو إلى الاستمرار في مظاهر العزاء وإطعام الطعام وأن الله قد يسلّط الأعداء علينا بتسرب الأفكار الباطلة تأديبا وتنبيها
أحسنت أستاذنا الفاضل
اي افضل نتمادى في اخطاءنا او نصحح الخطأ
موضوع حلو وان شاء الله من المتابعين
( رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي ) شكرا للكاتب السلمان
الاعتدال والوسطيه لان الامام الحسين مدرسه للاخلاق
2
والشي الثاني..من جهه الرواديد اللي للاسف كثير منهم كان له قصائد جميله سابقا..قيامهم بادخال ألحان اقرب للطرب منها للحزن..وحتى السامع لها يعجب باللحن ولو تساله يعيد الكلمات ماضبطت عنده. والكلام عن رواديد كبار للاسف. صار التنافس على عدد الاصدارات بالسنه وليس المضمون والكلمه.
حبيبي عشقي معشوقي الخ كلمات صارت غالبه في قصائد ركيكه تستخدم فيها مؤثرات وادوات مسيقيه بغرض "تمشيه الاصدار".
1
اتفق مع الكاتب في ماكتب والكلام منقول من علماء ومثقفين كبار ونهايه المقال سوال استفهامي لايستدعي العنجهيه بالرد من قبل البعض.
نقد جريء وموضوعي
وأكثر شيء يبعدنا عن الحقيقة هو عدم قدرتنا على الاستماع للنقد
تحياتي للكاتب
سلسلة مهمة من المقالات دكتور، ستصدم البعض ولكن لابد من بيان الحقائق تنزيها لقداسة الإحياء الحسيني، إستمر بارك الله فيك
غريبة اول مره اشوف موضوع حساس مثل موضوع الشعائر تكون الردود كلها مع الكويتب !!
العبوا غيرها يا اشباه النساء
انزين سؤال الى الكاتب الفلته اذا كان في نظرك قضية الامام الحسين ع قد حرفت عن مضامينها، فما هي مضامين ثورة الامام الحسين ع التي اندثرت او غيبت او حرفت كما تدعي يا فلتت زمانك وفيلسوف. جبلة حبشي الكبير
سؤال للاستاذ محمد ... بعد التحية
ما هو مصدر الغترة التي ترتديها؟ ولماذا هي بهذه. الكيفية بالذات ؟؟
ولماذا غيرت لون الغترة من اللون الابيض الى اللون الاحمر من بعد ١٦ مارس ٢٠١١ ؟؟
مع العلم ان البحرينين يلبسون اللون الابيض عادتا والاخوة في المملكة العربية السعودية يلبسون اللون الاحمر؟
متعصب
واضح من طريقه كلامك..ويبدو ةن لك اكثر من رد.
الحين الموضوع بعيد كل البعد ...
ما ذنبا اذا كان المسيحي يحترم عقديته ويبدي الحزن والاسى على ما جرى على نبي اللع عيسى ( حسب اعتقادهم) ؟؟. هل بسبب حزنهم نحن لا نحزن على امامنا؟؟ هل بسبب انهم حاولوا ايصال مظلومية وقضية للعالم نحن نترك مظلومية الامام الحسين ع. لان المسيح سبقونا بعمل التشابيه والديكورات في كنائسهم؟؟
المشكلة عند بعض الجهال انهم. غير واعين لحقيقة فطرة الانسان المشتركة ، فبعض الجويهلة يتعجبون من نوعية الحزن المشترك الفطري النابع من الضمير الانسان لاي شخص سواءا كان مسلم او كافر مسيحي او بوذي شيعي او سني!الجويهلة يتعجبون بالنمط المشترك لتقديس اي شخصية لدى اي طائفة سواءا كانت بوذية او مسلمة؟! فهم وبسبب. الوجع الذي يصيبهم بسبب احياء امر.الامام الحسين ع ذلك الوجع يعالجنه بلصق عادات وتقاليد الطوائف الاخرى مثل البوذية والمسيحية يلصقونها بالشيعة ، بينما التعبير عن الحزن والاسى امر مشترك بين البشر
صح التعبير عن الحزن والاسى امر مشترك بين البشر ولكن احنا قبل كل شي مسلمين ومحاسبين عن اعمالنا ويجب علينا ان لا نتخذ غير المسلمين عبرة وان لا نقوم باعمال منافية لدين الاسلامي
الحمدلله على نعمة العقل
نشكر أستاذنا على ما تفضل به في هذا الموسم وما سبقه وان دل هذا على شيء إنما يدل على حرصه الشديد أن تحيا مناسبة عاشوراء بأجمل معانيها النبيلة دونما تحريف وتشويه .
ابداع جديد ومثري لم يتطرق اليه الكتاب من قبل
استمر بارك الله فيك يا اخينا ، ويا حبذا تستشهد باراء العلماء المعاصرين مثل السيد الحيدري ، وشكرا لاسرة الوسط المبدعيين المجددين وآراءهم التي لم يطرحها احد من قبل سيروا سدد الله خطاكم وشكرا لكم .
من أروع ما قرأت. عمق ومتابعة تاريخية دقيقة
مقال رائع , يحب كسر التابو : الكاتب العزيز حبذا لو تطرقت الى موضوع محمد بن الحنفية ولماذا لم يهاجر مع اخيه الاما م الحسين الى كربلاء ولا احد من ابنائه الثمانية قام بنصرت عمهم (ع) ؟؟ لماذا لما دعاه يزيد بعد واقعة الطف استجاب الى دعوته وحضر مائدته عكس بن عباس الذي كان رده قاسا ليزيد؟ اتمنا من الكاتب الطرق الى هذه التساؤلات في مقالاته القادمة .
لازالت الطقوس الغريبة تستحدث وتلصق بمناسبة عاشوراء...مثل المشي على الجمر...أظن في المستقبل سيتحول موسم عاشوراء إلى مهرجان للحواة وسيشابه السيرك...في تحول غريب عن مضامين حركة الحسين عليه السلام...
اتفق معاك تماماً أخي الكريم
مقال رائع وموفق يحتوي على عناوين مهمة الاجدر بالشباب الواعي البحث في ابوابها واداء تكليفهم في محاربة كل ما يسئ الى قيم الامام الحسين (ْع) بدلا من الانسياق والانجرار لها بعمى بذريعة حب الظهور وغيرها وبذلك نكون في معسكر اعداء الامام .
الحمد لله لدينا من ينقّح المذهب من كل الشوائب وهذا امر جيد ومقال الأستاذ هو احد طرق النقد الجيد
الله يهدي الجميع الى شعأئر الاسلام الصحيح
كل الناس لديهم طقوس ... خلوا الناس في حالهم ...
لا يوجد دين او حتى مذهب ديني نقي لم تدخل عليه التحريفات والتشويهات ... طبعا هذا لا يعني ان التهذيب غير مقبول ... لكن هل من المنطق فتل الناس لأن لظيهم تحريفا في طقوسهم؟!
سؤال : أليس في التراث الفارسي من الفنون ما يغني البويعيين عن نقل الطقوس من اوروبا الشرقية؟ يؤكد جارودي في كتابه حوار الحضارات ان اوروبا ن اقتبست الكثير من فنونها من الشرق ومن بينهم الفرس
نشكر الكاتب على التقييم الممتاز الى المراسم الحسينية اتمناء من الجميع تقييم المستوى لعاشوراء في كل عام وخاصتن من أصاحب المآتم والمواكب والخطباء والمثقفين
المشكلة ان خرجنا من واقعة الحسين وصرنا نبحث عن التمثيل
جزاك الله خير استاذنا محتاجين لمثل تلك المواضيع المفيدة لا تغيب عنا