في جلسة مع الصديقات طرحتُ تساؤلاً عن أشياء تسبب لنا الخوف وفوجئت من ردة فعل إحداهن عندما قالت لي «بيتنا كلهم عندهم فوبيا»!
فهي تخاف من الصراصير لدرجة أنها تتصبب عرقاً وتصاب بالدوخة إذا ما رأت تلك الحشرة الصغيرة تتجول بالقرب منها، كما أن أمها تعاني من فوبيا الأفاعي بحيث تخشى من مجرد ذكر اسم الأفعى أو رؤية صورة لها، بينما أختها تتجنب الأماكن والأشياء التي تحتوي على العفن لدرجة أنها صارت مهووسة بالنظافة، أما الأخرى فهي تصرخ وتبكي كلما شاهدت «وزغة»! ومع ذلك يرفضن العلاج ويعتقدن بأنه مجرد مضيعة للوقت!
هناك الكثير من الأشياء التي قد تثير مخاوفنا في هذا العالم، كالإرتفاعات والحشرات ورؤية الدم أو العلاج بالحقنة أو حتى زيارة طبيب الأسنان، ولكن لا تمنعنا هذه المخاوف من القيام بما نريد أن نقوم به. لكن عندما يصبح هذا الخوف مبالغاً فيه ويصل بنا إلى الدخول في نوبات من الهلع والفزع قد تصل بالبعض إلى حد فقدان الوعي والاختناق، فإن هذا الخوف والذي قد يبدو للآخرين غير منطقي وغير مبرر يُشخّص رهاباً أو فوبيا.
يرى استشاري الطب النفسي الدكتور محسن طريف أن الخوف هو شعور طبيعي عند البشر يبدأ منذ الطفولة خصوصاً عند خوض تجارب لأول مرة أو الاحتكاك بكائنات جديدة ومع مرور الوقت يتعلم الطفل التخلص من مخاوفه بالمواجهة، ولكن قد تستمر بعض المخاوف لديه نتيجة اكتساب الخوف من الوالدين اللذين قد يكونا مصابان بالخوف من ذات الأشياء، أو قد ينتقل الخوف للطفل بالوراثة بنسبة بسيطة جداً. أيضاً تتسبب طرق تخويف الطفل التي يمارسها بعض أولياء الأمور على أبنائهم بحالة من الفوبيا لديهم.
وأظن بأن الدكتور يقصد تلك الخرافات التي لا أعتقد بأن أحداً منكم لم تمر عليه كالتخويف من “أم الخضر و الليف” أو «حمارة القايلة” والـ «وحش”.
مرحباً بك في عالم الفوبيا!
يقسم د. طريف الفوبيا لعدة أنواع أشهرها:
رهاب الحيوانات والحشرات.
رهاب المواقف والأماكن: ويشمل خوف الشخص من الأماكن المغلقة أو المفتوحة أو المرتفعة أو المظلمة أوغيرها، أما بالنسبة لرهاب المواقف فهو الخوف من المكان الذي أصيب فيه الشخص بنوع من الهلع، كتجنبه أحد الشوارع الذي أصيب فيها بحادث مروري مثلاً، أو أماكن تعرض فيها المريض لموقف محرج.
الرهاب الاجتماعي: ويسمى القلق الاجتماعي وهو من اضطرابات القلق الأكثر شيوعاً، والمصابون به يخافون من مواقف اجتماعية متنوعة أو من أداء نشاطات عادية كالتحدث أمام الناس، التعبير عن الرأي، أن يكونوا في مركز الانتباه، الأكل في الأماكن العامة أو التحدث مع المسئولين وغيرها.
الخوف البسيط: كالخوف من المصاعد أو السلالم المتحركة، الخوف من ركوب الجسور أو الذهاب للمستشفيات أو رؤية الدم وحتى الخوف من الحقنة العلاجية.
«إذا هِبتَ أمراً فقع فيه»:
يستحضر د. طريف حديثاً للإمام علي (ع) يقول فيه: “إذا هِبتَ أمراً فقع فيه، فإن شدة توَقيه أعظم مما تخاف منه” وهذه هي السياسة التي يتبعها أغلب المعالجين النفسيين وتسمى بالعلاج السلوكي أي أن يواجه المريض مخاوفه لكي يستطيع التخلص منها بدلاً من مواصلة الخوف منها لئلا تسيطر عليه.
ويشير د. طريف إلى أن نسبة المراجعين المصابين بمرض الفوبيا في العالم هم 3 % فقط، بينما هناك نسبة كبيرة تشكو من الفوبيا ولكنها لا تملك الوعي بأهمية مراجعة الطبيب النفسي باعتقادهم أن لا فائدة من العلاج، أو أنهم لا يعترفون أصلاً بإصابتهم بهذا النوع من المرض، كما أن بعض أنواع الفوبيا قد لا تستدعي العلاج لندرة مواجهة المريض لها.
أحياناً يتطلب العلاج جلسات سلوكية عقلية عن طريق معرفة تاريخ المريض ووضع برنامج علاجي خاص به، مثلاً كأن تتم معالجة شخص يخاف من الارتفاعات يعمل في مؤسسة في الطابق العاشر تدريجياً عن طريقة مواجهته خوفه بالصعود في المصعد للطابق الأول مع مرافق بدايةً، بعدها محاولة الصعود معه إلى الطابق الثالث ثم تعويده على الصعود لوحده لطابق واحد ثم التدرج في الجلسات حتى يتمكن من صعود المصعد حتى الطابق العاشر لوحده.
ويضيف إلى أن العلاج يتطلب أحياناً إعطاء المريض بعض المهدئات لكي يتمكن من مواجهة الخوف، ذلك أن بعض المرضى يعلمون في عقلهم الباطن أن الخوف الذي يشعرون به غير مبرر، وأن السبب الذي يخافون منه هو شيء تافه لا يستحق الخوف، ولكن الحالة الفسيولوجية التي تمر بها أجسامهم أثناء مواجهة الخوف تتغلب على عقلهم الباطن، فدقات القلب المتزايدة والتعرق أسرع من التفكير في عدم الخوف والمواجهة.
العدد 5134 - الإثنين 26 سبتمبر 2016م الموافق 24 ذي الحجة 1437هـ