العدد 6 - الأربعاء 11 سبتمبر 2002م الموافق 04 رجب 1423هـ

بوش: الأب والابن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حين حسمت محكمة فلوريدا معركة الرئاسة الأميركية في نهاية العام 2000 لمصلحة المرشح الجمهوري جورج بوش الابن غمرت الفرحة الكثير من الاوساط العربية. ها قد عاد الحزب المؤيد للعرب وقضاياهم. ها قد عادت العائلة التي ساعدت في تحرير الكويت الى الحكم.

لم يدرك الفرحون التحولات التي طرأت على الاستراتيجية الأميركية بعد عقد من اعلان نهاية «الحرب الباردة» ، و ان ظروف الابن ليست بالضرورة مشابهة لظروف الأب... فلكل رئيس حساباته المحلية التي هي نتاج فضاءات البيئة الدولية. فالابن اختلفت استراتيجيته عن الأب بنسبة تصل الى 50 في المئة ويلتقي معه في النصف الثاني من البرنامج.

والنصف الثاني هو موضوع تجارة النفط وحاجة الولايات المتحدة إليه. اما الأول فهو التعاطف مع إسرائيل من دون إغضاب الدول العربية.

الأب نجح في التوفيق بين «التعاطف» و«الحاجة» فانخدع به من ظن انه يميل إلى القضية الفلسطينية في الدرجة نفسها التي مال قلبه إلى الكويت.

والفارق كبير بين المسألتين سواء في استراتيجية الأب وسياسة الابن.

إلى ذلك دخلت على الاستراتيجية الدولية مجموعة تطورات احدثت تحولات في النهج الأميركي ورؤية لائحة الاعداء والاصدقاء.

سابقا كانت واشنطن تقيس مصالحها وفق حسابات منطقية تأخذ في الاعتبار وجود دولة كبرى إلى جوار العالم العربي ولذلك كانت مضطرة إلى «مسايرة الاخر» حتى ولوكان نمط حياته وعيشه وسلوكه على الخط المعاكس أو حتى المضاد للنموذج الأميركي.

وحين سقط الاتحاد السوفياتي ورث الأب مؤقتا هذا النهج عن الفترة السابقة وادخل عليها بعض التعديلات الطفيفة من دون ان يكسر «الحلقة» مع الاصدقاء. ففي ايام بوش الأب كانت السياسة لاتزال تعيش اجواء الماضي وكانت بحاجة إلى وقت لإعادة النظر في زواياها لتتكيف مع الزمن الذي اندفع بوتيرة اسرع عقب انهيار «حائط برلين».

بوش الإبن جاء في عصر مختلف وسريع التقلب فأخذ من والده النصف (النفط) وترك النصف الأخر (السياسة) مستبدلا اياها بالثقافة الساذجة والمصطحة. لم تعد المصالح عنده مقصورة في (السياسة). ولم تعد الحاجة هي المعيار الوحيد لقراءة المصالح الاقتصادية (النفط) والاستراتيجية (أمن إسرائيل) بل احتلت الثقافة مرتبة السياسة محولة منطق المصالح إلى «نموذج ثقافي» على الاصدقاء الاخذ به كأساس لبناء المصالح المشتركة وحماية الحاجات الاقتصادية.

ترافق هذا التحول الدولي مع تحولات داخلية تمثلت في ضغوط المؤسسات العسكرية (التصنيع الحربي) وشركات الطاقة على الإدارة للعودة إلى نهج «الحرب الباردة» للتعويض عن فترة بيل كلينتون واستعادة المكانة السابقة بعد أن أنتفى مبرر وجودها او على الاقل مبرر نموها الانتاجي على حساب القطاعات الاقتصادية الاخرى. وجاء الضغط هذه المرة ليزيد من طرح «السؤال الثقافي» ووضعه في مقدمة سلم فرز الاصدقاء وتمييزهم عن الاعداء.

ولهذا السبب الثقافي يمكن فهم لماذا يرى بوش الابن في صدام خطرا على المنطقة بينما لايرى في شارون الخطر نفسه؟ فالثقافي في هذا المعنى المجوف من التاريخ تغلب على السياسي من دون ان يرتقي الى مستوى رؤية استراتيجية ترى النفط في عين والسياسة في عين. فالنفط لم يعد مادة «شرق اوسطية» بامتياز بعد الاكتشافات الضخمة في روسيا وبحر قزوين. والسياسة لم تعد مهمة في عصر لم تعد أميركا تقبل حتى مشاركة اوروبا في صنع القرار الدولي.

فرح بعض الاوساط العربية بنجاج بوش الابن لم يكن في محله. فاميركا تغيرت. والعالم تغير والعائلة «البوشية» تغيرت، بينما بعض الاوساط العربية... لم يتغير

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 6 - الأربعاء 11 سبتمبر 2002م الموافق 04 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً