العدد 7 - الخميس 12 سبتمبر 2002م الموافق 05 رجب 1423هـ

الإسلام في الصحافة الفرنسية أكثر من تيار... وأكثر من وجه

بعد سنة على هجمات 11 سبتمبر/أيلول

إيمان شقير comments [at] alwasatnews.com

.

«من الانعكاسات الإيجابية لاعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول أنها أثارت الاهتمام بالإسلام من جديد في مختلف الدول الغربية. وأصبحت نسخ القرآن الكريم والكتب والدراسات عن العالم العربي الإسلامي تباع في المكتبات بشكل واسع. وبما أنه تم التعرف على مرتكبي الاعتداءات بأنهم من «الإسلاميين»، فقد أراد الجميع، وبعد عشر سنوات على زوال «الشيطان الأكبر» السوفياتي، ان يعرف أكثر عن هؤلاء «الأعداء الجدد للغرب».

ذاك هو رأي اينياسيو رامونه مدير تحرير مجلة «منيير دو فوار» maniere de voir الفصلية التي تصدر عن صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» الفرنسية الشهيرة، في تقديمه لعدد يوليو/ تموز - أغسطس/آب الأخير من المجلة الذي تناول الإسلام محورا له تحت عنوان «إسلام ضد إسلام Islam contre Islam».

سوء فهم

أشار رامونه في تفسيره لعوامل ساهمت في تعزيز الصورة العدائية للمسلمين وبالتالي في تعزيز خوف «الغرب منهم» إلى عامل مهم هو تزايد عدد المسلمين في كثير من الدول الأوروبية (15 مليونا في دول الاتحاد الأوروبي)، وما يلازم ذلك من تشييد مساجد ومؤسسات دينية. إلى ذلك يتصاعد ما سمي بعنف الضواحي وتتضاعف «العصابات العرقية» وحوادث الاعتداء والعنف من جرائم السرقة والقتل التي غالبا ما تحمل المعلومات مسئوليتها إلى شبان من أصلول مشرقية مسلمة تدربوا - وفقا للتقارير الإعلامية - على يد دعاة إسلاميين وفي معسكرات تدريب نائية في أفغانستان أو البوسنة... بل حتى في شبكات داخل الدول الأوروبية نفسها. لذلك، ولأنه غالبا ما يصور في وسائل الإعلام كرديف للتعصب والعنف وتعدد الزوجات، يثير الإسلام «الخوف».

لكن العامل الحقيقي للخوف من الإسلام، كما رأى رامونه، هو في جهل الآخرين له أو سوء معرفتهم به، ما يشجع على استنباط الكثير من التخيلات والتأويلات. وميز رامونه بين الإسلاميين الداعين إلى إقامة الجمهورية الإسلامية المناهضة للفساد واللا أخلاقية والاستبداد واللامساواة الاجتماعية، العاملين لتحقيق أهدافهم بوسائل ديمقراطية سلمية، وبين الإسلاميين المتطرفين وهم الأقلية - بحسب قول رامونه - في محيط ما يقرب من المليار مسلم في العالم. وهم الذين يوفرون المبرر لدفق الكرة لمجموع المسلمين فينجر البعض في تيار الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) فينسى أن الإسلام هو أيضا ثقافة وحضارة... وليس مجرد ديانة.

فقدان الذاكرة لدى الغرب

«استعادة إسبانيا وسقوط غرناطة العام 1492 حدثان شكلا تحولا مهما في أوروبا. ولم يكن الأمر بالنسبة للمنتصرين مجرد نصر سياسي، بل ديني وثقافي أيضا. وكان لابد للتأكيد على هذا النصر وتعزيزه من استئصال كل تاريخ مشترك من الذاكرة يعترف بان الشرق والغرب، إسلاما ويهودا ومسيحيين كانوا ينتمون إلى عالم واحد. هذه القطيعة المبنية على فقدان الذاكرة لا تزال تعمل بعد خمسة قرون وتغذي الحقد والخوف من الآخر».

كتب مدير مركز دراسات اديان الكتاب المقدس في باريس الان دوليبرا محذرا من أن تناسي الغرب لإرثه العربي يخدم النظرية السائدة بأنهم غرباء عنه، ويخالف كل معطيات التاريخ التي تشهد على وجود الإسلام في الغرب، بل على وجود اسلام غربي بدأ مع غزو إسبانيا. واعتبر دوليبرا أن حجب العناصر العربية الإسلامية للثقافة الغربية هو ظاهرة حديثة جدا ونتيجة رفض متعمد ومقرر. أشار إلى مسئولية المناهج الدراسية في هذا المجال إلا انه شدد على مسئولية سياسية تاريخية لدول الغرب ودول الشرق على حد سواء في إيجاد علاقات عمودية متواجهة بين بعضهما بعضا اوصلتهما إلى الوضع الحالي.

في الفصل نفسه كتب أيضا الان غريش تحت عنوان «اسلاموفوبيا» يتساءل لماذا، ومنذ 11 سبتمبر/أيلول يسعى بعض المفكرين والخبراء كل جهدهم لإقناعنا بأن القرآن الكريم أساس المعاناة والآلام للدول الإسلامية، وانه يكفي قراءة ما ينص عليه من أوامر وتحذيرات وتهديدات لتقتنع بأن الإسلام ليس بديانة معتدلة. ويشير في هذا المجال إلى مقال صحيفة «لوفيغارو» في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2001 لغي هنيبل وابن ورّاق. وتساءل بدوره عن مصدر آلام ومعاناة دول غير إسلامية. ويقول: ألم يكن القرآن، يا ترى، في أساس تألق وحداثة امبراطوريات مسلمة طوال قرون طويلة ماضية؟».

وجوه متعددة

ميز ملف مجلة «مانيير دو فوار» بين المسلمين والإسلاميين. ويستخدم كلمات مختلفة للتمييز بين الإسلام والإسلامية.

ويعتبر في فصله الثاني بعنوان «وجوه متعددة» ان الإسلام دين موحد متماسك صاحب مشروع شامل وتوتاليتاري - كما تدّعي بعض الدعايات، الا ان الاسلامية تقدم في عالم الحقيقة الف وجه ووجه. فمن ايران الى الفيليبين ومن المغرب إلى السنغال، هناك عدة طرق ليعيش الشخص دينه فيها ويفهم العالم المعاصر وتفسير الشريعة الاسلامية.

وهناك المحافظون بإفراط الذين يسجنون طائفتهم في قراءة غير متفهمة حاقدة على الغرب. وهناك آخرون اكثر انفتاحا، يسعون إلى مواجهة التحديات القائمة بوجه المجتمعات الاسلامية.

قال غراهام فولر، نائب الرئيس لمجلس الأمن القومي لوكالة المخابرات الاميركية (سي اي اي) ان اصلاح الاسلام حركة طويلة الامد والنفس الا انها لن تدوم بقدر حركة الاصلاح المسيحي... لان هناك حركات اسلامية مختلفة تسعى إلى اهداف مختلفة بوسائل مختلفة.

اضاف فولر «لا شك في ان في صفوف بعض الحركات الاسلامية كثيرا من العناصر المتطرفة الرجعية والعنيفة، الا انه لا يجب للصور النمطية ان تمنعنا من رؤية القوى الشديدة النفوذ الداعية إلى التحديث داخل هذه الحركات. فالاسلام السياسي معتدل لانه يتوق كليا إلى التغيير ومن شأنه ان يشكل قوة وتفكيكا للانظمة الفاسدة في العالم العربي. الا ان الشك يبقى عما سيضعه مكان هذه الانظمة.

وقال فولر «ان الاسلاميين هم في الغالب ضحية غياب الديمقراطية وحقوق الانسان. ولكن هل ان وصولهم إلى السلطة سيعني بالضرورة انهم سيضعون هذه المثل موضع التطبيق؟ ليس ذلك بالامر البديهي، والسبب في ذلك ضعف التقاليد الديمقراطية وليس الاسلام».

وفي رأى فولر «إن الاسلاميين يحسنون تفسير القانون بما يتلاءم والمجتمع المعاصر. ويقدمون انتقادات سليمة غالبا عن مجتمعاتهم وعن الغرب. وهم يعرفون متطلبات مجتمعاتهم ومنفتحون على التغيير. لذلك فان اصلاح الاسلام امر ممكن ولكنه عملية طويلة النفس. والجدل هو حول طبيعة التغيير وسبيل الوصول اليه».

ضرورة التجدد

في ملف مجلة «مانيير دوفوار» ايضا مقالات عن الاسلام في ايران والفيلبين وتركيا، وعن الاسلاميين في مصر والكويت والمغرب، وعن المسلمين في اوروبا والولايات المتحدة وما يواجهونه من عوائق بسبب عدائية وحل بعض القادة السياسيين وأوساط من الرأي العام الشعبي وامكانات الاستفادة من الوجود الاسلامي في هذه الدول لخلق جسر علاقات افضل بين الشرق والغرب. ومقالات اخرى عن «ثورة الائمة» و«مفكرين جدد» و«وقت الاصلاح» تشير في مضمونها إلى وجود اصوات كثيرة داخل الاسلام تدعو إلى اصلاحه وإلى قراءة جديدة للنصوص والاحاديث تأخذ بعين الاعتبار حقائق العالم وتطوراته وطموحات الشعوب بالعدالة والديمقراطية والحرية.

ويختم باستنتاجات للكاتب ألان غريش من «لومرند ديبلوماتيك» عن سبب اجماع قوى العالمين القديم والجديد على مطاردة شبح الاسلامية. قال «منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي وقبل الاعتداء الارهابي بكثير على برجي التجارة العالمي، جرى التحضير بكل عناية لايديولوجية «الخطر الاسلامي» و«الفاشية الخضراء» من قبل بعض مراكز الفكر الاميركي التي يسيّرها مسئولون امنيون تيتموا بعد زوال الخطر السوفياتي. فقد كان لا بد من ايجاد عدو جديد لتبرير الموازنات العسكرية ونفوذ الاجهزة الأمنية. ولأن ايا من الدول الاسلامية لا تملك رؤوسا نووية او قوة اقتصادية او عسكرية ضاربة قادرة على تهديد الغرب، كان لابد ايضا من ايجاد عدو «خفي» نموذجي هو الاسلام الذي يجمع بين التهديد الخارجي ممثلا بالحركات الاسلامية المتطرفة ومنها القاعدة، وبين التهديد الداخلي ممثلا بملايين المسلمين المنتشرين في اوروبا والولايات المتحدة. وجاء صدام الحضارات ليحل مكان «الحرب الباردة»، ووجد تعبير المواجهة بين «العصرنة» و «البربرية» بدلا من النزاع بين «العالم الحر» والشيوعية... لكن بين «هنا» و «هناك» علاقات تاريخية وتيارات تبادل ثقافات وقوى وتوجهات. وجسور وامكانات حوار من خلال لغة الدين نفسه

العدد 7 - الخميس 12 سبتمبر 2002م الموافق 05 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً