العدد 5143 - الأربعاء 05 أكتوبر 2016م الموافق 04 محرم 1438هـ

«حوار الحضارات» لجارودي... في البحث عن جذورها والتأثير

ضمن نشاط مجموعات القراءة بنادي سماهيج...

كتاب «حوار الحضارات» للمفكر الفرنسي روجيه جارودي جاء حصيلة تجربة إنسانية طويلة تزخر بعبق تاريخي لامس جميع مناحي الحياة الثقافية ومسيرة البشرية لمختلف الحضارات الإنسانية.

يعالج الكتاب بعض التساؤلات المهمَّة في البحث عن جذور الحضارة الغربية وأهم التقاليد التي أثرت فيها، وأهم الفرص المفقودة جراء التعنت الغربي في عدم الانفتاح على الآخر... وعديد من التساؤلات الملحّة.

يقع الكتاب في مئتين وثلاثين صفحة واشتمل على مقدمة ومدخل وخمسة فصول وخاتمة. وعن هدف المؤلف من وضعه الكتاب قال: «إنني لأرجو أن يسهم هذا الكتاب في توسيع هذا الحوار وتعميقه والاستعاضة عن هيمنة الغرب الثقافية المفروضة خلال أربعة قرون من الاستعمار بتجربة سمفونية هي تجربة الثقافة العالمية الشاملة. ثم بين في مدخل الكتاب أن الهدف من حوار الحضارات هو أن يخترع الجميع مستقبل الجميع.

في الفصل الأول: بلد الغسق وأساطيره، يؤكد جارودي ما جاء به الشاعرالرمزي والفيلسوف الفرنسي بول فاليري من أن أوروبا وليدة تقاليد ثلاثة: في المجال الأخلاقي الكاثوليكية، وفي الحقل السياسي التقليد الروماني، أما في مجال الفكر والفنون فقد ورثت التقليد الإغريقي، كما أكد أن ملحمة جلجامش نشأت قبل إلياذة هوميروس بألف وخمسئة سنة.

أما في الفصل الثاني: الغرب عرض، فأوضح فيه أن الحضارة الغربية رجحت الفعل والعمل، كما رجحت العقل، ورجحان زيادة رأس المال والربح. وبيّن أن التطور الغربي هو في حقيقته تفوق في السلاح والسيطرة على البحر ومقدرات الشعوب وإبادة بعض الشعوب كالهنود الحمر في أميركا، والأزتك في المكسيك، وإجبار بعض البلدان الإفريقية الواقعة تحت سيطرته على إنتاج بعض المحاصيل الزراعية وإشاعة الرق وتهجير ملايين العبيد إلى أميركا؛ ما تسبب في قتل مئة مليون منهم! وفرض زراعة الأفيون على الصين، والانتقال من تجارة الرق إلى الاستعمار بحجج اقتصادية وإنسانية وسياسية واهية. وفي الفصل الثالث:الفرص المفقودة، فيعني بالفرص المفقودة التعرف على الحضارات المنفية التي هدمها الاستعمار؛ كإبادة ثقافة الأزتك والمايا في أميركا، وإبادة معابد بالنك في جنوب المكسيك، والقضاء على حضارة العرب المتقدمة في الأندلس. كما أنهم احتقروا العلْم الصيني في علم الجبر واختراع المطبعة وغيرها. كما أشار لفقد الكثير من الأساطير الهندية والبوذية.

وفي الفصل الرابع: الأبعاد المطلوبة مجدداً، فيبيِّن فيه تأثير الثقافات اللاغربية في الفن الغربي منذ عصر النهضة كالفن الإيراني في صناعة السجاد والتنين والأفاعي الصينية وعروق التنين في رسم اللوحات. كما نجد بيكاسو يستوحي في الغالب بعضاً من أقنعة الفنان الإفريقي باشام. كما أشار إلى تأثير الشعر الإسلامي وخاصة الصوفي في الغرب كقصائد العطار والرومي والسعدي وحافظ الشيرازي. كما استوحى الشاعر الفرنسي أراغون مجنون إيلزا من جنون الحب لدى «مجنون ليلى». كما مثّل المسجد جميع الفنون الإسلامية وردد جارودي هذه العبارة في عدة مواضع من الكتاب «جميع الفنون تقود إلى المسجد والمسجد يقود إلى الصلاة». وبين خلاصة أطروحته عن إفريقيا بأنها تزاوج بين الفكر والمادة.

وقد حاول التفصيل في الإشتراكية (للجماعات الإفريقية) كما أشار إلى (ميثاق الجزائر) وبيّن أن بإمكان الإسلام والإشتراكية أن يتكاملا مع بعضهما فالزكاة وهي ضريبة تتيح إعادة توزيع الثروات. وأشار إلى عدالة القرامطة. كما أشار إلى (ساتيا غراها غاندي). وتربية المضطهدين التي دعا لها باولو فريري وأشار إلى لاهوتيي التحرر والطاوية الصينية.

أما في خاتمة «الحلف الثالث»، فأشار إلى أن البحث ينطلق من نظرة سمفونية للثقافة، ومعنى آخر للتنمية. وبين جارودي أن الحوار الذي يسعى إليه هو ألّا يتنصر المسلمون ولا يتحول المسيحيون إلى الهندوسية بل يتبعوا دياناتهم اتباعاً صحيحاً «إنه يطلب من كل واحد اهتداء عميقاً داخل ثقافته الخاصة».

وتحت عنوان الحلف الثالث: بيَّن أن الحلف الجديد الذي يسعى إليه هو حلف الحضور الجديد ليسوع فالحلف الثالث يدعو إلى علاقة جديدة بين الإيمان والعالم ويبحث عن جذوره بين الشعوب.

ملاحظات نقدية على الكتاب

نستطيع اعتبار أهم مميزات كتاب حوار الحضارات لجارودي: توقيت إصدار الكتاب كان عبارة عن مقاومة لسيطرة القطبين الأميركي والسوفييتي، وبيّن سعة إطلاع الكاتب وملامسته للحضارات الإنسانية، كما أوضح حرصه واجتهاده في البحث عن النقاط المشتركة بين الحضارات بغية صناعة الجميع مستقبل الجميع. وربما يؤخذ على الكاتب تحجيمه للحضارة الغربية، وتوسعه في عرض بعض تراث الحضارات اللاغربية وإهماله للحضارة الأوروبية، ودعوة الكاتب لاندماج الحضارات بالحفاظ على جميع خصوصياتها وهذا يعني في رأينا استحالة الحوار الذي ينادي به، وطرح بعض الأفكار الخرافية عند الأفارقة، وبعض الأساطير الهندية ودعوته إلى دمجها في صنع حضارات المستقبل، وأخيراً تركيزه في نهاية البحث على الكنيسة التحررية وإهماله لباقي الديانات.

ناجي جمعة - كاتب بحريني
ناجي جمعة - كاتب بحريني




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً