أحيا محبو الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر في مصر والأقطار العربية كافة، الأسبوع الماضي الذكرى السادسة والأربعين لوفاته (28 سبتمبر/ أيلول). وعلى رغم مرور هذه الأعوام الطويلة جرت خلالها في مصر والعالم العربي والعالم بأسره، أحداث ومتغيرات تاريخية كبرى بحجم امتداد القرون، فإن لا أحد ممن خلفوه في رئاسة مصر قد تمكن من سد الفراغ القيادي الكبير الذي تركه ولو بأدنى الحدود التعويضية، دع عنك فراغه القيادي كزعيم عربي لم يضاهه أحدٌ من قادة الدول العربية جمعاء في عصرنا الحديث.
وبات واضحاً كلما اشتدت نكبات العرب وكوارثهم السياسية اشتد طردياً معها حنينهم إلى عصر الزعيم عبد الناصر، في ظل غياب زعامة جديدة كارزمية شعبية من وزن شعبيته ومبدئيته وحزمه الذي لا يلين مع أعداء الأمة العربية، وهم بالدرجة الأولى «إسرائيل» والصهيونية العالمية وحلفاؤهما من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. ولا أعتقد أن ثمة أحداً عايش بكل عقله وجوارحه وعواطفه تلك الحقبة الناصرية الذهبية من الكرامة العربية في تاريخ مصر والعالم العربي وألمّ بدقائق سيرتها السياسية إلا وقد داعب مخيلته هذا السؤال بحرقة: ماذا لو عاش عامين إضافيين فقط وجرتحرب تحرير سيناء تحت قيادته؟ هل كانت الحرب يا تُرى ستنتهي بتلك النتائج العسكرية والسياسية غير الحاسمة في تحقيق الانتصار كاملاً على العدو؟ وذلك بالنظر إلى الإدارتين السيئتين للمعركة، عسكرياً وسياسياً، تحت قيادة خلفه أنور السادات الذي لم يكن فاشلاً في إدارة معركة أكتوبر 1973 عسكرياً فقط، بل وفي العجز عن تعظيم مكاسبها السياسية على الأقل.
والأنكى من ذلك ارتماؤه كاملاً في أحضان أميركا بُعيد تلك الحرب مباشرةً، واعتبارها تملك 99 في المئة من أوراق اللعبة في حل مشكلة الشرق الأوسط، وهو ما قاده للمراهنة على الحل السلمي بقيادتها من خلال عقد صلح منفرد مع العدو الاسرائيلي بدون أية أوراق ضغط مصرية وعربية على مائدة المفاوضات قوية على نحو ما شاهدناه فياتفاقيات كامب ديڤيد 1978 والتي أخرجت مصر كُلياً من حلبة الصراع العربي منذ ذلك العام إلى يومنا هذا.
ولعل السؤال الآخر أيضاً الذي يداعب مخيلة أحلام من أحسوا بالفراغ القيادي الكبير الذي تركه عبد الناصر هو: لماذا اختار أنور السادات نائباً له ليخلفه بعدئذ في الحكم ولم يختر أقرب الناس إليه وإلى مبادئثورة يوليو، وعلى وجه التحديد، شخصية من طراز علي صبري رفيق دربه والذي أسند إليه هذا المنصب في فترة من الفترات قبل أن يُعهد به إلى الأول؟
بيد أن المرء لو سار هذا النحو من التساؤلات المداعبة لأحلام اليقظة الكارهة معايشة الواقع الفاجع المرير الذي يمر به العرب، وبخاصة في ظل ما تمر به سورية راهناً من أحداث جسام غير مسبوقة تاريخياً في خطورتها، يمكنه طرحها (التساؤلات) أيضاً فيما يتعلق بالرئيس الراحل حافظ الأسد الذي حكم سورية خلال الفترة الممتدة بين (1970 - 1999) وكان معروفاً بحنكته ودهائه السياسي وقوة شخصيته. فهل كانت سورية ستشهد كل هذه الكوارث التي تشهدها الآن لو أمدّ الله في عمره إلى يومنا هذا؟ ألم يكن هو نفسه الذي أنقذ سورية من اجتياح تركي مؤكد وبدعم من «الناتو» في أواخر تسعينيات القرن الماضي بعد أن هدّدت أنقرة بهذا الاجتياح إذا لم تطرد سورية زعيم حزب العمال الكردي التركي عبد الله أوغلان من أراضيها، وهو ما انصاع له الأسد لإنقاذ بلاده من حرب هزيمتها فيها كارثية مؤكدة، بالنظر لغياب أدنى توازن عسكري واستراتيجي بين البلدين.
أو لم يكن الأسد هو نفسه الذي تزعم الجناح المعتدل في حزب البعث الحاكم في سورية، وأنقذ الحزب والبلاد من الجناح اليساري المغامر في الحزب الذي كان يمثله أنور الأتاسي وصلاح جديد بانقلابه العسكري في العام 1970؟ إذ من المعروف أن هذا الجناح تسببت سياساته المتطرفة في الحشود الاسرائيلية المزعومة على الحدود مع سورية، والتي تم استدراج الرئيس عبد الناصر للرد عليها بالتعبئة العسكرية والحشود المضادة على الحدود مع فلسطين المحتلة في سيناء، فضلاً عن قرار سحب قوات الطوارئ الدولية مما مهّد الأجواء والذرائع لشن «إسرائيل»حربها العدوانية في يونيو/ حزيران 1967 .
وهل كانت سورية أصلاً ستلحق بها الكوارث التي تلحق بها الآن لو عمّر حافظ الأسد إلى يومنا؟ بل ويمكن التساؤل أيضاً: ماذا لو ترك أمر الخلافة لرفاقه من كبار القادة المدنيين والعسكريين في الحزب والدولة الذين ضحوا بالمغامرة معه بالانقلاب العسكري تحت قيادته ليقرروا، ولو بتزكيةٍ منه مقدماً، من هو أكفأهم لتولي منصب قيادة البلاد والحزب في حالة رحيله، ولم يصر غير مرة على أن يكون خليفته في قيادة الحزب والدولة واحداً من أبنائه، المرة الأولى ابنه الراحل باسل والذي قُتل في حادث سير غامض قرب المطار، والمرة الثانية ابنه بشّار الذي استدعاه من مكان عمله في لندن كطبيب عيون ليؤهله على العمل السياسي تمهيداً لخلافته. هل كانت هذه الكوارث الراهنة التي تشهدها سورية ستحدث كما هي حادثةً الآن تحت قيادة ابنه بشّار؟ هو الذي لم يمتهن العمل السياسي والحزبي قط وانخرط فيه بناءً على رغبة أبيه.
ومن المفارقات بين القائدين المصري والسوري عبد الناصر وحافظ الأسد، أنه في الوقت الذي كان الزعيم الأول قد أبعد نهائياً أبناءه عن السياسة وشئون الحكم على رغم أن بعضهم كان متشرباً بأفكاره ومبادئ ثورة يوليو حتى بعد رحيله، وعلى الأخص ابنه البكر خالد وابنته هدى، وكلاهما يمتلكان ثقافةً ووعياً سياسياً كبيراً، فإن ابنَي الثاني، باسل وبشّار، لا عهد لهما بالعمل السياسي مطلقاً وثقافتهما السياسية تقترب من الضحالة.
والحال أنه لا أحد يمكنه أن يتحكم في مشيئة الأقدار، فكل نفس ذائقة الموت، ليرسم مسار التاريخ كما يحلو له، إذ سيظل سوء أو خطأ الاختيارات أو القرارات المصيرية الصعبة هي من سمات حكم الفرد الشمولي مهما كانت قوة شخصيته ومهما كانت تتمتع بقوة تأثير وجاذبية كارزمية في أوساط الشعب، ومهما تحقق من إنجازات وطنية، إذ لو جاءت شخصية كهذه مُنتخبة في ظل حكم دستوري تعددي حقيقي في كلا البلدين لقُيض لكليهما على الأقل لو مات على حين غرة، أن تخلفه قيادةٌ تُجنّب ما مرت به بلادهما من كوارث سياسية غير مسبوقة في تاريخنا العربي الحديث .
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5141 - الإثنين 03 أكتوبر 2016م الموافق 02 محرم 1438هـ
مؤسف جداً دفاع بعض المعلقين عن بشار و هو الذي قتل من الشعب العربي السوري مئات الآلاف فقط من اجل الحفاظ على كرسي الحكم
تم تغيير الدستور السوري في أقل من 24 ساعة و أصبح أقل عمر لرئيس الجمهورية السورية 34 سنة بدلا من 40 سنة ليناسب مقاس المحروس بشار .. و كل ذلك كان و وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت في دمشق تشرف على سلاسة انتقال السلطة عموديا من حافظ الى بشار و بعدها حدثونا عن المؤامرة الكونية.
الأمّة لا تريد قائدا مثل جمال عبد الناصر والدليل انه عندما جاء لهم البديل قاموا كلهم ضدّه بل وسخّروا كل امكانياتهم لحربه
استاذ رضي لحد الان لم تكتشف سبب الحرب الكونية علي سوريا المقاومه - قلعة الصمود العربى ؟ يمكن تتصحف صحيفة او قناة واحجة فقط لهدا السبب لم تكتشف ؟ مقالك جوهره غير منطقى وغير واقعى وغير منصف نورك الله !
يعني من كلام سوريا مستهدف من زمان بس الظروف أخرت العملية الى2011السيد الرئيس بشار الأسد يقاوم الإرهاب مع مشاريع التقسيم في سوريا مثل الراحل حافظ الأسد