يتداول مصريون في دلتا البلاد قصة مثيرة عن صبي يبلغ من العمر أحد عشر عاما ابتلعته الأرض ثلاث مرات عبر قوى سفلية، ويعود إلى أسرته بعد ساعات من كل مرة كان يختفي فيها داخل غرفته، وأمام ناظري شقيقه الذي يكبره بعامين.
وتحول الصبي أحمد طارق إلى لغز كبير، وفشلت محاولات صحافيين وعلماء دين، في استنطاقه عما حدث له في مرات اختفائه إذ كان يجيب على أسئلتهم المتواصلة له بعد قراءة آيات من القرآن الكريم بإجابة واحدة لا تتغير«لا أذكر شيئا»، فيما وجهت أسرته استغاثة إلى علماء في الأزهر الشريف لإنقاذ الطفل من عبث الشياطين.
ويفتح الاختفاء المثير للصبي الصغير ملف «العفاريت» في مصر من جديد، ويعيد إلى المشهد الاجتماعي قصصا خرافية عن جنيات تسرقن الملابس وتشعلن النيران في البيوت وعن شياطين تمنع زواج فتيات جميلات وتطرد أسرا من مساكنها.
ويطلق البسطاء من المصريين على هؤلاء لفظ « الممسوسين» الذين غالبا ما تنتشر الخرافات عن مقدرتهم العالية على الإتيان بأفعال يعجز عنها البشر وتتراوح ما بين رفع الأوزان الثقيلة بيد واحدة أو هدم جدار ضخم بضربة من قبضة يد وحتى شفاء المرضى بلمسة سحرية حانية. وتبدو قصة صبي الغربية متسقة تماما في وقائعها مع قصص عديدة يحفل بها التراث المصري عن رجال ابتلعتهم الأرض وشباب اختطفتهم جنيات جميلات بعدما وقعن في حبهم فقررن أن يأخذهن معهن إلى عالمهن المجهول والغامض.
وتعيش أسرة الصبي «أحمد» في فزع شديد خوفا على الصغير من «اختفاء دائم»، ويروي والده البالغ من العمر 43 عاما والذي يملك كشكا خشبيا لبيع السجائر والحلوى فى مدينة زفتي التابعة إلى محافظة الغربية ما حدث لابنه الأصغر في تلك الليلة الغريبة قائلا: عدت إلى بيتي في تلك الليلة متأخرا كعادتي، وألقيت نظرة على الحجرة التي يقيم فيها ولداي الصغيران، ثم انصرفت إلى غرفتي بعدما وجدتهما نائمين، لكن لم أكد أضع جنبي على السرير حتى فوجئت بصوت ارتطام شديد، وبولدي «محمد» يصرخ فزعا، وعندما ذهبت إليه أستطلع الأمر وجدته يقف إلى جوار سريره وهو يكاد يموت من الذعر ويقول لي «أحمد سقط هنا» ويشير إلى أرضية الغرفة، ويقول الأب المذعور: رحت أصرخ في «محمد» مثل المجنون، وأسأله عن أخيه، وهو يكرر على مسامعي وأمه الكلمات المذعورة نفسها، وقلبه يكاد ينفطر على أخيه، بينما ذهبت أمه تفتش في كل أنحاء البيت عن أحمد، وعندما لم تجده أطلقت صرخات مفزعة ولم تمض سوى دقائق حتى استيقظ الجيران، وتحول الشارع إلى البحث عن ابني بينما راح أخوه في إغماءة قصيرة عاد بعدها ليقول لي وقد تماسك قليلا إن رجلا طويلا يرتدي ملابا شاهقة البياض تغطي جسده كاملا ظهر في منتصف الغرفة، ثم مد يده إلى أحمد وحمله بين ذراعيه لتنشق الأرض وتبتلعه على غرار الحيل السينمائية.
ويقول جيران تابعوا ما حدث في تلك الليلة بمزيج من الخوف والقلق على مصير الصبي ظلوا يرتلون القرآن الكريم بصوت عال بعدما استمعوا إلى قصة محمد عن اختفاء شقيقه على هذا النحو لمدة تزيد على أربع ساعات، حتى فوجئوا بصوت قرقعة سقوط بعض الأواني في مطبخ شقة الطفل المختطف، ليهرع الجميع إلى الشقة حيث كانت المفاجأة بانتظارهم.
ويقول الأب طارق : «فوجئت بابني أحمد» نائما على الأرض عاريا في وضع جنيني فحملته بين ذراعي وحاولت إفاقته، بينما انطلقت تكبيرات الجيران من حولي ولم أشعر بنفسي بعدها إلا وأنا نائم على سريري وأبي يحاول إفاقتي من إغماء قصيرة، بينما ظل «أحمد» على حالته وكأنه في غيبوبة حتى أذان الفجر، عندها فقط فوجئت به يفتح عينيه وينظر إلينا في دهشة، متسائلا: ماذا جرى؟
في صباح اليوم ذاته حمل الأب طارق ابنه «أحمد» إلى إمام المسجد القريب وقص عليه ما جرى، فطلب منه أن يجلس مع الصبي وحدهما، ويقول الأب: «جلس إمام المسجد مع ابني لمدة ثلاث ساعات ثم طلب مني عدم إغضاب الصبي وتلبية كل طلباته، مشددا على أن أقضي وأمه ما علينا من فرائض، وأن نتصدق بكثير من مالنا وأن نظل دائما على طهارة ونحافظ على الصلاة، ولا نكف عن قراءة القرآن في بيتنا».
غير أن الأكثر إثارة - حسبما يقول والد الصبي «أحمد»- هو ما قاله إمام المسجد بأن الصبي الصغير سوف يختفي مرات أخرى، وأن على أسرته أن تتقبل الأمر بهدوء وسلام، مؤكدا لهم أن الصبي سيعود إلى فراشه بعد فترة من اختفائه.
ومع تكرار اختفاء «أحمد» طاف والده على العديد من المساجد والتقى علماء في الدين جلسوا مع الصبي الصغير مرات، على أمل أن يقص عليهم ما جرى له، لكنه كان يرد عليهم بجملة واحدة «لقد أمروني بعدم الكلام».
ويشير علماء في الأزهر الشريف إلى أن القرآن الكريم يقر بوجود الجن، ويقول إن منهم المؤمن ومن هم دون ذلك، لكنهم يذهبون في الوقت ذاته إلى أن التسليم بتلك الحادثة الغريبة، يتوقف على مدى صدق الراوي، ويقولون إن الراوي الوحيد لتلك القصة هو شقيق الصبي الذي يقاربه في العمر، ولابد أن يكون قد رأى ما حدث أكثر من واحد للتصديق بهذا الأمر، فيما يرجع خبراء في علم النفس أن يكون ما جرى للصبي الصغير لايعدو أكثر من «تجول أثناء النوم»، ويقولون إن هذا المرض- الـ «سومنابيولزم» - عادة ما يصيب الأطفال بنسب عالية، فيغادرون فراشهم ليلا، ويتجولون في أماكن يعرفونها، وربما يختبئون ثم يعودون بعد فترة من دون أن يصيبهم مكروه حماية من الله
العدد 7 - الخميس 12 سبتمبر 2002م الموافق 05 رجب 1423هـ