في الذكرى الثانية لرحيل العلامة الشيخ أحمد العصفور، احتضنت قرية بوري، مساء أمس الأول الإثنين (26 سبتمبر/ أيلول 2016)، أمسية تأبينية، ظل المشاركون فيها، «يرسمون ملامح شخصية الراحل وينحتون صورته».

الأبرز في ذلك، ما تطرق إليه رجل الدين الشيخ عبدالمحسن الجمري، حين فصل ورقته المعنونة بـ «الشيخ أحمد العصفور، واستراتيجية الخيار»، ممهداً قبل ذلك بالقول: «لا يمكن أن تمر ذكرى مرتبطة بشخصية الشيخ أحمد العصفور، بغير إثارات، فأرجو أن يتقبل الجميع ما سأقدمه برحابة صدر وقبول».

وأضاف «قد يلجأ الرمز في مجتمعه إلى خيار صعب، وقد يكون هذا الخيار هو أهم قرار في حياته، وأهم قرار في ما يرتبط بمستقبل أمته ومجتمعه، وبالطبع فإني حين أشيد بمواقف الشيخ أحمد العصفور، لا يعني ذلك أنني أختلف أو أقلل من مواقف الآخرين، لا أبداً، فحين نقرأ تاريخ أهل البيت وتاريخ الشيعة، سنجد أن هذا التاريخ لم تمر عليه مرحلة إلا وفيها هذان التفكيران، وهاتان النوعيتان من التفكير».

وتابع «لا يخلو الأمر إذاً من اختلافات في المسالك واختلافات في نوعية التفكير، وفي الوقت ذاته لا يشك أحد أبداً في أن هناك توافقاً واتحاداً وتطابقاً في الغاية والهدف. لدينا الكثير في تاريخ الشيعة من القرارات والخيارات ذات استراتيجية حساسة جدّاً قد تثير جزئيّاً سخط الشارع، لكن ذلك لا يعني بالضرورة خللاً في إدارة هذه القرارات، وإلا كان ذلك لصلح الحديبية الذي أثار جزئيا سخط الشارع، وكذلك هدنة الإمام علي (ع) وخيار الإمام الحسن (ع) الذي أثار سخطاً».

بعد ذلك، انتقل الجمري إلى تبيان جملة خيارات اعتمدها الشيخ أحمد العصفور، بيَّنها بالقول «خيار التواصل، وهو الخيار الاسلامي واقعاً، الذي أضحى تراث أهل البيت (ع) ولم يرضوا أن نحدد مدىً ولا مساحة لذلك، فالتواصل يمنع الانتكاسات ويمنع الضرر، واذا انقطعت قنوات التواصل لا يبقى بين الانسان والانسان الا سوء الظن والحذر والخوف والمخاوف، وتمزق النسيج الاجتماعي»، مشدداً على أن التواصل الاجتماعي الناجح، بحدود هو تواصل فاشل.

وأضاف «الحل الوحيد لأزمة الانسان الاخلاقية، هو في التواصل، فأزمتنا في البلد أخلاقية وأزمة العالم أخلاقية، تختلف المسميات وكلها تندرج تحت العنوان الاكبر وهو الاخلاق، ولذلك فان حل المشكلة هو عبر تواصل الانسان بالانسان»، مستشهداً في هذا الصدد بما يروى عن الامام جعفر الصادق (ع): «أكثروا الاصدقاء في الدنيا فانهم ينفعون في الدنيا وفي الآخرة،...».

من وحي ذلك، انتهى الجمري إلى القول: «هذا يعني اننا غير ملزمين دائما بتسمية المسميات بمفردات سيئة ونكون سلبيين».

وانتقالاً إلى خيار التسامح، قال الجمري: «حين أتحدث عن الشيخ العصفور، فكأنني أرسم لك صورته، وأنحتها أمام الحضور»، مضيفاً «خيار التسامح خيار استراتيجي مهم، وليس هناك حدود للتسامح، وتاريخ أهل البيت يتحدث عن ذلك».

وتابع «هنا أستعين باسقاطات تاريخية عن شخصية الحسن بن علي الأصغر، ابن علي بن علي بن الحسين (ع). كان بطلاً شجاعاً يطلق عليه (رمح آل أبي طالب)، ثوري حركي متحمس متوتر، الناس كلها خطأ وهو على الصح، الناس كلها جبناء وهو الشجاع، حتى جعفر الصادق (ع) جبان».

وأردف «حين قتل حامل راية محمد بن عبدالله بن الحسن، طاردت الدولة (الحسن بن علي الأصغر) تريد قتله، فجاء الامام الصادق الى العراق ليشفع في مجموعات كثيرة من العلويين ومن المطلوبين وذلك لهيمنته وقدرته وسلطته وعلاقاته المتميزة مع جميع الطوائف والشرائح حتى مع اليهود ومع النصارى والصابئة، وهذه نقطة جدّاً مهمة».

وواصل الجمري حديثه «أراد قتل الامام الصادق، لكن الامام أوصى له في آخر حياته بسبعين ديناراً»، ليخلُص الجمري إلى القول «لعل الشجاعة أنني أقول الكلمة في وجهك أنت لا في وجه الكفر، ولعل الشجاعة أنني أواجه تياراً معيناً».

وعبر ورقته، تطرق الجمري إلى بقية عناوين (استراتيجية الشيخ أحمد العصفور)، من بين ذلك خيار مكافحة التوتر، وخيار التقارب، وعقب «عايشنا الشيخ أحمد العصفور فلم نجد له نظيراً في الجاذبية، لا حبّاً ولا حنان ولا ملاطفة. هذه هي الكاريزما التي يتحدثون عنها، فالجاذبية ليست بالتعالي والغرور»، مستذكراً في هذا الصدد نزول الشيخ العصفور إلى مختلف الطبقات.

واختار الجمري، خيار التبليغ الديني، وعلاقة الشيخ أحمد العصفور بالمأتم الحسيني، ليختتم حديثه، وهو يقول: «حين تسألني عن مواصفات المبلغ والداعية الديني أقول هي اقلها امام الجماعة ومواصفات امام الجماعة، واعلاها امام الجمعة، وقمتها المراجع، ولا ننسى هنا الاشارة الى دور الشيخ العصفور في تشييد الجمعة التي لم تنقطع في البحرين منذ قرون، أما المأتم الحسيني، فقد كان فيه متألقا، بل إن الشيخ العصفور انما أراد المنبر لتوثيق علاقته بالمجتمع»، مضيفاً «حين كان لا يقرأ في موسم عاشوراء، كان يحضر المآتم حضور متعلق ومتولع بالمأتم والحسين، وعاشق للقراءة عشقاً، فاختتم حياته وهو يقرأ أبيات من قصيدة (أحرم الحجاج)، قرأها وهو يحتضر وهذا شيء كبير».

بدوره، استعرض الباحث وسام السبع في كلمته الروافد الفكرية للشيخ أحمد العصفور، ودور أسرة العصفور، إلى جانب المراحل الست لتطور الحوزة، ودور الشيخ بوصفه «ساحر المنبر الحسيني»، كما يصفه المرحوم الملا عطية الجمري.

وبعد أن تنقل السبع بين المراحل التي مرت بها الحوزة العلمية في البحرين، من بين ذلك مرحلة ازدهارها (المرحلة الثالثة في القرن 11 هجرية)، ومرحلة تأسيس الحوزات (المرحلة السادسة في بداية القرن العشرين)، مضيفاً «المرحلة السادسة هي مرحلة التأسيس الفعلي للحوزات، وكانت أولى المحاولات التي سجلت في تأسيس المدارس العلمية، مدرسة الأوقاف الجعفرية والتي تعهد الاشراف عليها قاضي محكمة التمييز في المحكمة الجعفرية الشيخ عبدالحسين الحلي المتوفى العام 1956».

وتابع «أول من تولى زعامة التدريس فيها الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح، واحتشد إليها جماعة من العلماء منهم فقيدنا الراحل الشيخ أحمد العصفور».

وأردف «استطاع الشيخ عبدالحسين الحلي تحريك الجو العلمي في البحرين من خلال الدور الكبير للحوزات، وبعد رحيله نهض بأعباء تأسيس الحوزات العلمية تلامذته، وكان أبرز من انطلق في حمل هذه الرسالة الشيخ أحمد العصفور والشيخ منصور الستري والسيدعلوي الغريفي رحمة الله عليهم أجمعين».

وفي الحديث عن تأسيس الحوزات العلمية في الستينات، قال السبع: «لاحقاً تأسست حوزات علمية أخرى، وجميعها تأسست في الستينات، أما حوزة العلمين التي أسسها الشيخ أحمد العصفور، فتحتضنها هذه القرية المباركة (قرية بوري)، وهي بالمناسبة قرية عريقة في تاريخها العلمي»، مضيفاً «رسميّاً 1993 بدأت حوزة العلمين ممارسة أدوارها في تهيئة طلبة العلوم الدينية للقيام بأدوارهم».

واختتم السبع حديثه باستعراض جملة روافد من حياة الشيخ أحمد العصفور، من بينها دراسته على يد كبار العلماء في حوزة النجف الأشرف، وعلاقاته القوية معهم، إلى جانب إمامته للجمعة والجماعة، وارتقائه المنبر الحسيني منذ العام 1944، وتدشينه بمعية كبار العلماء لبداية دخول العلماء في سلك القضاء وفق الترتيب الحديث».

وعقب مستذكراً مناقب الشيخ العصفور «شخصية، لا أحد من البحرينيين لا يتملك حصة أو علاقة أو موقفاً معها، امتاز بالكثير من المزايا والسجايا، قد تكون موضوعاً لكتاب قادم يتحدث عن شخصية الشيخ والمزايا التي تضمنتها هذه الشخصية العظيمة».