هو الخطيب ملا أحمد بن محمد بن رمل (1885 - 1957)، القادم من الإحساء حيث أصول عائلته، والمتربع على عرش أبرز خطباء المنبر الحسيني في مملكة البحرين، حتى عده الشيخ محمد علي الناصري «من أشهر خطباء عصره».
وبروح ظللتها الدعابة، ولم يمحها عامل التقدم في السن، ظل ابنا الملا أحمد بن رمل، الحاج داوود والحاج طه، يسردان حكاية أبيهما، لحظة استقبالهما لـ «الوسط» في منزلهما بمدينة عيسى، أمس الأربعاء (5 أكتوبر/ تشرين الأول 2016).
ملا عطية لابن رمل: «لا تراويني وجهك»
في غرفة ازدانت بالكتب والصور القديمة التي التقط بعضها قبل 70 عاماً، وأخرى تجمع ملا أحمد بن رمل مع أخيه من أمه سيدعيسى البطاط في سوق الشيوخ بالعراق الزاخرة بالأدباء والشعراء. هناك، بدأ الحاج داوود الحديث، دون سؤال «علاقة والدي مع الملا عطية الجمري، علاقة أخ بأخيه، حيث عاش معه في المحمرة في العراق لمدة 10 سنوات، وهناك صيغت حكاية المحبة».
وفي حكاية تدلل على ذلك، قال: «كانا يتمازحان بلا أية حواجز، ومن ذلك ما ينقل عنهما: كان الوالد يتواجد في عدد من أماكن قراءة ملا عطية لمجالسه الحسينية، وما إن ينظر في وجهه حتى (يتخربط)، بسبب علاقة الاحترام بينهما، حتى كان يقول له ممازحاً (لا تراويني وجهك، من أشوفك أتخربط)».
أسلوبه الخطابي
عن ذلك، يتحدث ابنه الحاج عبدالودود «استمعت لمجالس كثيرة للوالد، وكان يعتمد أسلوباً خطابياً، يدخل من خلاله عبر خطبة من خطب الإمام علي (ع)، أو قصة من قصص العرب، ثم يتلو التفاصيل، رابطاً كل ذلك بسيرة أهل البيت (ع) وما جرى عليهم»، مضيفاً «لم يكن أسلوب شرح الآيات القرآنية قد أدخل بعد، وهو الأسلوب الذي جاء به لاحقاً الشيخ أحمد الوائلي».
وأضاف «لم يطغَ موضوع محدد على أحاديثه المنبرية، فكان يعتمد في ذلك على نوعية جمهوره وعلى مستجدات الحياة، وكان في ذلك قوي الملاحظة، وهنا لا بأس من الاستدلال بهذه الحكاية: كان يخطب في مأتم حسن مديفع، وفي الأثناء دخلت شخصية بهندام خاص (يرتدي غترة وعقال)، فشعر الحضور أن ملا أحمد بن رمل عمد إلى تغيير الموضوع، فضحكوا وسألوه عن ذلك، فكان الرد (لكل شخصية مقامها)، غير أن الملفت ما رد به الحضور على ذلك (هذه الشخصية للتو خرجت من دار المجانين)».
وعلى رغم اعتماده موضوعات محددة، كان ملا أحمد بن رمل يتناول عبر منبره عناوين ذات صلة بالجوانب الأخلاقية والعقائدية والاجتماعية.
ومن حيث تستريح كتب المكان، استعان الحاج داوود بأحدها، وهو يقول «هذا الكتاب الذي جمعه الخطيب الحسيني محمد علي الناصري، بعد أن زارنا هنا في منزلنا، هو ديوان والدي وعنوانه (صِداحُ البلابل)، وفيه أبيات تلاها الوالد بمناسبة زواج المرحوم ملا يوسف بن ملا عطية الجمري سنة 1354 هجرية، لتدلل هي الأخرى على حجم العلاقة بينه وبين ملا عطية رحمه الله».
شهادة العميد
في مأتم بن رجب ومأتم حسن مديفع، تركز حضور ملا أحمد بن رمل، في الأول قرأ لمدة 16 سنة، وفي الثاني قرأ لمدة 9 سنوات.
قال عنه الشيخ أحمد خلف العصفور، وهو يربط حديثه بلقب ملا أحمد بن رمل «حقيقة أنه جدير بهذا الاسم، إذ هو كالرمل المنهال من القمم عندما يعتلي منبر الخطابة بأساليبه الجذابة، ومن أغرب ما شاهدته فيه أنه يقرأ القصيدة التي يقرؤها بالمقدمة وإذا بها في لسانه أو على لسانه يكسوها لون من الشجى والتعليق الغريب الذي يستهوي السامع فلا يحب أن ينتقل عنه مهما طال التكرار للكلمة حتى يظن الظان أنه نسي ما بعده فيتدخل المستمع في الرد عليه فيحصل على جزائه بلطيفة من لطائفه فيحول ذلك المجلس إلى اضحوكة ساخرة، وإذا بها مقبولة منه، وفي الوقت نفسه يحوله لنار من الحزن لا تنطفئ جذوتها وتتقد اتقادا يسلبها السيطرة، هذا ما كنت أشاهده من منبره وكنت آنذاك في سن الرابعة عشرة من العمر».
وللغزل حضوره
لم يكن شعر ملا أحمد بن رمل، والذي يعود الفضل في حفظه للخطيب الناصري، ذا لون واحد. تعددت الألوان، وشملت الغزل والتشبب، من بين ذلك قصيدة هذا عنوانها (رشا رق لي قلبه)، وهذا مطلعها:
تبدى وورد الخدود انفتق... وكالطل سال عليه العرق
سهرت الليالي لإقباله... فأقبل والليل داجي الغسق
رشا رق لي قلبه مثلما... به راق شعري نسيباً ورق
الشعر واهتمامات واسعة
لم يكن ملا أحمد بن رمل، شاعراً عابراً، يصفه الناصري بالقول «صاحب شعر مرصع وابتكارات، وله أبيات تدل على عبقريته ومقدرته الفائقة في نظم الشعر».
ضمن أحمد بن رمل شعره، اهتماماته الواسعة والتي أظهر واحدة منها عبر نظم قصيدة في رثاء الملك فيصل الأول ملك العراق المتوفى سنة 1352 هجرية، حيث يقول في المطلع:
صدع المنية في الحشى ما يوسا... قد مات فيصل فلتكن مأيوسا
وفي أهل البيت (ع) تعددت أشعاره، فكان يرثي بها الأئمة الأطهار، ومن بين ذلك قصيدة رثائية في الإمام الحسين (ع)، ومطلعها:
طود اليتامى حسين من فوق المهر طاح... نوحوا على فقده او صفقوا الراح بالراح
بجانب ذلك، استخدم ملا أحمد بن رمل، شعره في رثاء شخصيات بارزة من بينها الشيخ والقاضي محمد علي آل حميدان. يقول الحاج عبدالودود «كان ذلك في العام 1954 وفي أحد مساجد المنامة، وقف والدي وهو يردد أبياته:
ليالي الأنس كم ناديتها عودي... والأنس وابن حميدان بملحودِ
وللفلك حضوره أيضاً
في هواية ملفتة، كان ملا أحمد بن رمل الذي يقضي ليله سهراً، دائم القراءة هاوياً لعلم الفلك، بل «ويجيد تفاصيله»، يقول ابنه الحاج طه أحمد بن رمل، ويضيف «لديه منظار (دوربين) كان وسيلته للتعرف على مواقع النجوم وما يترتب عليها من ليالٍ مناسبة للزواج ولبقية المناسبات الاجتماعية.
بموازاة ذلك، يستذكر الحاج عبدالودود يستذكر سيرة والده تحديداً فيما خص علاقته بالقراءة، «برفقتي، كان يقصد المكتبة الوطنية (آنذاك كانت محلاً صغيراً في المنامة في سوق الحدادة)، ومن هناك كان يحرص على اقتناء مجلة الأزهر، فيما كان يحصل من مكان آخر على مجلات من بينها العرفان والألواح».
شديد الطرفة
حياة حافلة بالعطاء لملا أحمد بن رمل عبر منبره الحسيني، لازمتها الطرفة. ذلك ما يتجلى في أحاديث أبنائه وهم يرددون «كانت له مجالس خاصة بالنكت يستلهمها من الواقع، وحتى من على المنبر كان يأتي ببعضها، وفي ذلك قيل لنا (لا يوجد من هو أكثر جرأة من والدكم)»، وأضافوا «بأسلوبه الذي اتسم بعدم التصنع، كان قادراً على جعل الحضور يتسمر لحديثه لساعات، وإذا ذكر اسم والدنا تذكر الروح المرحة».
يقول إحداها الحاج عبدالودود «في إحدى السنوات وفي قرية من قرى البحرين (لم يشأ ذكر اسمها)، سمع أهاليها بملا أحمد بن رمل وصيته في مجال الخطابة الحسينية، فعزموا على استقدامه لمأتمهم وتجربته وهم يرددون (خلونا نجربه، خبصونا به!)، وفي ذلك يقول الوالد (حين دعوني وحضرت، تفاجأت بالحضور وجميعهم يرتدون العمائم (اتضح لي لاحقاً أنه لباس الجميع العالم وغير العالم)، لحظتها خاطبت نفسي بضرورة تقديم قراءة ممتازة تليق بمستوى الحضور، وبالفعل صعدت المنبر وقدمت ما في جعبتي».
وأضاف «لكني لم أرَ أي تجاوب، بل على العكس من ذلك، طلب مني رئيس المأتم النزول من على المنبر واستبدلني بآخر! فجلست أستمع ولم أجد إلا النعي الذي ضج معه الحضور والمأتم»، وتابع «كان رئيس المأتم يخاطبني (خلاص ما نريدك)، لكني واجهته بالقول: لكني أريدكم، وبالفعل حضرت في اليوم التالي وقدمت لهم قراءة نعي بالكامل، وهنا كان تعليق رئيس المأتم (أحسنت على هذه القراءة، عجل ويش اللي عمى قلبك البارحة؟)، فقلت له (عمايمكم)!».
يعقب على ذلك الابن الحاج طه «للأسف، إلى الآن الناس تريد النعي والنعي فقط».
رحيل على أعتاب محرم
في العام 1957، ومحرم الحرام يقترب، اختارت مشيئة الله، النهاية لحياة ملا أحمد بن رمل. حينها كان متواجداً في مسقط بسلطنة عمان، يصاب بأزمة قلبية وارتفاع في الضغط، فيتوفى، ويبقي جثمانه هناك لمدة عام كامل (لتأمينه) قبل أن ينقل للنجف الأشرف ويدفن في مقبرة وادي السلام.
أبنته البحرين، واحتضن مأتم حسن مديفع بالمنامة حفلاً، رثاه فيها الخطباء والشعراء والأدباء، من بين ذلك ما قاله الخطيب العدناني السيدمحمد صالح العدناني في قصيدة، أحد أبياتها:
فعلى المنابر السلام وأرخ... أحمد الرمل فاز في الخلد جارا
بجانب ذلك، كان للشيخ عبدالأمير الجمري، رثاءه في رحيل ملا أحمد بن رمل، بقصيدة اختتمها بالقول:
إن الخطابة مذ أتى تأريخه... بك موت أحمد كسرت أقلامها
العدد 5143 - الأربعاء 05 أكتوبر 2016م الموافق 04 محرم 1438هـ
تعليق
اين منجزات هذا الشيخ . المقال ركز على دعابته و شعر الغزل و رثائه لكبار الشخصيات . هل كان بعيد عن الناس . هل كان خطيب منبر حسيني فقط . هل له منجزات اخرى . هل هو فعلا احد اعلام البحرين في الخطابه . هل كان قريب من هموم الفقرء .
شكرا للوسط لكن
وفي الأثناء دخلت شخصية بهندام خاص (يرتدي غترة وعقال)، فشعر الحضور أن ملا أحمد بن رمل عمد إلى تغيير الموضوع، فضحكوا وسألوه عن ذلك، فكان الرد (لكل شخصية مقامها). المفهوم من الفقره السابقه انه احمد بن رمل يحترم كبار الشخصيات فقط
رحم الله جدي ملأ أحمد الرمل
الذي لم أراه
ولكن رأيته من في حديث محبيه
عن شخصيته المتميزه
وتمنيت لو كنت مولودة تلك الفترة
حفيد الفارابي
شكرا للوسط
التى دائما مع الحدث وبحجم الحدث نسأل الله لهم التوفيق
اسماء نقشت بماء الذهب على صفحات التاريخ
هنيأ لهم التشرف بخدمة ورثاء سيد الشهداء سبط النبي الاعظم صل الله عليه وآله