تسجِّل الصين مؤشرات مرتفعة في مبيعات المزادات الفنية العالمية، وخصوصاً بعد تجاوزها الازمة المالية العالمية في العام 2008، وباتت أعمال الفنَّانين الصينيين تسجِّل أرقاماً قياسية في مبيعات الأعمال لفنانين مازالوا على قيد الحياة، ومن بينهم زينغ فانزي، الذي يُعدُّ واحداً من أكثر الفنانين شعبية في عصره، بالإضافة إلى كونه واحداً من الفنانين الأكثر نجاحاً من ناحية قيمة مبيعات لوحاته في آسيا؛ إذ بيعت لوحته «العشاء الأخير» (1) التي أنجزها العام 2001 وأهداها إلى ليوناردو دافنشي؛ بمبلغ 23.3 مليون دولار في «سوثبي هونغ كونغ»، وهي محاكاة للوحة دافنشي، باستثناء استبدال الـ 12 حوارياً بـ 12 من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني. وفي مايو/ أيار 2008، بيعت لوحته «سلسلة القناع 1996 رقم 6» مقابل 9.6 ملايين دولار في هونغ كونغ. التقارير التي ظهرت في النصف الأول من العام الجاري (2016)، تشير إلى أن الصين احتلت المركز الأول على المستوى العالمي في سوق مبيعات الأعمال الفنية في المزادات؛ إذ بلغت قيمة مبيعاتها 2.3 مليار دولار؛ أي نحو 2.1 مليار يورو خلال النصف الأول من العام 2016؛ وفقاً لمسئولي صالة المزادات الفرنسية «آر - بريس».
آمي كين من صحيفة «نيويورك تايمز» أجرت حواراً مع زينغ فانزي، يوم الخميس (22 سبتمبر/ أيلول 2016)، تناول المراحل التي مرَّت بها تجربته وآفاق تطورها، كما قدَّم رؤية عن سوق الفن الصيني، ولم يخْلُ الحوار من تناول للسياسة وإن منْ طرف قصيّ. هنا أهم ما جاء فيه:
كي تتحصَّل على دلالة بشأن النمو الملحوظ في سوق الفن الصيني المعاصر، لا تنظر إلى أبعد من الفنان زينغ فانزي، البالغ من العمر 51 عاماً؛ إذ حقق عمله ثاني أعلى سعر لفنان صيني حي، وفقاً لموقع «Artnet» ((http://www.artnet.com في العام 2013، عن لوحته التكريمية «العشاء الأخير» التي أنجزها العام 2001 وأهداها إلى ليوناردو دافنشي؛ حيث بيعت بمبلغ 23.3 مليون دولار في «سوثبي هونغ كونغ»، ما جعلها، في ذلك الوقت، تدخل سجلَّ أكبر سعر لمزاد يحصل عليه عمل لفنان صيني معاصر.
في الأسبوع قبل الأخير من شهر سبتمبر، كشف مركز أولينس للفن المعاصر في بكِّين عن المعرض الاستعادي لزينغ فانزي: «مسار»، والذي سينطلق في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ويغطي ما يقرب من ثلاثة عقود تبرز فيها الأعمال الرئيسية الكاملة للفنان، بما في ذلك أعماله التي أنجزها مبكِّراً ومن بينها سلسلة «مستشفى»، والتي رسمها زينغ استناداً إلى ذكريات المستشفى الذي كان يستخدم مرحاضه، كون منزله لا يتوافر على مرحاض. كما يتضمَّن المعرض سلسلة «أقنعة» ويصوِّر فيه سكَّان المدن وهم في أحسن هندام، مُرتدين أقنعة بيضاء. وتُعدُّ السلسلة بمثابة تعقيب على التحوُّل الاجتماعي للصين في منتصف تسعينيات القرن الماضي. وللمرة الأولى في الصين، يُظهر العرض الأعمال الأخيرة لزينغ - وهي سلسلة من الأعمال الفنية التي قوامها الحبر - ما يشير إلى التحوُّل الذي مرَّ به الفنان في مرحلة اندغامه مع اللوحة الصينية القديمة.
في المقابلة، ناقش زينغ موضوعات الثقافة التقليدية الصينية، وسوق الفن الصيني، كما تناول الحوار مزج موضوعات سياسية بالفنية.
آخر أعمال على الورق تُشير إلى تحوُّل نحو الثقافة الصينية التقليدية. لماذا هذا التحوُّل؟
- جاء هذا التحوُّل لعدَّة أسباب. على سبيل المثال، بطبيعتي أحبُّ تصميم الحدائق، وللقيام بذلك، يجب أن يكون لديك تقدير معيَّن للجمال الطبيعي للأشياء مثل: الحجارة والنباتات. لوحة الإمبراطور هوي تسونغ (2) «الاستماع إلى آلة تشين» (3) هي اللوحة الأجمل من سلالة سونغ (4). ولأكثر من عشرة أعوام، كنت أرصد جمال شجرة الصنوبر في تلك اللوحة. وعندما أسافر إلى اليابان وأماكن أخرى، أبدي اهتماماً خاصاً بهذه الشجرة؛ لذا، فالتحوُّل ذاك هو مزيج من دراسة اللوحات ومراقبة العالم الحقيقي.
مع مرور الوقت، بدأت أدرك أن الأمور التقليدية لها جمالها الخاص. ربما يكون ذلك الأمر مُرتبطاً بسنِّي. فعندما تصل إلى سن معيَّنة، تبدأ بشكل طبيعي التحوُّل إلى روح من التأمل.
ما هو موضوع التشعُّبات التي تريد التدليل عليها في أعمالك المرتبطة بالمناظر الطبيعية؟
- الناس في الغرب يعتقدون بداية بأنه نوع من ضرَبات فرشاة تعبيرية فحسب. اعتقدت في وقت مبكِّر بأنه أمر من هذا القبيل. ولكن في وقت لاحق بدأت أدرك أن التشعُّبات هي على صلة أكثر بفن الخط الصيني التقليدي. لذلك مع قيامي بالرسم، أعير اهتماماً خاصاً بإيقاع وروح الفرشاة، مع الاعتقاد بأن كل ضربة من ضربات الفرشاة لها حركتها الخاصة والجمال الداخلي الخاص بها. إنها مختلفة عن التعبيرية الغربية، ليس لأن التعبيرية الغربية سطحية، ولكنها تتميَّز أكثر بالمعاينة الخارجية للفرشاة، في حين أن الخَط - كفنٍّ - له ارتباط بالحالة الداخلية للعقل.
إذا نظرنا إلى الوراء في حياتك المهنية من خلال هذا المعرض الاستعادي، هل ثمة فترة معيَّنة من الزمن تشعر بالحنين إليها؟
- ليس بالضرورة. كل عمل من الأعمال يمثِّل حياتي والأحاسيس في ذلك الوقت على وجه التحديد، وجميع المراحل متداخلة وعلى ارتباط وثيق. على سبيل المثال، هجرْت العمل على لوحات المناظر الطبيعية إلى أعمال صغيرة على الورق. كل مرحلة من هذه المراحل لها عنصر معيَّن من حيث تباينه.
إذا نظرتي إلى أعمالي السابقة، ستجدين اختلافات كبيرة أيضاً. هناك ثلاث لوحات أنجزتها في وقت من مبكِّر، حين كنت في السنة الثالثة بالجامعة، وهي متواجدة في المعرض. قال لي أستاذي وقتها: لا ترسم مثل هذه. انظر إلى لوحاتك، لم تستخدم أي لون. وبناء على رؤيتهم، كان عليكَ أن ترسم وفقاً لمبادئ توجيهية صارمة للغاية. كان على الألوان أن تُبرز كيف يبدو الموضوع حقاً في الحياة الحقيقية. ولكنني لم أكن أريد أن أتبع مثل تلك المبادئ التوجيهية. لو أنني فعلت ذلك، فسأكون مُحاصراً داخل تلك المبادئ، ولن تكون هناك أية وسيلة لاستكشاف الإبداع من خلال ما أتحسَّسه. وبالتالي، لم يكن اللون بتلك الدرجة من الأهمية بالنسبة لي. إذا نظرتي إلى الأعمال التي أنجزت في وقت مبكِّر، فستبدو داكنة قليلاً؛ إذ استخدمت الكثير من الطلاء الأسود، فيما يبدو البشر في اللوحات رماديين جداً.
في البداية، مُعظم هُواة جمع الأعمال الفنية الذين اشتروا أعمالك كانوا أجانب. ثم بدأت تلحظ المزيد من الاهتمام من قِبل جامعي الأعمال الصينيين. هل يمكنك وصف هذا التحوُّل؟
- انتقلت بداية إلى بكِّين في العام 1993. والذين اشتروا أعمالي في ذلك الوقت كان معظمهم من الغربيين، كالأشخاص الذين يعملون في السفارات الأجنبية أو الذين يدرِّسون في الجامعات. في العامين 2004 و 2005، بدأنا نرى المزيد والمزيد من المواطنين الصينيين يُقبلون على شراء الأعمال الفنية. أتذكر ذلك بكل وضوح، لأنه قبل تلك الفترة، لم يكن أحد يفعل ذلك، ولمدَّة 10 سنوات أو نحو ذلك، لم تتغيَّر أسعار أعمالنا على الإطلاق. لم نكن نعرف حقاً جامعي الأعمال الفنية من الصينيين الجدد، ولم نكن نستطيع تحديد ما إذا كانوا فعلاً أحبُّوا تلك الأعمال.
إلا أنه بدءاً من العام 2007، بدأنا نرى الكثير من الذين يقلِّبون الأعمال ويتفحَّصونها. في البداية اعتقدتُ أن الإقبال على الشراء كان جيداً، لكن عندما بدأت السوق تنتعش أكثر من اللازم، صرت في حال تأهُّب. لم أكن لأبيع لشخص يُريد شراء 20 من لوحاتي لأن ذلك كان يثير الكثير من الشبهات لديَّ.
ماذا حدث بعد؟
- في العام 2008، شهدنا الأزمة المالية العالمية، وفجأة انتهى الأمر بإغلاق كثير من صالات العرض أبوابها. بعض الناس كانوا قد اشتروا الكثير من اللوحات. حتى أن شخصاً واحداً اشترى 100 لوحة من فنان واحد.
بعد أن عبرْنا العام 2008، نضج معظم الفنانين هنا. سوق الفن شيء لا يمكنك العبث معه. عليك أخذ الأمر خطوة بخطوة، عليك أن تتطوَّرْ ببطء، واعمل بصدق مع المُحترَفات الفنية لبيع أعمالك للأشخاص الذين يُحبُّون الفن فعلاً، وليس للأشخاص الذين يحاولون المضاربة على الفن. الآن بعد أن قمنا بالعمل مع كثير من المعارض والمتاحف العالمية، استفاد الفنانون هنا من التجربة إلى حدٍّ كبير، ولم يعد الأمر الآن كما كان في العام 2007. كنا بحاجة إلى تلك الفترة كي ننضج.
هل شعرت يوماً بضغوط إما لتجنب السياسة أو للتعامل معها في عملك؟
- أعتقد أن كل فنان يختار طريقته في التعبير. أنا شخصياً اخترت إنجاز أعمال تقوم على الموضوعات التي أنا مهتم بها، ولن أنجز أعمالاً فقط من أجل اجتذاب أكبر عدد من الناس. ولكن هذا لا يعني أنني لا أوْلي اهتماماً بالمجتمع. على سبيل المثال، في أعمالي الأولى «مستشفى»، كنت مُهتماً جداً بالقضايا الأساسية الإنسانية. أعير انتباهي للمجتمع وحياة الناس من حولي. لكنني لن أقدِم على أمر لمجرد كونه استفزازياً.
ضوء
ولد الفنان الصيني المعاصر زينغ فانزي في العام 1964 في ووهان، عاصمة هوباي (مدينة تقع في شرق الصين الأوسط على نهر يانغتزيه (تشانغ جيانغ)، وهي مركز صناعي واقتصادي رئيسي بالنسبة إلى وسط الصين)، نشأ وترعرع خلال الثورة الثقافية. التحق بأكاديمية هوبي للفنون الجميلة. يُقيم في العاصمة (بكِّين) منذ العام 1993. منذ المراحل الأولى من حياته المهنية، اتسمت لوحاته بالعاطفية المباشرة، مع تضمينات للشعور النفسي الذي تجسِّده بديهة الفنان، كما أولى توجُّهه عناية بالتدرُّج التقني التعبيري.
بانتقاله إلى بكِّين في مطلع تسعينيات القرن الماضي، أبرز فن زينغ تحوُّلاً فورياً، استجابة لانغماسه في أكثر من بيئة. وتبرز سلسلة «القناع» الحافلة بعميق الدلالات، التوترات بين المخاوف الوجودية المهيمنة على الفنان، واللجوء إلى العلاج التهكُّمي على الغطرسة، والتهيؤ لتسجيل موقف جوهري تقتضيه حياته المدينية الجديدة. وخلال تجربته الفنية، عمل زينغ على تقنيات تعبيرية مناقضة للاتجاه التقليدي.
عُرضت أعماله في جميع أنحاء العالم وفي أماكن مثل: متحف شنغهاي للفنون، متحف الفن الوطني في الصين، متحف الفن في بون، متحف الفن في برن السويسرية، مركز الفنون بسانتا مونيكا، مركز الفنون، ومتحف الفن الحديث في العاصمة الفرنسية (باريس).
هوامش لابد منها
(1) لوحة «العشاء الأخير» حطَّمت الرقم القياسي لأغلى لوحة فنية آسيوية معاصرة، وذلك في نهاية شهر سبتمبر 2013؛ إذ وصلت قيمتها إلى 23,3 مليون دولار.
ويبلغ طول اللوحة التي أنجزها زينغ فانزي العام 2001، أربعة أمتار، وفيها رؤية معاصرة قريبة إلى المحاكاة لعمل الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي؛ حيث تصوِّر العشاء الأخير الذي ضم المسيح والحواريين الـ 12 عشر.
(2) هوي تسونغ، لقب الإمبراطور تشاو جي، وهو رسَّام وخطَّاط صيني من أسرة سونغ الشمالية (960ـ 1127)، والابن الحادي عشر للإمبراطـور شن تسونغ، والإمبراطور الثامن في أسرة سونغ الشمالية. تسلَّم العرش بين عامي 1100ـ 1125، وكانت حقبة حكمه مليئة بالفساد والإفساد السياسي وفترة ازدهار وانتعاش فني.
(3) تشين: آلة وترية نقرية منتشرة في الصين صوتها قوي التعبير. يمكن عزفها بشكل منفرد أو جماعي أو لمصاحبة الغناء والأوبرا، وتحتل مكانة مهمة في موسيقى العزف الجماعي على الآلات الموسيقية الشعبية والأوركسترا القومية. تُصنع آلة تشين من الخشب بشكل رئيسي، وشكل جسمها على هيئة فراشة، لذا يسميها بعض الناس بـ «آلة الفراشة».
(4) أسرة سونغ أسرة حاكمة في الصين ما بين 960 و1279م، نجحت في أن تصمد في مرحلة الخمس أُسَر، والممالك العشر، وتلتْها أسرة يوان. تعدُّ أول حكومة في تاريخ العالم تصدر الأوراق النقدية أو النقود الورقية، وأول حكومة تقوم بإنشاء قوة بحرية دائمة. كما شهدت الأسرة أول استخدام معروف للبارود.