دعا المفكر البحريني علي فخرو، إلى ضرورة أن «يُمثَّل المجتمع المدني الخليجي في مجلس التعاون الخليجي، على غرار ما هو موجود في الاتحاد الأوروبي».

وحذر فخرو، في ندوة قدمها في مقر جمعية «وعد» مساء الأربعاء (28 سبتمبر/ أيلول 2016) في أم الحصم، تحت عنوان: «مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي في خضم الصراعات الدولية»، من خطر الطأفنة ليس باعتبارها مشكلة حكومات أو مواقع التواصل الاجتماعي، بل لكونها تُضعفُ المجتمع المدني كثيراً، معتبراً ذلك «من أهم نقاط الضعف في دول مجلس التعاون».

وفي بداية الندوة، قال فخرو: «من الصدف العجيبة أن في يوم (28 سبتمبر/ أيلول)، هناك أربع مناسبات سابقة حدثت فيه، في العام 1961 دمرت أول محاولة جادة للوحدة العربية بين مصر وسورية، وفي العام 1970 توفي قائد تلك المحاولة وتوقفت مع موته الكثير من المبادرات المنتظرة بعد ذلك الانفصال، وفي العام 1982 استطاعت المقاومة الشعبية في لبنان أن تهزم المحاولة الصهيونية لتقسيمه، وفي العام 2000 كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي لو بقيت لتغير المشهد الفلسطيني تغيراً جذريّاً، ولكن كالعادة تلاعب بها المتلاعبون، فكأن هذا اليوم هو يوم ذكريات مؤلمة، لكنها شديدة الامتلاء بالأمل؛ لأن هناك إخفاقات وانتصارات».

وأضاف «بعد كل النقاشات التي تحدث، الأمل هو أن تحدث خطوات عملية فاعلة من شعوبنا العربية، فنحن نتحدث بالفعل عن بيئة إقليمية ودولية متغيرة إلى أبعد الحدود، وفيها أنواع من الأسرار لا يمكن أحياناً لأحد أن يفهمها؛ لأن فيها قوى عديدة متداخلة، فمثلاً مَنْ كان يعتقد قبل عدة سنوات أن هناك قوة ستأتي وتحتل ثلث العراق، روسيا أيضاً مَنْ كان يظن أنه سيكون لها هذا الدور الرئيسي الذي تلعبه اليوم، ومن كان يعتقد أن الاتفاق النووي سيتم، أوضاع روسيا مَنْ كان يعتقد أنها ستتغير، مصر من كان يظن أنها ستصبح كسيحة في النظام القومي العربي، أميركا كيف أصبحت عاجزة عن حل المشكلات في مختلف مناطق العالم، أسعار النفط مَنْ كان يظن أنها ستتراجع بهذا الشكل المفجع، ومَنْ كان يتوقع أن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي؟ كل هذه المشاهد تداخلت مع بعضها بعضاً، وربما ساعدت على حدوثها».

وأردف أن «المستقبل يرتبط دائما بالماضي، لكنني لن أدخل في التاريخ، بل سأركز على النقاط الأساسية التي تميز بها مجلس التعاون الخليجي، حاليّاً وضعه المالي كارثي، بعد انخفاض أسعار النفط، على رغم أنه قبل بضع سنوات وصل دخل دول المجلس إلى تريليون ونصف دولار، ولكن العجز في الموازنات أدى إلى تضاؤل المدخرات السيادية التي وصلت إلى 2.2 تريليون دولار، وستستمر في تآكلها إذا استمر الوضع الاقتصادي الحالي، وخصوصاً مع تراجع تصنيف دول مجلس التعاون الائتماني».

وأشار إلى أن «كل الدول في الخليج وضعت خططاً حتى العام 2030، وجميعها أصابها التعثر، مع ازدياد البطالة لدى المواطنين، وخصوصاً أن السياسات الاقتصادية في المنطقة ركزت على العمالة الأجنبية الرخيصة وإهمال العمالة الوطنية، وما يزيد من ألم الإنسان أن هذه البطالة موجودة بشكل متواز مع ازدياد العمالة الأجنبية، وللأسف يترافق ذلك مع انخفاض في العمالة العربية في دول الخليج».

وتابع «هناك بداية انهيار ونهاية لدور الدولة الريعية في دول المجلس من جهة، وأيضاً انهيار ونهاية دولة الرعاية الاجتماعية من جهة أخرى، والآن هناك حركة كبيرة في المنطقة نحو خصخصة حقلي التعليم والصحة في كل دول مجلس التعاون بدون استثناء».

وأكمل فخرو «ترافق مع ذلك بداية التفكك التمويلي في داخل دول مجلس التعاون نفسها، عمان مثلا تتصرف بطريقة خاصة بها، وقطر فعلت ذلك في فترة من الفترات، ثم إن المجلس لم يستطع طيلة هذه السنين أن يحسن تنظيمه الهيكلي، وقد كتبت سابقا عن وجوب تشكيل قمة أخرى لرؤساء الحكومات في دول مجلس التعاون؛ لأنها الجهات التي تقوم بتنفيذ سياسات هذه الدول، كما تحدثت سابقا عن وجوب وجود وزير مختص بشئون هذا المجلس يكون موجوداً في مقر المجلس في الرياض».

وواصل «هناك أيضاً موضوع تراجع السياسة وصعود القبضة الأمنية في كل دول مجلس التعاون، بسبب ما جرى في الربيع العربي، ولكن السبب الأكبر هو وجود مشكلة تاريخية تختص بهذا الأمر».

وأفاد أن «الطأفنة أيضاً ليست مشكلة حكومات أو مشكلة مواقع التواصل الاجتماعي، بل مشكلة هذا الأمر أنه يضعف المجتمع المدني كثيراً، وهو من أهم نقاط الضعف في دول مجلس التعاون، ولا توجد دولة من دول المجلس لا تعاني من هذه المشكلة، وإن كان بدرجات متفاوتة».

وأوضح فخرو أن «المجلس لا يقف أمام متطلبات العولمة غير المعقولة، سواء بالنسبة إلى قضايا التجارة أوقضايا إضعاف الدولة الوطنية وغير ذلك، وبالتالي فإن السياسات الخارجية كلها متناثرة، لاحظوا الاتحاد الأوروبي كيف تتناغم فيه قرار دوله».

وواصل «اليوم هناك وجود حقيقي لدول خارجية عبر تدخلات وتصريحات يومية في شئوننا، هذه التبعية التاريخية تزداد ولا تقل، وأحد أسبابها هو فشل الأمن الخارجي لدول مجلس التعاون، ما أدى إلى أن توقع دولنا معاهدات مع عدد من الدول الكبرى».

وشدد فخرو على أنه «تمت إضاعة فرص التنمية، فمَنْ يصدق أن هذه المنطقة كان من المفترض أن تكون لديها أفضل المؤسسات التي تتعامل مع النفط تنقيباً وإنتاجاً وتسويقاً، ولكن بدلا من أن تأخذ الثروة بيدها أخذت تسلمها أكثر وأكثر».

وواصل «حتى في حقل الطاقة البديلة، كان يفترض أن تكون لدينا بحوث متعددة في هذا المجال، حتى نستفيد منها متى ما نضب النفط، كذلك فإننا في حقل الصناعة لدينا الصناعات الخدمية فقط لحد الآن، نحن بعد كل هذه الثروات الهائلة لم نستطع أن نبني مصانع تحقق احتياجاتنا، وهذا الأمر ينطبق أيضا على الصحة والتعليم كذلك».

وذكر أنه «كان يمكن لمجلس التعاون أن يكون مجلساً كبيراً، وكان يمكن ضم العراق عندما كان قويا، وكان يمكن تجاوز الحرب العراقية الإيرانية، والحال نفسه ينطبق على اليمن، وكان يمكن لهذا المجلس الكبير أن يكون ندّاً إلى إيران».

وشدد على «ضرورة أن يمثل المجتمع المدني الخليجي في مجلس التعاون الخليجي، على غرار الاتحاد الأوروبي، كما ان من الضروري أن تكون هناك محكمة مشتركة».

وتساءل: «لماذا لا يوجد نظام دفاعي عسكري مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي، ويتم إشراك قوى عربية في نطاق الأمن الإقليمي القومي العربي، لابد من العمل على تقوية النظام القومي الإقليمي العربي، باعتباره العمق الإقليمي والقومي لدول مجلس التعاون الخليجي».

وختم فخرو بالقول: «النقطة الأساسية أنه إذا لم تفعل المجتمعات المدنية الخليجية شيئاً، ولم تقم بجبهة شعبية للعمل على تقوية كل مواطن الوحدة والاتحاد، فإنه لا مجال للنهوض بالعمل الخليجي المشترك بدون الإسناد من الجهات الشعبية والمجتمع المدني الخليجي».