لن ينقضي الحديث عن الملا عطية الجمري (1899 – 1981)، أحد أبرز خطباء المنبر الحسيني في مملكة البحرين والخليج العربي.
خطيب فرض نفسه، حتى باتت المنابر، بخطبائها ومستمعيها، تشتاق أبيات (أبويوسف)، صاحب ديوان «الجمرات الودية في المودة الجمرية»، والمطبوع في 6 أجزاء.
سيرة تمتد لـ 81 عاما، تستفتح بها «الوسط» سلسلة سير لأبرز الخطباء المتعاقبين على ارتقاء المنبر الحسيني في مملكة البحرين، أحد سبل التأثير، والأداة الكلاسيكية ذات الحضور العام الذي لا يقاوم. يتسمر حولها الحضور من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية، للاستماع لحديث خطيبهم الحسيني.
اليوم هو الإثنين، الحادي من المحرم للعام 1438 هجرية، الموافق (3 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، والحديث فيه عن ملا عطية الجمري، «صاحب مدرسة خطابية، ثقافية وذات مضمون لم تنحصر في الأطوار»، يقول ابنه الملا عبدالمحسن الجمري.
وفي حديث لم يخل من جرأة، كان الجمري الابن يتحدث لـ»الوسط» من منزله في بني جمرة، ليطلق عبارته المدوية «المنبر الحسيني اليوم مهدد بانتكاسة تعيده لما قبل عشرينات القرن الماضي، حين كان المنبر للنعي والبكاء والعَبْرَة بنسبة 100 في المئة».
وأضاف «لا اعتراض على أن يكون الخطيب ناعية، لكن أن يتحول ذلك لظاهرة تهدد المنبر فهو الأمر المرفوض والمخالف لتعاليم أهل البيت (ع) وللأهداف التي وجد من أجلها المنبر الحسيني».
وتابع «ما نراه من اتجاه كامل للنعي، هو ظاهرة لا حالات فردية، تستبدل الخطاب المنبري ليضحى خطاباً بلا حديث ولا مضمون، حتى بتنا أمام مآتم رجالية أشبه ما تكون بالمآتم النسائية التي استطعنا اخراجها من دائرة النعي ليلقى فيها فكر ودروس أهل البيت (ع)»، وأردف «أقول ذلك مع اعتذاري للمآتم الرجالية والنسائية».
وشدد الجمري على ضرورة عودة المنبر، ليخاطب العقل لا العاطفة، وعقب «كلمة أخرى أراها مهمة، وهي أن المنبر الحسيني ليس تراث آباء وأجداد، بل تراث محمد وآل محمد عليهم السلام».
فيما الانطباع العام عن الملا عطية الجمري، حضوره الشعري البارز، وذلك عبر ديوانه «الجمرات الودية»، يتحدث ابنه الملا عبدالمحسن الجمري مصححاً ذلك بالقول «كان لحضوره كخطيب، البروز الأكبر، ففي تلك السنوات (في حياته)، اشتهر خطيباً، رغم انتشار الخطباء الحسينيين في البلد، لكن سيادة النمط التقليدي ومجيء الوالد بأسلوب جديد، كان له البروز الأكبر».
وأضاف «جدد الوالد في أسلوب الخطابة الحسينية، وذلك بعد عودته من العراق، وكانت عودته المنتظرة إيذاناً باستعادة المدرسة الخطابية الثقافية، والتي كانت آنذاك صفراً على مستوى الخليج لا البحرين وحسب».
الفضل في ذلك يوضحه الجمري بالقول «في العراق، حظي الوالد بملازمة العلماء والخطباء ممن بلغ بعضهم مرتبة الفقاهة، في الوقت الذي كان فيه خطباء البحرين وحتى مستمعيها أميين، ولعل السبب في ذلك يعود لجملة أسباب من بينها انحسار مراحل العلم وعدم الاستقرار الأمني وانتشار الفقر»، موضحاً «أتحدث هنا عن فترة زمنية محددة انقرض فيها أسلوب الخطابة الثقافية».
وأضاف «بعد هجرة طويلة مع أبيه، عاد الوالد من العراق وجعبته تمتلئ بالمعلومات والأساليب والعادات المختلفة، حيث زاول الخطابة الحسينية هناك ليطور من إمكاناته الخطابية، مستفيداً في ذلك من تجارب خطباء عراقيين بارزين من بينهم السيدصالح الحلي والشيخ اليعقوبي».
يقول الشيخ عبدالمحسن الجمري متحدثاً عن أبيه «تمكن من إحداث نقلة للخطابة الحسينية، فقد كان المنبر عبارة عن ناعية بطرح متكرر أنتج مجتمعاً روتينياً، وحين جاء الوالد بأسلوبه الثقافي الجديد، تمكن من استقطاب تفاعل الناس، وتبين عبر ذلك أهلية المجتمع البحريني لتقبل التغيير والتطوير، بل تمكن كذلك من استقطاب اهتمام عدد من الخطباء ممن تأثروا بأسلوبه الخطابي، من بين ذلك الخطيب ملا سعيد بن الشيخ عبدالله العرب وملا مهدي الشهابي».
وأضاف «ملامح هذا الأسلوب تمثل في الاستفتاح بآية من القرآن الكريم أو بحديث شريف، ليتولى بعد ذلك التفصيل في المعاني والدلالات، وقبل ذلك كانت الخطابة تعيش أسلوباً أشبه بـ»السوالف»، وهو ما نلمس عودته في الوقت الحالي، في حال شبيه بالنكسة، والذي إن لم يتم التصدي له فإن الوضع يسير لمنحىً خطير».
رغم ذلك، يحاول الجمري موازنة الأمور، حيث يقول «صحيح أنني لا أتردد في نقد أداء الخطباء، لكنني أيضاً أعارض فتح مجال النقد لغير المختص والذي يجهل بالضرورة تفاصيل كثيرة»، مستشهداً على ذلك بالجدل الدائر بشأن أجور الخطباء.
وعن بدايات والده، يستذكر الجمري «اكتشفت شخصية الوالد الإبداعية وغير التقليدية في قرية الدراز، تحديداً في مأتم آل شهاب، ووراء ذلك كان مؤسس المأتم الحاج محمد بن عبدالمحسن الدرازي الشهابي والذي تعلق بوالدي، ومن هنا بدأ صيته في الانتشار».
وأضاف «لم يكن أمراً عادياً في تلك الفترة التنقل من قرية لأخرى، كان ذلك دليل انتشار واسع ودليل عدم محلية الشخصية، وهذا ما حصل لوالدي، الذي تنقل من الدراز إلى مقابة ثم المنامة ووصل حتى النويدرات».
وفي تفصيل لتجربة الملا عطية في النويدرات، ينقل الجمري حكاية بالقول «آنذاك كانت شهرة ملا سعيد بن الشيخ عبدالله العرب أكبر من شهرة والدي حتى وصل إلى النويدرات (منطقة بعيدة آنذاك)، فسأله الحاج أحمد بن معراج وهو الشخصية الأولى في النويدرات آنذاك: «تتبع في قراءتك أسلوباً جديد، فمن أين لك ذلك؟» فأجابه ملا سعيد: «هذا النوع من الخطابة لا تجده إلا عند اثنين، عندي وعند شخص يدعى ملا عطية الجمري»، فسأله الحاج معراج: «كيف لي أن أصل إليه»، فكان الرد: «يوم الخميس في سوق الخميس، اذهب هناك، سترى شخصاً يرتدي «عقال زبيري أو شطفة»، خاطبه بالاسم»، وبالفعل ذهب وفعل الحاج أحمد بن معراج ذلك، ومنها كان الانتشار إلى النويدرات».
وأضاف «آنذاك (ثلاثينات القرن الماضي)، كانت سوق الخميس ملتقى أدبي ولم تكن محصورة في النشاط التجاري، وفيها كانت تنعقد مجالس العلماء حتى كانت تتواجد متاجر معينة عبارة عن ملتقى لنوعية معينة من الخطباء، وكان التواجد هناك لأغراض عديدة من بينها التسويق للذات».
الأثر الوحيد للملا عطية الجمري الموجود عيناً هو ديوانه «الجمرات الودية في المودة الجمرية»، في تجربة رثائية يصفها ابنه الجمري بالقول «تمكن الوالد من بحرنة ما تلقاه من تجربة من العراق، فكان النتاج الذي يروق للعراقيين والبحرينيين على حد سواء»، مضيفاً «إنه النبوغ بين بيئتين».
وفي توثيق لاتزال مراحله النهائية مؤجلة، يحتفظ الجمري الابن بمخطوط مكون من 200 صفحة، يحمل عنوان (رحلة العناء) يوثق فيه لتجربة أبيه، «بل لحقبة زمنية هامة جداً»، يعقب الجمري.
إلى جانب ذلك، فقد ترك ملا عطية الجمري، ديوان شعر عربي قريض، لم يطبع بعد، متضمناً ذلك أشعاره التي وثقت لحوادث عديدة اعتمد في سردها على الشعر الشعبي.
يصف الشيخ عبدالمحسن الجمري، والده على النحو التالي «اجتماعي جداً ويكره العزلة، يحاول دائماً تكوين العلاقات لذا اتسم بعلاقاته الواسعة»، مضيفاً «لم يكن وسطياً في التعامل، إما فكاهي أو جاد جداً، يتعاطى النكتة ويمتاز بمستوى ذكاء خارق، يتضح ذلك من قدرته على حل الألغاز المعقدة في ثوان، وقوته في الحساب والرياضيات».
وتابع «كذلك، كان الوالد طموحا لآخر سنوات عمره، ويدلل على ذلك تعلمه اللغة الإنجليزية وهو يختتم مشواره في هذه الحياة، وكان طموحه من أجل ذلك يأتي بسبب حرصه على تكوين العلاقات الواسعة حتى مع المختلفين عنه فكرياً وعقائدياً، حيث امتدت علاقاته لتصل إلى رجال الكنيسة والبهرة».
وأردف «لم تكن الظروف العلمية والأمنية وظروف القرى بقدر طموحه، كما أن تراكم المسئوليات وعدم وجود الوقت الكافي سبب لفرملة الطموح».
الحديث عن الملا عطية الجمري، ينقلنا للحديث عن ذريته، والتي ارتقى بعض منها المنبر الحسيني، على خطى والدهم، وعددهم 5 وهم (ملا يوسف، الشيخ محمد صالح، الشيخ عبدالمحسن، ملا عبدالكريم، ملا عباس).
نجله ملا يوسف ملا عطية الجمري، (1923 – 1998)، والذي يصفه الباحث مجيد علي فتيل في كتابه (راحلو المنبر الحسيني)، بالقول «خطيب مفوه، حفاظ رواية، له باع مستطيل في التاريخ والشعر، وإذا جالسته لا تعدم النادرة والطرفة والفائدة والحكمة».
يوثق الباحث مجيد علي فتيل في كتابه (راحلو المنبر الحسيني)، بعضاً من علاقات ملا عطية بأبنائه، بالقول «بدأ ملا يوسف خطابته مبكراً، متتلمذاً على يد والده، وبينهما كانت العلاقة الحميمية الأبرز، تخطت حدود العلاقة بين الابن وأبيه حتى أضحيا كالأخوين والصديقين، يركبان للقراءة على «حمارة واحدة» وذلك قبل وجود السيارة، ويتنقلان على ظهرها من بلد إلى بلد يتقاسمان اللقمة والأجرة معاً، وحين اشترى والده السيارة أصبحت الوسيلة السريعة والمريحة لهما، فتولى قيادتها وأصبح سائقاً لأبيه ولنفسه، يأخذه فيها للقراءة في بلد ويذهب هو إلى بلد آخر ثم يعود إليه في رحلة متوالية».
في العام 2006، اختارت قرية بوري الملا عطية الجمري، اسماً للاحتفاء به، فتمت إقامة حزمة فعاليات، برعاية نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل والشئون الإسلامية آنذاك الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، وبدعم من قبل الراحل العلامة الشيخ أحمد العصفور.
يتحدث عن تجربة المهرجان، أحد القائمين عليه محمد علي محفوظ الحجيري بالقول «أقيم المهرجان في مارس/ آذار 2006، وعلى مدى 7 أيام كانت الفعاليات المتنوعة تترى، منها العرض المسرحي، المجالس الحسينية، معرض الكتاب، الندوات الثقافية، وحملة التبرع بالدم».
وأضاف «جاءت فكرة المهرجان عبر تلاقح الأفكار بيني وبين رئيس مجلس بلدي الشمالية السابق يوسف البوري، وكان الهدف استثمار شخصية الملا عطية الجمري في تعزيز حالة الوعي»، وتابع «اليوم نحن بحاجة ماسة لاعادة اكتشاف هذه الشخصيات، من خطباء المنبر الحسيني وغيرهم، هم بمثابة الكنوز التي لم تستثمر بعد».
العدد 5140 - الأحد 02 أكتوبر 2016م الموافق 01 محرم 1438هـ
ان المنبر الحسيني سائر ولن يتوقف ولا خوف عليه ..تحدث بعض الثغرات والالتباسات .. لكن لا اتصور ان خوف سماحة الشيخ في محله .. ربما من حرصه وخوفه على مستقبل منبر الحسين ع ينتابه هذا الشعور.. ان المنبر الحسيني يسير ان شاء الله بالاتجاه الصحيح
لم يذكر اسم ملا محمد رضا وهو أحد أبنائه ،وله ثلاث بنات من قارئات حسينيات ،كذلك له أحفاد ارتقوا المنبر الحسيني
الناعية مهمة في مثل هذه الايام ولكن المنبر يجب ان ينتهز فرصة التوافد في هذه المجالس للتثقيف والمحاضرات والا فإن الحضور في الأيام العادية لا يقارب ربع الحضور في مثل هذه الأيام
مرحبا
افضل النواعي لعشرة محرم مع موضوع يعالج بعض المشكلات الفقهية والاجتماعية والثقافية العامة وهناك الكثير من العلماء يجمع مابين الاثنين وماجورين
كلام الشيخ فعلا صحيح المنبر مهدد بانتكاسات ، اصبحت الناس تركض خلف النواعي او الناعية .
وجهة نظر
من وجهة نظري المتواضعة افضل النعي للبكاء في هذه الايام الحزينة ... ام باقي الايام تكون محاظرات تثقيفيه ... والنعي مهم
أحسنت شيخنا نفس الكلام اللي نقوله
صاروا المستمعين يبحثون عن الناعي أكثر من الإرشاد والتوجيه وهذا الشئ مخيف