يطلق على الشخص الذي يمتهن العمل في الزراعة مسميات عامة، كالفلاح والمزارع، وغيرها من الألفاظ. ومن أشهر المسميات القديمة للفلاح هي «الأكار»، والجمع أكاره. هذا وقد وردت لفظة أكار في معاجم اللغة العربية بالمعنى نفسه أي فلاح؛ جاء في معجم «تاج العروس» (مادة أكر): «الأُكْرَةُ: (الحُفْرَةُ) في الأَرض (يَجتمعُ فيها الماء فيُغْرَفُ صافياً)، جَمْعُه الأُكَرُ. (والأَكْرُ والتَّأَكُّرُ: حَفْرُهَا)، يقال: أَكَرَ يَأْكُرُ أَكْراً، وتَأَكَّرَ، إِذا حَفَرَ أُكْرَةً. (ومنه الأَكّارُ للحَرّاث). ويبدو أن لفظة أكار من الألفاظ المشتركة في اللغات السامية، ففي اللغة الأكدية يسمى الفلاح إيكَرُ (ikaru CAD 2005، v. 7،p. 49).
وبعض العامة في البحرين ينطق لفظة أكار بالعنعنة فيقول «عكار»، وجمعها عكاروة، كما يشتق منها لفظة عكراوي كصفة. والعكراوي كمصطلح تعني الشخص الذي يتكلم باللهجة البحرانية العتيقة، التي أصبحت حصراً على المزارعين، أي العكاروة؛ فيقال فلان عكراوي أي يتحدث بلهجة المزارعين القديمة. كما يقصد بالعكراوي أي شخص ينتسب لقرية العكر، وهي من باب النسب للقرية لا غير.
يذكر أن المسميات، فلاح ومزارع وأكار، جميعها مسميات عامة، وأن هناك العديد من التخصصات في مهنة العمل في الأراضي الزراعية، فهناك من يتخصص في عملية «السقاية» أو ري الأرض، ومنهم من يتخصص في تقليب الأرض وحرثها وتنظيمها، ومنهم من يختص في العناية بالنخيل فقط، وسنأتي على تفاصيل هذه المهن في الحلقات القادمة. ومن هذه المهن، أيضاً، مهنة تنظيف السواقي والمنجيات، وهي قنوات الماء التي تسقى عن طريقها الأرض أو يتم عن طريقها تصريف مياه الري من الأرض. وتعتبر مهنة تنظيف السواقي والمنجيات من المهن الشاقة، وهي تعرف في البحرين بعدة أسماء، وهي: الكساحة، والجراف، والضراب، والصخانة.
الكساح والضراب بين التعميم والتخصيص
الكساح والضراب، مصطلحان مرتبطان بمهنة تنظيف وصيانة قنوات الري والسواقي والمنجيات، إلا أن هذين المصطلحين خضعا لعمليات التخصيص والتعميم؛ فمنهم من يتوسع في دلالة اللفظ، ومنهم من يجعل دلالة اللفظ أكثر خصوصية. هذا، وقد وردت الألفاظ كساح وضراب في القانون التاسع عشر من «قانون مياه النخيل» والذي طبع في العام 1960م (Serjeant 1993)، ونصه كالآتي: «شروط الضمان وما يتعلق من إصلاح النخيل أو الزراعة ضمن أي شخص من أحد ملاك النخيل أو زراعة والتزم على أن يكسح النخيل أو الزراعة في كل سنة مرتين ويضرب السواقي الداخلية والخارجية والمنجيات التي تتعلق بها كل سنة مرتين كما ذكر أو أكثر بموجب الشروط المقررة في ورقة الضمان وكذلك الحظران التي تحفظ النخيل أو الزراعة فإذا أخل بشيء من ذلك فعليه إكمال أو تثمين ما تركه وبموجب تثمين أهل المعرفة فهو ملزوم به».
والمقصود بمصطلح «يكسح النخيل» أي ينظف قنوات الري التي تسقي النخيل (Serjeant 1993)، أما مصطلح «ضرب السواقي والمنجيات»، فيقصد به تنظيفها من الأوساخ التي تتجمع فيها. يذكر أنه في القطيف تسمى، أيضاً، عملية تنظيف السواقي والمنجيات باسم الضراب (مدونة بن نامي bn-alnami.turcblogpro.com).
في الوقت الراهن يستخدم فقط مصطلح كساح بمعنى تنظيف السواقي والمنجيات أياً كان نوعها، ويسمى من يمتهن هذه المهنة الكسَّاح، وتسمى المهنة الكساحة. وقد يقوم الكسَّاح، أيضاً، بتقليب الأرض وتجديدها أو تنظيفها من الحشائش الضارة (يوسف وآخرون 2010، ص 86)، وبذلك نجد البعض يعمم لفظة الكساح ليشمل معها مهمات أخرى لم تكن من صلب عمل الكسَّاح، وربما أضيفت له.
الكراف والصخانة
تعرف مهنة الكساح، أيضاً، باسم الكراف، ويسمى ممتهنها الكرَّاف، ويبدو أن أصل اللفظة جرف، وقد قلبت القاف إلى كاف. ولفظة كرف معروفة في اللهجة اليمنية بمعنى جرف، فيقال: «كرف السيل الأرض يكرفها كرفاً، اجترفها وأخذها. ويقال: كرف فلان الأشياء أمامه كرفاً، أي: أكتسحها» (الإرياني 1996، ص 771).
يذكر أن لفظة كراف لها معنى آخر في اللهجات العامية في البحرين ومناطق أخرى في الخليج العربي كدولة الإمارات العربية المتحدة، فيقصد بالكراف العمل بكدح ومشقة شديدة، ومنه يقال يكرف كراف، أي يكدح كدحاً، وكذلك، كرفه كراف، أي جعله يكدح كدحاً في العمل (ar.mo3jam.com).
وفي منطقة كرزكان، تعرف مهنة تنظيف السواقي والمنجيات باسم الكساح أو الصخانة، واللفظة الأخيرة اشتقت من الصخين (يوسف وآخرون 2010، ص86). والصخين هي الأداة التي تستخدم في عملية الكساح أو الكراف، كما تستخدم في تقليب الأرض وغيرها من المهمات، والتي ربما عمم عليها جميعاً مهنة الصخانة. يذكر أن لفظة صخين أصلها «سخين» إلا أن السين تلفظ صاد (أي بالتفخيم)، والصخين عبارة عن مسحاة معقوفة من الأمام تستخدم في الحفر أو حرث الأرض والجمع سخاخين، وهي واردة في معاجم اللغة العربية؛ جاء في معجم «تاج العروس»: «السَّخاخِينُ: المَساحِي بلُغَةِ عبْدِ القَيْسِ... وهي مِسْحاةٌ مُنْعطِفَةٌ، كما في الصِّحاحِ وفي بعضِ نسخِها: مُنْعقِفَةٌ».
ومازال يعرف في البحرين وشرق الجزيرة العربية والعراق والإمارات باسم «صخين»، ويسمى في عمان «خصين» (بتقديم الخاء)، ويرجح Holes أن أصل اسم سخين أكدي، حيث يعرف في اللغة الأكدية باسم «خصينو» (Holes 2001،p. 293).
الخلاصة، أن العمل في الأراضي الزراعية يضم العديد من المهن، وهي مهن تخصص فيها البعض، كمهنة الكساحة أو الجراف، التي تعني تنظيف السواقي والمنجيات، وهي من المهن الشاقة. كما أن هناك مهناً أخرى لها علاقة بالعمل في الأراضي الزراعية سنتطرق لها في الحلقات القادمة.
بحث رائع
بحث رائع جدا اذ يسلط الضوء علي اهم إبداعات حضارة وادي الرافدين و دلمون، " هندسة الري و الزراعة،" وهي ابتكار الحضارة الاولي التي دشنت تحضر و تمدن الانسان. رغم إنجازات تلك الحضارة في مجالات عدة ، الا ان الإنجاز الزراعي لم ينل اهتمام الباحثين بسبب ضعف التدوين ولكون الكثير من هذا الإنجاز اصبح جزء من الموروث المهني و الثقافي. شكرًا مجدد للكاتب و الباحث لتسليطه الضوء علي هذا الإرث الإنساني/العلمي الهام.