يعد معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي تنظمه سنوياً هيئة الشارقة للكتاب، علامة فارقة في تاريخ الثقافة العربية والعالمية، إذ استطاع أن يجمع تحت مظلته التي امتدت على مدى 35 عاماً، الملايين من عناوين الكتب والزائرين، وعشرات الآلاف من العارضين والناشرين، ولا يزال يتوسع في كل عام ليؤكد أن الشارقة بحق عاصمة الثقافة العربية والإسلامية وهي تسير بخطى واثقة لتكون عاصمة عالمية للكتاب .
خمسة وثلاثون عاماً من النجاحات المستمرة والتميّز بفضل رؤية ورعاية صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، للمعرض قبل إنطلاقه بنحو ثلاثة أعوام، وتحديداً في 18 أبريل 1979، حينما خاطب سموه الشباب في مناسبة مسرحية: "آن الأوان لوقف ثورة الكونكريت في الدولة، لتحل محلها ثورة الثقافة"، فكان معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي انطلقت دورته الأولى في يناير 1982 من أول ملامح خطة إعادة الشباب إلى الاهتمام بمجالات الثقافة والمعرفة.
"رهان الثقافة رابح" مقولة لصاحب السمو حاكم الشارقة، قد تلخص حكاية معرض انطلق قبل نحو 35عاماً بستة ناشرين، ولم يقصده يومها أحد، حينها نصح البعض صاحب الفكرة بالعدول عنها، والبحث عن مشروعات بديلة، لكن الحاكم المبدع راهن على الثقافة والمستقبل، ورأى أفقاً مشرقاً يلوح من بعيد. وكسب صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الرهان وتحوّل معرض الكتاب إلى حدث دولي، وعرس ثقافي، بالمعنى الحقيقي لا المجازي، ينتظره المثقفون، ومريدو الحرف وعشاق الكلمة في كل عام.
رفض معرض الشارقة الدولي للكتاب في بدايته أن يكون مجرد سوق كبير للكتاب، ليتحوّل إلى حالة ثقافية، تجمع القارئ والناشر والمثقف، في رحاب الكتاب الذي يبقى نجم الحدث، ليطوف الجميع حوله، ويتلاقون من أجله بشكل خاص، يستوي في ذلك قادمون من بلدان عربية، وآخرون من دول كثيرة حول العالم، بعد أن ذاع صيت الشارقة ومعرضها الذي صار وجهة للمتخصصين الباحثين عن مساحة تواصل مع الآخر، وكذلك للقراء العاديين الذين ينشدون جديد المعرفة، وحصاد المكتبات.
وبعدد محدود من الناشرين، انطلقت الدورة الأولى من معرض الشارقة الدولي للكتاب في 18 يناير عام 1982، التي افتتحها صاحب السمو حاكم الشارقة، وأقيمت في مركز اكسبو الشارقة، وقال سموه في استقباله وفد ممثلي أعضاء دور النشر العربية آنذاك: "إن تربية الأبناء تربية سليمة يجب اعتمادها وتنميتها في إطار الإيمان بالوحدة العربية، والتأكيد على دور الشباب في التنمية الفكرية، ما يحتم على دور النشر القيام بدورها الطليعي في خدمة هذه المبادئ السامية".
وبعد البدايات؛ اجتذب المعرض دور نشر حرصت على الحضور إلى الشارقة والانطلاق منها إلى المنطقة، ليتنامى عدد المشاركين، وكذلك الرواد كل عام، وأيضاً الرموز الثقافية العربية التي حلت ضيفة عليه، فالدورة الثالثة التي انطلقت في الثامن من أكتوبر عام 1984، شهد افتتاحها رائد القصة القصيرة والروائي الراحل يوسف إدريس.
بينما شاركت في الدورة الخامسة قامات ثقافية عربية من حقول إبداعية مختلفة، فالتقى جمهور الشارقة مع الشاعر السوري أدونيس، والشاعر المصري فاروق شوشة، والروائي السوداني الراحل الطيب صالح، ومبدعون ومثقفون آخرين حرص المعرض على استضافتهم.
بالإضافة إلى ذلك، كان معرض الشارقة للكتاب بمثابة مساحة لإثراء الساحة الثقافية، وإطلاق مبادرات جديدة، لتخدم ليس فقط المقيمين في إمارة الشارقة ودولة الإمارات، بل كل الدول العربية، ففي الدورة الثالثة للمعرض أكد صاحب السمو حاكم الشارقة أن "العمل الثقافي بالشارقة سيشهد خلال الفترة المقبلة نقلة كبيرة ".
أسماء كبيرة وأرقام ضخمة حملتها آخر خمس دورات من المعرض، ووصلت الفعاليات إلى 1000 فعالية في الدورة الـ34 بعدما كانت 400 فعالية في الدورة الـ30، فيما وصل عدد الزائرين للمعرض في الدورات من 30 إلى 34 ما يقارب 4.8 مليون زائر، بالإضافة إلى اتساع مساحته من 7600 متر مربع في الدورة الـ30 لتصل إلى 16000 متر مربع في دورته الأخيرة عام 2015، كما يستضيف المعرض الذي تتواصل فعالياته كل عام لمدة 11 يوماً قائمة طويلة من المبدعين، ليحجز لنفسه مساحة مهمة بين أبرز ثلاث معارض على مستوى العالم، ويطمح القائمون عليه في المنافسة على الصدارة، في وطن يضع دوماً الرقم واحد نصب عينيه في كافة المجالات.
وفي كل دورة، كانت كلمة صاحب السمو حاكم الشارقة تحث على التزود من الكتب والاستفادة منها، وضرورة دعم من يعملون في صناعة النشر بشكل خاص، وكان يؤكد سموه بأن "الكتاب يحق له أن يُعفى من كل ما يؤجل ويعوق وصوله إلى الناس، صغاراً وكباراً، الكتاب يحق له أن يُعفى من كل قيد أو رسم أو عبء، يقلل جريانه مجرى الدم في الناس".
ورفع المعرض شعارات كثيرة في كل دورة من دوراته لتبقى عالقة في الأذهان، مثل "القراءة للجميع"، و"اقرأ أنت في الشارقة"، و"في حب الكلمة المقروءة" وغيرها، وكانت هناك التفاتة كبيرة إلى الأطفال بشكل خاص، إذ حرص صاحب السمو حاكم الشارقة للانتباه مبكراً إلى "أجيال المستقبل"، ورأى أنهم "فرس الرهان"، لذا كان شعار الدورة الـ19 من المعرض "القراءة للصغار".
وفي الدورة الـ27 للمعرض، كشف صاحب السمو حاكم الشارقة عن مبادرة رائدة وهي "مشروع ثقافة بلا حدود"، لتتوالى المبادرات، وتبني دعم دور النشر المتميّزة، وكذلك المبدعين، عبر جوائز سخية، صارت من ثوابت المعرض الأشهر في المنطقة، والذي يمتلك حلم الوصول إلى الأشهر عالمياً، مزاحماً فرانكفورت ولندن.
وصار المعرض حدثاً ينتظره مثقفون من بلدان عدة، وليس من دولة الإمارات فحسب، كما أصبح ملتقى للمبدعين والمثقفين، يجمع الكتّاب، ويضمهم بين ردهاته وفي قاعات ندواته الحافلة بالمناقشات والضيوف والأسماء، لاسيما في لحظة حرجة تمر بها المنطقة، نتج عنها تقلّص الفعاليات الثقافية في العديد من الدول الشقيقة.
كما يسعى المعرض إلى غرس حب الكتاب لدى الجميع، ويعمل على اجتذاب الصغار، عبر أنشطة مخصصة لهم، تجمع بين الفائدة والمتعة، ليفاجأ زائر المعرض بكمّ الفعاليات المخصصة للأطفال، وكذلك ردهات المعرض الحافلة بالزيارات المدرسية، والطلبة الذين يأتون من شتى إمارات الدولة، وليس من الشارقة فحسب.
كما ينظم المعرض زيارات لبعض الكتاب والضيوف إلى مدارس في الشارقة ودبي، كي يعرضوا أفكارهم أمام الطلبة، ويرووا تجاربهم مع الكلمة لأجيال المستقبل، بهدف تعريف الطلاب إلى مهارات الكتابة، وتجاربهم الشخصية في تأليف كتبهم، تعزيزاً لدور المعرض في نشر الثقافة والمعرفة بين أفراد المجتمع.
وشكل عام 2014 محطة فارقة في تاريخ المعرض نظراً لتزامنه مع احتفالات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية وهو الإنجاز الذي تحقق بفضل جهود ومبادرات صاحب السمو حاكم الشارقة، والتي جعلت اسم الإمارة مرتبطاً بالثقافة على الدوام، لذا جاءت فعاليات ونشاطات المعرض خلال عام 2014 منسجمة مع هذه الريادة المستحقة للشارقة باعتبارها منارة ثقافية وعاصمة للكتاب.
كما شكل إعلان صاحب السمو حاكم الشارقة، عن مكرمة بقيمة أربعة ملايين درهم لدعم شراء كتب من دور النشر المشاركة فى الدورة الـ34 من معرض الشارقة الدولى للكتاب، إسهاماً من سموه فى دعم صناعة الكتاب والاستثمار فى التنمية الفكرية والبشرية للأفراد، تحفيزاً جديداً لدعم الناشرين والكتاب في الوطن العربي.
وأثبتت مشاركات معرض الشارقة الدولي للكتاب الخارجية في الدول الشقيقة والصديقة على امتداد قارات العالم، أن مشروع الشارقة الثقافي وحضورها الفاعل على أجندة الأحداث الثقافية في العالم، بات شهادة عالمية للتميّز من خلال ما تقدمه من نشاطات وفعاليات، وما تستضيفه من معارض ومؤتمرات تحتفي بالثقافة ومفرداتها كافة، وهو ما جعلها وجهة دائمة للمثقفين والكتاب والناشرين ولجميع العاملين والمهتمين بالعمل الثقافي وصناعة النشر محلياً وإقليمياً وعالمياً