حين وقعت ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001 قعد «العالم» أمام شاشات التلفزة يتابع المشهد لحظة لحظة. حتى أبناء نيويورك وسكّانها جلسوا في غرفهم ينظرون إلى حدث لا يصدق وقع على مسافة ليست بعيدة عنهم. كان المشهد مرعبا والعقل لا يستوعب بسرعة حركة المشهد.
كل «العالم» شاهد لحظات الكارثة باستثناء أفغانستان. قلّة قليلة من الأفغان سمعت بالحادث. وبعضهم عبر الحدود متوجها إلى قرى باكستان ومدنها المجاورة ليتأكد من صحة الخبر. الأفغانيون المساكين لم يصلهم النبأ ولا صور المشهد. آنذاك كانت حركة «طالبان» الحاكمة قررت من عندها أن شاشات التلفزة تقع في منطقة الحرام فحرمت على الناس مشاهدة الأخبار والبرامج سواء المحلية أم تلك المرسلة من الفضاء الخارجي بواسطة الأقمار الاصطناعية.
سمع «العالم» نبأ نيويورك وتابعه بدقائقه وثوانيه باستثناء الشعب الأفغاني المغلوب على أمره.
هذا الشعب المسكين وجد القنابل والصواريخ تتساقط عليه فجأة من كل الجهات بحرا وبرا وجوا، وهو لا يعرف من يقصفه ولماذا؟
كل «العالم» كان يعلم أن الولايات المتحدة قررت الثأر ورد الإهانة ومعاقبة شعب آمن وأخذه بجريرة «طالبان» و«القاعدة»... إلا الأفغان.
المواطن الأفغاني لم يسمع بإعلان الحرب عليه ولم يتلقَ الأنباء التي تقول إن الكونغرس الأميركي وافق على رصد 40 مليار دولار (موازنة مبدئية) لتغطية نفقات الحرب.
فجأة وجد الأفغاني نفسه محاطا بجيش قيل إنه مجهّز بأحدث المعدات ودرّب في أرقى المعاهد العسكرية لمحاربة عدو شرس مجهز بالمعدات المتطورة كان يسمى سابقا: الاتحاد السوفياتي.
وانتصرت الولايات المتحدة على قبائل «البشتون» وخلعت نظام حكمها في كابول وطردتها ولاحقتها ولاتزال تلاحق فلولها الفارة يمنة ويسرة. أما أفغانستان فلاتزال هي هي على حالها.
حتى الآن الأفغاني العادي لا يعرف الأسباب الحقيقية لحركة دخول الجيوش إلى أرضه وخروجها في العقود الثلاثة الأخيرة. كل ما يعرفه الأفغاني أنه متهم تارة بالتخلف والأمية والفقر والجهل، وطورا بالعنف والقسوة والهمجية والاستعداد للقتل مقابل المال.
الأفغاني لم يرَ حادث 11 سبتمبر، لكنه كان الطرف الوحيد، أو الأول، الذي اختير لدفع ثمن من يجرؤ على تجاوز «الخط الأحمر» وتحدي جبروت دولة عظمى.
والأفغاني المتهم بكل عناصر التخلّف (الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي) حُمِّل مسئولية اختراق أرقى الأجهزة الأمنية في التاريخ وتحويلها إلى مهزلة لاقت الكثير من السخرية والشفقة. ومع ذلك لم يتغيّر الأفغاني: فأفغانستان هي هي.
الجاهل، كما تقول عنه المؤسسات الإعلامية الأميركية، ضرب جهاز المعلومات والرصد في مبنى البنتاغون بطريقة لم تحسبها كل أدوات التقانة والكومبيوتر التي يقال: إنها الأرقى في العالم وتحسب وتحلل آلاف المكالمات في الدقيقة.
وبدقيقة واحدة قيل إن هذا الأفغاني (الممنوع في بلده من مشاهدة التلفاز) أطاح بكل الإنجازات والاختراعات والأجهزة التي أُنفق عليها المليارات.
هكذا قيل... وليس مهما أن نصدّق أو لا نصدّق. فالصدق مسألة ثانوية أمام الثأر. فحين تتجرأ قبيلة صغيرة (البشتـون) على تحدي قبيلة كبيرة (أميركا) فعليها أن تدفع الثمن.
وبعد الانتقام تأتي العدالة. فالعدالة تستطيع الانتظار، أما الثأر فهو «أصدق أنباء من الكتب»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 7 - الخميس 12 سبتمبر 2002م الموافق 05 رجب 1423هـ