أيام قليلة تفصلنا عن بدء موسم عاشوراء، الذكرى التي نشهد فيها مشاركة واسعة من كل الشرائح الاجتماعية بقلوب والهة، ونفوس خاشعة، وعاطفة جيّاشة وحماس، واندفاع كبيرين، ومن دون شكّ فإن الحفاظ على نقاء وروحانية وانضباط هذه الشعائر والخروج بها بالمظهر اللائق هي مسئولية المشاركين فيها أوّلاً وليس أخيراً.
وعندما نقول إنها مسئولية الجميع؛ فإننا نقصد بذلك كلاً من إدارات المآتم الحسينية والخطباء والشعراء والمُنشدين وكل الشرائح الاجتماعية المشاركة في إحياء هذه المناسبة؛ فعليهم واجب الحفاظ على روح الانضباط، والمسئولية، والالتزام الكامل بالمبادئ التي خرج من أجلها الإمام الحسين (ع) واستشهد في سبيل تحقيقها؛ هذه المبادئ التي تضع مصلحة المجتمع فوق كل الاعتبارات الضيقة، ورهان المصالح الشخصية والفئوية، والانتصار بالتالي لقيم العدالة الإنسانية، ومحاربة الدجل والتجهيل وصناعة الخرافة.
ومعلومٌ أن هذه الشعائر يشارك فيها عشرات الآلاف من كل الشرائح الاجتماعية، وتستقطب اهتمام المقيمين والوافدين وحتى السيّاح، خصوصاً في الفعّاليات المركزيّة التي تحييها حشود ضخمة؛ فالعاصمة المنامة تغصّ بنحو 200 ألف للمشاركة بمواكب العزاء، فيما يبلغ عدد المشاركين في منطقة الدّيه 120 ألف، ويزيد العدد قليلاً في منطقة إسكان عالي ليصل إلى 150 ألف مشارك، وهذه الأعداد لا شك تتطلب استعدادات خدمية كبيرة.
ويقتضي الواجب أن نشيد بالدور الكبير لوزارة الداخلية، وخصوصاً الإدارة العامة للمرور، وإدارة شرطة خدمة المجتمع، ومديريات الشرطة الثلاث، وكذلك البلديات في محافظات العاصمة والشمالية والمحرق، وفرق العمل في إدارة الأوقاف الجعفرية، ووزارة الصحة، هذه الجهات التي تقوم بدور كبير وفاعل من أجل نجاح موسم عاشوراء وتقديم كل التسهيلات اللازمة للمشاركين في هذه الشعائر.
في المقابل، فإن هناك مسئولية جسيمة أيضاً على عاتق المواطنين المشاركين والقائمين على هذه الشعائر المقدّسة، وذلك باعتماد خطاب ديني ملتزم بالروح الوطنية والإنسانية الجامعة، ونبذ كل فكرة أو لغة أو خطاب يُحرض على زرع الشقاق، وإثارة الفتنة والاستهانة بمقدسات الآخرين، أو تسييس الشعائر وحرفها عن مسارها الصحيح وأهدافها السليمة، وبالتالي تعريض سلامة المشاركين وأمنهم إلى مخاطر لا تُحمد عاقبتها.
موسم عاشوراء أمانة في أعناقنا جميعاً، ونجاحه وإظهاره بالمظهر اللائق انتصار لقضية الإمام الحسين وإعلان لديمومة رسالته، وهي مسئولية ورثناها عن الآباء والأجداد؛ فلنكن حريصين على توريثها للأبناء والأحفاد بأكمل وأتمّ صورة.
مخطئٌ ومسيءٌ ومغرضٌ من يظن أن موسم عاشوراء هو موسم للاستعراض الأبله للقوّة، مخطئٌ أيضاً من يعتقد أن نشر الأعلام واليافطات السُود في الشوارع الرئيسية العامة خارج القرى والمناطق واستفزاز الآخرين بمنطق المغالبة هو انتصارٌ للإمام الحسين ولرسالته الخالدة. ينبغي ألا نجعل من الحسين عنواناً للاستفزاز، وقضية للمناكفة والبغضاء والاختلاف.
مخطئٌ أيضاً من يظن أن ارتفاع أصوات المكبرات في المناطق المشتركة هو دليل على الحضور الكبير لقضية الإمام الحسين في وجدان المجتمع؛ بل قد يكون دليلاً على غياب كبير لمظلوميّة تتكرس بأفعال غير منضبطة وسلوك غير سليم.
الخطيب الذي يرقى المنبر ويُصغي إليه عشرات وربما مئات المستمعين عليه مسئولية مضاعفة أمام نمط جديد من المستمعين، جيل متعلم في مجتمع مفتوح أمام رياح العالم وجهات الدنيا، وعقول غضّة نعم، لكنها عقول تعرف الكثير، وتطمع في الاستفادة من مواضيع تخدمها وتثري عقلها، مواضيع تلامس واقعها وتحاكي همومها، مواضيع تبتعد عن الطرح السطحي أو الخرافي الذي يساهم بشكل أو بآخر بإضعاف قضية الإمام الحسين وتحريفها عبر تحويلها إلى مجرد طقوس فارغة المحتوى، عديمة الأثر وغارقة في بحر من الأساطير والماورائيات وغرائب الأحلام.
إن قضية الإمام الحسين التي جذبت أنظار المفكرين، واستأثرت باهتمام الباحثين في شرق الأرض ومغربها من مختلف الأديان والمذاهب والأعراق أكبر وأثمن من تتحول إلى مناسبة لصناعة الخرافة وتسطيح عقول الناس، وهذه مسئولية يشترك الجميع فيها من أجل إحياء عاشورائي يبني ولا يهدم، ويقوّي ولا يُضعف، يوحّد ولا يفرق.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 5134 - الإثنين 26 سبتمبر 2016م الموافق 24 ذي الحجة 1437هـ
السلبيات
حبذا حصر السلبيات ومعالجتها بما يناسب الحدث
احسنت حبيبي استاذ وسام السبع! مشكور! شكرا جزيلا ومقال ثمين رائع!
من حق اخواني الشيعه ممارسة شعائرهم و لكن من حقي انا كذلك ان لا يتم إزعاجي بمكبرات الأصوات فحرية الإنساني تنتهي عند حرية الآخرين
شعارنا الى الابد هيهات منه الذلة وشعار الثانى لن نركع اله لله وسنواصل دربنا مثل الحسين عليه السلام
ولا راح نتنازل عن حقوقنا ومن حقنا المطالب المشروعة السلام على الحسين وعلى اولاد الحسين واصحاب الحسين اللهم وفقنا لزيارته فى الدنيا وشفاعته فى الاخره يارب
وماذا عن شعار (إني أحامي أبدا عن ديني) الذي طرحه العلماء هذا العام دفاعا عن الدين والمذهب ورأس الطائفة.. أله حيز في موسم هذا العام؟!
أم أننا نريد أن نحول الموسم إلى فلوكلور شعبي يتلخص في مواكب منظمة وشوارع نظيفة تجذب السياح وتمتدح؟!
اصرارنا على الشعائر بمظهر حضاري يعكس التزامنا بالدين والذي يحث على النظافة (النظافة من الايمان)، فما فائدة حضور المآتم والمواكب ونحن نقوم بما لا يجوز مثل رمي المخلفات في غير اماكنها ، الوقوف الخاطئ وسد منافذ الخروج على السيارات وغيرها من الاخطاء والتصرفات التي لا تليق بمن يتبع الامام الحسين واهل البيت
وماذا عن أهداف ثورة الإمام الحسين (ع) التي وجدت من أجلها هذه الشعائر والمآتم والمواكب
اتفق ويه المقال بالمجمل بس عندي سؤال واحد وينه دور الأوقاف في احياء عاشوراء !!!!!
شكرا لك
فرق العمل بادارة الاوقاف لها دور كبير في التواصل مع الجهات المختصة الاشغال والكهرباء والبلديات لاصلاح وصيانة المرافق العامة والطرقات
مقال جميل
لك الشكر ايها الاستاذ الفاضل على كل مقالاتك المفيدة
مرورك هو الاجمل
الخطباء
95% من الخطباء يحتاحون لأعادة تأهيل فهم اصلا يختاجون لتعليم قبل أن يقوموا بدور المعلم وعليهم الابتعاد عن المبالغات والاقتصار على المعاجز والاعتماد على النعي هروبا من المسؤولية فكلما تنتقدهم لعدم تركيزهم على المواضيع يجيبك بأني ناعي فقط .. اتمنى من خطبائنا ان يطلعوا على تجارب ناجخة في مجال الخطابة كالشيخ فوزي آل سيف او الشيخ حسن الصفار والسيد منير الخباز.
اشكر استاد العزيز على دلك المقال المتميز (جعفر الخابوري
ارتقاء المنبر الحسيني مسؤولية كبيرة لا يعيها الا القليل من الخطباء والقليل من المستمعين . وقت الناس ثمين ويجب ان يستثمر افضل استثمار في توعية الناس من أقرب نقطة لهم الى آخر نقطة في حياتهم. يجب ان تكون هناك برامج مجدولة:
1-التوعية السلوكية بخصوص التعامل مع المواقف العامة والتعاون في تنظيم مواقف السيارات والتوسعة للمارّة وذلك قبل دخول المأتم
2-التعامل مع نظافة الطرق والمحافظة عليها وجمع القمامة في اماكنها المخصّصة.
3-الموضوع الأهم وهو كيفية ادارة الخلافات والاختلاف في وجهات النظر وغيرها
تعليق متميز واضافة مهمة تتماشى تماما مع فكرة المقال
شكرا لك ولما كتبت
أحسنتم أستاذ وسام ومأجورين وحبذا لو تفضلتم بتسليط الضوء على الهدر والاسراف في الطعام لأنه مخطئ من يظن أن حب الحسين في كثرة الطعام والشراب .
مقال لطيف إيجابي الله يوفقكم
كلام سليم زائر 3 ..كل 5 امتار مضيف ..حتى اللقيمات والطعميه يقلونها في المضيف ..بالله عليكم هاذي حاله .. إسراف بشكل مبالغ فيه وإهدار للنعمه .. ارجو من الجميع إحياء واقعة الطف بما يليق ..
مقال رائع يعطيك العافية أستاذ وسام