ثالث تقارير «الوسط» التوثيقية لسير أبرز خطباء المنبر الحسيني في مملكة البحرين، يكتبها هذه المرة السيدمحمد صالح السيدعدنان علوي الموسوي، أو الخطيب العدناني كما يطلق هو على نفسه.
ومع ولادة هلال المحرم للعام 1438 هجرية، حلت الذكرى التاسعة لرحيل «أحد مشاهير الخطباء في البحرين»، كما يصفه عميد المنبر الحسيني المرحوم العلامة الشيخ أحمد العصفور.
«خطيب التنوع والتلقائية»، يقول عنه نجله سيدجمال الدين الموسوي والذي التقته «الوسط» في منزله بقرية الدير، هناك حيث يتواجد بعض من إرث والده الفكري والثقافي.
والموسوي الابن، هو المتصدي من العائلة الممتدة لجمع وحفظ إرث والده، وهو الملازم له والشاهد والموثق لمئات المجالس الحسينية التي ارتقى منبرها الخطيب العدناني.
عالم مولع بالجمال
رحيل كان الـ (18 يناير/ كانون الثاني 2007) موعده للخطيب العدناني، تاركاً وبعد معاناة مع مرض عضال، إرثاً لعالم دين غزير الانتاج، حتى عدّد أبناؤه مؤلفات تبلغ 150 كتابا في شتى أنواع العلم والادب والتاريخ والعقائد والمناظرات، ألفها في 40 سنة وبعضها لايزال غير مطبوع.
شخصية مركبة، جمعت بداخلها مجموعة شخصيات، وهوايات واهتمامات، من بين ذلك تعلمه اللغتين الهندية والانجليزية، وفن التصوير الفوتوغرافي، وفي ذلك يصفه ابنه سيدفاضل الموسوي بالقول «كانت له في ذلك يد طولى ومهارة بالغة».
عرف عن السيد ولعه بالجمال، حتى قال ابنه الفنان المعروف عباس الموسوي: «عندما يسألني الناس، من أين جاء الفن؟ أقول لهم: لقد ورثت عن أبي 3 أشياء من صفاته، من بينها حبه الفن والأدب والموسيقى، وحبه الناس والحياة».
بجانب ذلك، كان الحديث عن الخطيب العدناني بوصفه «خطيباً ديمقراطياً»، كما يتحدث ابنه سيدعمران الموسوي، منطلقاً عبر ذلك للخروج عن حدود عالم الدين النمطي التقليدي، ولعل دراسته التي استعاض فيها بالهند (بعثة حكومية) بدلاً عن النجف وقم، أحد أسباب ذلك، وهو ما يتقاطع مع حديث ابنه سيدنعمان الموسوي «أتاحت له دراسته في الهند فرصة الانفتاح على الحضارات والثقافات الأخرى».
في إنسانيته: رثى الأميرة ديانا
تقول عنه ابنته نجاة الموسوي، وهي ترسم بعضا من ملامح شخصية أبيها «نبذ الطائفية وساوى بين الطائفتين السنية والشيعية في كل معاملاته الفقهية والشرعية، وكان المرحوم الوالد يحمل في طياته المثل الانسانية»، مستدلة على ذلك برثائه عددا من الشخصيات من بينها انديرا غاندي والاميرة ديانا وجمال عبدالناصر، لا بل أرسل الرثاء الى سفاراتهم في البحرين.
أما ابنه سيدعدنان الموسوي فيروي تفاصيل برنامج أبيه اليومي وقدرته على المواءمة بين ارتباطاته المتعددة، والتي كانت الخطابة إحداها، حيث يقول: «نجح في ذلك والسبب يعود إلى 3 أمور؛ وهي عدم العبث بجدول الاعمال، وبساطته البعيدة المدى، وأخيراً بعده عن البهرجة وحب الظهور».
التوثيق بالوراثة
لم يترك الخطيب العدناني، صغيرة ولا كبيرة إلا وثقها في كراريسه. بعض منها بحوزة ابنه جمال الدين الموسوي حيث يقطن في قرية الدير.
يشير الموسوي الابن لعبارات خطت في دفتر قديم تقلبت ألوانه «لاحظ كيف اهتم الوالد بتسجيل كل شيء، كل شيء، حتى تلك التفاصيل التي قد لا يعيرها الناس اهتماما والتي تتعلق بشئونه وشئون عائلته اليومية».
خطيب وعالم دين، ورث عشق التوثيق، فأبوه هو السيدعدنان الموسوي، الزعيم الديني البارز في حياته، والمتصدي للقضاء والاوقاف واموال القاصرين، وصاحب السجل الشهير الذي لايزال مرجع الأوقاف الجعفرية في البحرين.
من أبيه الذي رحل عنه وهو في سن التسع سنوات، تسلم عشق التوثيق وإلى أبنائه سلم، ومن عمه الشيخ محمد علي بن حسن المدني تعلم القواعد والفقه، حتى قال عنه الشيخ عبدالحسين الحلي (قاضي التمييز الجعفري في البحرين، توفي سنة 1375 هجرية) «قرن طريقه بطريق والده، فسار على أثره وبنى على أسسه جناحا لتحصيل العلوم الدينية»، وأضاف «لا يألو جهدا في البحث والتنقيب والجمع والتأليف والمناظرة».
بداية الخطابة
في العام 1943، كان الخطيب العدناني يضع أولى أقدامه على عتبات المنبر الحسيني، «مستعيناً على ذلك بقدراته الذاتية، ودون أن يتتلمذ على يدي أحد»، يقول ابنه سيدجمال الدين الموسوي.
يتحدث عن أبيه بالقول «لازمته طوال قراءته العديد من المجالس الحسينية وكنت المعني بالتسجيل والتصوير، أستطيع القول إنني وثقت بشكل مباشر المئات منها»، مضيفاً «صال وجال في مختلف مناطق البحرين، وتعددت منابره، فشملت 20 سنة في مأتم مدن، وضعفها في حسينية العصافرة في سترة، ونحو 37 سنة في مأتم سماهيج الكبير».
وعن أسلوب العدناني خطابيا والذي كان «يبكي بحرقة ويتفاعل أثناء كتابة المراثي الحسينية»، يقول الشيخ عبدالحسين الحلي: «حضرت مجالسه الحسينية فوجدته نابغة يستدرج المطالب الطويلة في جمل قصيرة، ويقرب المعاني البعيدة بأساليب شائقة، وقنع بهذه الخدمة الشريفة عما سواها».
«السيد الذي له في كل قرية بيت وتلميذ»، توزعت بصماته، ليشمل ذلك نحو 11 خطيبا ورجل دين، هم أبرز تلامذته.
أضاف للمنبر
وفي الحديث عن علاقته بالمنبر الحسيني، يقول ابنه سيدرضوان الموسوي: «أضاف الكثير للمنبر»، مستشهداً على ذلك بالقول «استحدث بحوراً وأطواراً جديدة في نظم الأبيات والقصائد في مراثي ومدائح النبي وأهل بيته (ع)، سواء باللغة العامية الدارجة أو الفصحى».
وأضاف «اعتبرت تلك الأطوار مدرسة أسسها المرحوم الوالد، وتعاقب على استخدامها خطباء المنبر الحسيني حتى اليوم، ويطلق عليها الخطباء اسم (بحور وأطوار الخطيب السيدمحمد صالح العدناني)».
صديق العلماء والفقراء
تواترت الشهادات بحق الخطيب العدناني، وجميعها تشير الى قدرته على رواية النوادر والطرائف والاحاديث الشائقة، إلى جانب شخصيته المنفتحة على الجميع. في ذلك، يقول ابنه عباس الموسوي: «كان صديقاً لكل الشخصيات علماء وأدباء، وحتى فقراء».
فيما تقول عنه ابنته الملاية بتول الموسوي: «موسوعة تاريخية لا تخطئ الاسماء والارقام والحوادث والتفاصيل الدقيقة».
الأول دائماً
لا تخلو حياة الخطيب العدناني من تفاصيل بإيحاءات الطرفة والمغامرة والتحدي، فهو «الأول وصاحب السبق»، كما يقول ابنه سيدرضوان الموسوي، وهو يعدد بعضا من أسبقية والده «المعمم، سائق الدراجة النارية».
يقول: «هو أول مبتعث من حكومة البحرين رسمياً للتأهل للقضاء للخارج، وهو أحد علامات الحقبة الأولى التي كانت البحرين قد عرفت فيها مجال التصوير، وهو أحد أوائل العلماء المعممين الذين أجادوا الحديث بلغات عدة، شملت اللغتين الهندية والانجليزية، وهو الخطيب الذي تمكن من اعتلاء المنبر الحسيني دون معلم فأصبح أحد أكبر أساتذة المنبر الحسيني في البحرين».
وأضاف «لم تحد أعراف الزمان من انطلاقة السيدمحمد صالح في توظيف التقدم العلمي واستخدام آلاته الحديثة، وبذلك تمكن من كسر الواقع التقليدي لرجل الدين (المعمم) واستفاد من كل الاختراعات الجديدة حتى على مستوى تنقلاته، حيث استخدم الدراجة النارية (الموتور سيكل) للتنقل بها للخطابة في القرى البعيدة، وكان ذلك غريباً لدى الوسط العلمائي أو في العرف الاجتماعي في البحرين، ولم يقدم أحد على القيام بذلك حتى اليوم».
يعزز الحديث بشأن خروج الخطيب العدناني على النمط التقليدي، ابنه سيدكامل الموسوي، فيقول: «لا يعترف بالتقاليد المقيدة أو المميتة، فحين وجد أن الدراجة النارية مفيدة وسريعة ترك الدواب واشتراها رغم النقد والهمز واللمز».
لم تقتصر جرأة الخطيب العدناني على ذلك، يضيف ابنه سيدكامل «شمل ذلك، قراءة الكتب المحظورة ومناقشة الموضوعات الممنوعة دينياً وسياسياً وتاريخياً في زمن الظلمات وقلة الوعي والمعرفة».
بجانب ذلك، طالت أسبقية الخطيب العدناني علاقته بالمنبر الحسيني، وهو ما يشير له المرحوم السيدجواد الوداعي «كان أول من من وضع جدول أسبوعي للمحاضرات التي سيلقيها في مأتم مدن وذلك في عقد السبعينات».
التلقائية المنبرية والإرث الثقيل
«لم يكن يحتاج للتحضير، فما لديه من مخزون فكري وثقافي أهله للاكتفاء الذاتي»، بهذه العبارة يلخص سيدجمال الدين الموسوي، قدرات أبيه في اعتلاء المنبر الحسيني. وعرف عن الخطيب العدناني شغفه الشديد بالقراءة والكتابة، حتى نقل عنه «درج على القراءة والكتابة لأكثر من 60 عاماً، وبصورة يومية معدلها 8 ساعات»، كما قيل «كان يلتهم الكتاب في يوم واحد».
يضيف لذلك ابنه سيدرضوان الموسوي «كون مكتبة كبيرة بمنزله في النعيم فاقت الـ 3 آلاف كتاب جمعها طوال حياته، وبها أكثر من 300 مخطوط تزيد أعمارها على الـ 200 سنة، حفظها طوال فترة حياته بكل اهتمام وعناية». إرث عدناني ثقيل لا يقتصر على الكتاب، فيما يعلق عليه ابنه سيدجمال الدين بالقول «ترك الوالد مكتبة ضخمة، كان يعبر عن كتبه ويوصي بها، بالقول (إنها ثمرة عمري)، ونحن في العائلة نعاهده على المضي في حمل هذه الأمانة الكبيرة والمحـافـظـة عليها، والسعي لطبــاعـتــها وتنقيحها».
العدد 5142 - الثلثاء 04 أكتوبر 2016م الموافق 03 محرم 1438هـ
الله يرحمه كان عالم جليل
شخصية نادرة ومتعددة المواهب الله يرحمه ويغفر روحه الجنة . آمين يارب العالمين