يقول البعض إن الاختلافات بين الجنسين هو مصطلح متأصل في طبيعتهما ومحدد من خلال اختلافاتهما البيولوجية والتي بالتالي تقود إلى الاختلافات النفسية التي استخدمت سواء في الشرق أو الغرب لتبرير عدم المساواة الاجتماعية للنساء. هذا التحديد البيولوجي والتصنيف العاطفي والمنطقي ليس إسلاميا بالتحديد وهو في الواقع مناقض لآيات القرآن.
إن الاختلافات البيولوجية «اللامساواة» للبيولوجيا الأنثوية تستخدم لنفي روحيتها وعلاقتها مع خالقها. من المحتمل أن يكون منطق الاختلافات بين الذكر والأنثى، إن لم تكن الحقوق نفسها متأثرة بشدة بالفلسفة الإغريقية، على وجه التحديد أعمال أرسطو وأفلاطون الموجودة في المناهج الدراسية لمدارسنا الدينية منذ سنوات التشكيل الأولى.
في الإسلام، الطبيعة «بما فيها الطبيعة البشرية» منسوبة للاهوت. الجدل القائم غالبا هو أن الأنثى عاطفية أكثر وأقل تعقلا ولذلك فهي تابعة للذكر المتعقل وذي التفكير المنطقي. لذلك فإن السؤال حول المبادئ المتوسلة في الثقافة البشرية والتاريخ والقواعد المعيارية للسلوك «كطبيعي» أو «غير طبيعي» هو سؤال مرفوض. في القرآن لا توجد إشارات مباشرة إلى الاختلافات بين الذكر والأنثى كتبرير لتبعية الأنثى مبني على تفسير ثانوي لآيات القرآن. القرآن نفسه سرمدي ولكن لا يمكن أن يقال الشيء نفسه عن تفسيره. وهكذا فإن التأثيرات الثقافية في تعريفها للطبيعة البشرية تصبح نسبية وعوامل مقررة.
القوى المعيارية للسلوك الطبيعي لا يمكن ولا يجب أن يتم تجاهلها. مبدأ السلوك اللاطبيعي عبر تاريخ النوع البشري استخدم لتبرير الأشكال الشرعية المتنوعة للاضطهاد الاجتماعي. مثال على هذا هو الكيفية التي يتم بها استخدام الاعتقاد حول طبيعة النساء لتبرير منزلتهن الاجتماعية. في تاريخ الفلسفة كان مصطلح الطبيعة البشرية غالبا مصطلحا معياريا: كونك إنسانا كاملا هو هدف تحتاج لأن تحققه. مبادئ «الانسانية» كانت غالبا ما تربط بسلسلة من السمات الشخصية التي تعتبر ذكرية أساسا.
هذه السمات الشخصية تفرق بين البشر والحيوانات الأخرى وبين النساء والرجال. السمة الأكثر توضيحا للبشر هي العقلانية، فإذا أنكرنا للنساء أي معنى من العقل فإننا نستثنيهن من الإنسانية. الإسلام لا يفعل ذلك، في الحقيقة، رسالة الإسلام المساواتية لا تفرق بين طبيعة الجنسين.
إن إنكار الطبيعة البشرية هو بالطبع سخف. لا يمكننا على أية حال أن نفهم أن الطبيعة معطاة تماما من دون أن نفهم القوى المعيارية والعملية الاجتماعية التي تعتبر أساسا تاريخية وثقافية. تفسيرات عديدة للطبيعة البشرية لجأت مباشرة إلى البيولوجيا وأصبح من الصعب التمييز بين السلوك الطبيعي والسلوك الاجتماعي حيث إن الإنسان هو كائن اجتماعي. من المهم أن نكون قادرين على بناء نظرية كافية للطبيعة البشرية، وفي الوقت ذاته نرفض التحديد البيولوجي. إذا أخذنا في الاعتبار التفسيرات المتنوعة للطبيعة البشرية فإننا لا نستطيع أن نتجاهل أن هذه المبادئ مفصلة لكل جنس بشدة.
أولا: إن تصورات الامكانية البشرية غالبا ما ينظر إليها في ضوء السمات الذكرية بمعنى أنهم يستثنون الميزات التي تسمى أنثوية. وهكذا فإن النساء ينظر إليهن على أنهن غير قادرات على التفوق وتحقيق الذات، كما ينظر إليهن على أنهن لسن سوى امتداد للذكر.
ثانيا: إن بعض نظريات الطبيعة البشرية اقترحت أن الحدود الموضوعة حول الطبيعة البشرية مختلفة وأن هذه الحدود تأخذ في الاعتبار الاختلافات في الأدوار الاجتماعية والسمات النفسية للجنسين. وأخيرا في التسلسل الهرمي للطبيعة البشرية، بينما ترتفع السمات الذكرية إلى أعلى المستويات فإن السمات الأنثوية تنخفض إلى أقل المستويات.
معظم التقييمات الأخلاقية للطبيعة البشرية في الفلسفة الغربية تتأصل فيها الثنائية التي تعكس بطريقة وبأخرى الثنائية للخير والشر. هذه الثنائية متسلسلة تسلسلا هرميا. في هذا التسلسل الهرمي، يفترض أن الخير هو وجود غير ذاتي مطلق وسرمدي ويعتقد أنه يوجد بطريقة ما بحيث لا يمكن الوصول اليه من خلال الخبرة الاعتيادية. وبسبب هذا استنتج أن الخير يعرف فقط من خلال الجزء المتعلق بصنع المفاهيم في الشخص «عادة ما يسمى العقل» ليس من خلال الجزء المسئول عن الإحساس أو العواطف في الشخص «عادة ما يسمى الجسد».
هذا الاتصال بين مصطلحات الخير كذاتي وعالمي، ومصطلح تفوق العقل على الجسد، هو اتصال مهم للأسباب الآتية:
لأن الخير يدرك على أنه الخير الأخلاقي أو القيمي فإنه يجب معرفة الخير حتى يمكننا أن نتصرف طبقا لذلك. بأي الوسائل يمكن معرفة هذا الخير الذاتي والعالمي؟ إن وعينا اليومي هو لأشياء تتغير، تتطور وتموت. الخير على أية حال غير متغير، ذاتي وعالمي ولذلك لا يمكن الاعتماد على المفاهيم الاعتيادية والمشاعر لتزودنا بمعرفة الخير.
على الجانب الآخر فإن العلاقات المفهومية، حيث تظهر هذه العلاقات في الرياضيات والمنطق يبدو أنها دائمة وغير متغيرة. مثلا 2+2=4 يبدو بأنه دائم، ولا تستطيع أي خبرة أن تغيره. وهكذا إذا كان الخير غير متغير ودائم فإنه يمكن معرفته فقط بواسطة هذه العلاقات المفهومية غير المتغيرة والدائمة. الجزء المسئول عن المفاهيم في الإنسان يسمى العقل ويعمل بالعقلانية أما المشاعر والعواطف فهي في الجزء الذي يعتبر الجسد.
في هذا الإطار فإن العقل والجسد يصبحان منفصلين جوهريا لأنهما يؤديان وظائف منفصلة. هذه الوظائف موضوعة في الإطار الثنائي ويعبر عنها بالعلاقة بين التفوق والدونية. العقل فقط يمكنه أن يعرف الخير، أما الجسد فلا يتصل بالخير أو يتحول عنه. وهكذا فإن العقل يجب أن يتحكم في الجسد. في هذا الإطار الثنائي، فإن البشر لهم طبيعة ثنائية، عقلانيتهم «العقل» أقرب للخير وحيوانيتهم «الجسد» أقرب للشر. الناس يحكم عليهم طبقا لدرجة العقلانية الظاهرة عليهم. النساء المحرومات من العقلانية يقال إنهن لسن قادرات على التحكم تماما بأنفسهن. في هذا التسلسل، الرجال «الذكور» أقرب للخير من باقي الطبيعة كنتيجة لهذه العقلانية.
النساء أقرب للشر، سلوكهن غير حر ومحدد إلى حد أنهن يتصرفن بطريقة - انطلاقا من مشاعرهن - بالجسد. وبما أن الخير يجب أن يتحكم في الشر، لذلك فإن الرجل يجب أن يتحكم في، ويضبط المرأة بالطريقة نفسها التي يتحكم فيها العقل بالجسد. ورثنا هذا الإطار الثنائي على رغم أنه يتناقض مع تعليمات القرآن، وهذا الفهم يستخدم كوسيلة لتبرير اضطهاد النساء. القرآن لا يدعم دورا مكررا لسماته الشخصية، ذكورا أو إناثا.
من المنظور القرآني، فإن الاختلافات بين الجنسين لا يمكن تقليلها إلى التشريح أو البيولوجيا. النظرة إلى الذكر والأنثى من خلال الثنائية ليست إسلامية. الإسلام يعطينا الإطار للقطبية التي ليست متسلسلة ولكن مبنية على أساس الإنجاز المتبادل.
الطبيعة الأنثوية طبقا لهذه النظرة لها قيمة عالية، وهي ضرورة وتكامل لطبيعة الرجل. العلاقة بين الجنسين لا تخضع لتسلسل هرمي ولكنها متكلة على بعضها بعضا بشكل متبادل. من خلال وحدة هذين المظهرين يحقق الفرد الرضا الداخلي.
اليوم، المسلمون المدافعون عن الدين الإسلامي يطرحون أيضا كل أنواع النظريات الاجتماعية للإجابة عن اعتراضات غربية الهوية. الإجابات عن هذه الأسئلة حول علاقات الجنسين ممكنة فقط من خلال التفكير الأعمق الذي يستخدمه المفكرون الإسلاميون التقليديون
العدد 7 - الخميس 12 سبتمبر 2002م الموافق 05 رجب 1423هـ