لاقت ضربة 11 سبتمبر/ ايلول 2001 «الارتياح» غير المعلن من مؤسسات التصنيع العسكري في الولايات المتحدة. فالضربة اعطت تلك المؤسسات قوة اضافية وعززت من مواقع «اللوبي الحربي» في الكونغرس الاميركي بعد انكماش دورها عقب انهيار الاتحاد السوفياتي بسبب زوال المبرر القانوني لنزعة سباق التسلح الذي خيّم على «الحرب الباردة» بين المعسكرين. وتوقع المراقبون في العواصم الاوروبية ان ترتفع موازنة الدفاع الاميركية إلى ارقام قياسية جديدة. ويرجح ان يصل الانفاق العسكري في العام 2005 إلى 400 مليار دولار سنويا.
وبسبب الاهانة التي لقيها «الجبار» الاميركي اندفع الرئيس جورج بوش إلى تغذية عناصر القوة بخطاب ايديولوجي متطرف، فقام بصوغ نظرية أمنية هجومية عززت جشع المؤسسات وطموحها إلى التعويض عن فترة الرئيس السابق بيل كلينتون (8 سنوات من الحكم) وميله الدائم إلى خفض الانفاق العسكري لمصلحة القضايا الصحية والاجتماعية.
إلى ذلك قام بوش بإلغاء معاهدة خفض التسلح النووي بتفاهم ودي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستفيدا من الفضاءات الثأرية في الشارع الاميركي التي اعقبت ضربة 11 سبتمبر. وبعد إلغاء المعاهدة مع موسكو تقدم بوش بخطوة هجومية جديدة فأطلق في سياق انتقال واشنطن إلى صيغة الهجوم الاستراتيجي مشروع «الدرع الصاروخية» الذي تبلغ كلفته 200 مليار دولار. ثم تقدم خطوة ثالثة فانتزع موافقة الكونغرس على تكليف شركة «لوكهيد مارتن» لانتاج طائرات «جونيت سترايك» الحربية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويتوقع ان تحل مكان طائرات ستلث (الشبح) المستخدمة الآن في سلاح الجو.
ويقال ان شركة «لوكهيد» دفعت رشاوى لنواب الكونغرس بلغت 9,8 ملايين دولار لتمرير اكبر صفقة في تاريخ الولايات المتحدة.
اذا اسهمت ضربة 11 سبتمبر في اعادة الاعتبار إلى مؤسسات التصنيع العسكري وقلبت الخيارات الاستراتيجية الاميركية ودفعت واشنطن إلى تعديل نظرية الامن من الدفاع إلى الهجوم وشجعت المستثمرين على نقل اموالهم من قطاعات تكنولوجيا المعلومات والانترنت إلى تكنولوجيا الدفاع والحروب فانهارت اسهم القطاعات المدنية وارتفعت اسهم مؤسسات التصنيع العسكري بنسبة فاقت 30 في المئة في اقل من سنة.
والسؤال: إلى اي حد ستبقى الولايات المتحدة تستثمر في قطاعات ادوات الحرب في وقت تمر دول جنوب العالم في ازمة اقتصادية طالت الكثير من الجهات الآسيوية والافريقية واللاتينية؟
للاجابة لابد من عقد مقارنة سريعة لقراءة الفارق النوعي الذي بات يفرق بين الولايات المتحدة ومنافستها التقليدية روسيا (الاتحاد السوفياتي سابقا).
في العام 2000 (قبل ضربة 11 سبتمبر بسنة) انفق العالم مبلغ 757 مليار دولار على البرامج العسكرية، بلغت حصة الولايات المتحدة منها 37 في المئة (تعداد الجيش الاميركي مليون و400 ألف جندي). بينما لم تتجاوز الموازنة الروسية 7,5 مليارات دولار وهي تأتي في المرتبة العاشرة من موازنات جيوش العالم.
هذا الفارق النوعي بين اميركا وروسيا اسهم في زيادة الخلل في موازين القوى الدولية وشجع صقور البيت الابيض على الاندفاع وراء النزعة الأمنية الجديدة للرئيس بوش. وهي نزعة تهدد مصالح الدول العربية والاسلامية وتضعف فكرة التنافس الدولي. فالدول الأوروبية وضعت في موقف حرج لا تستطيع الخروج منه قبل اتضاح الصورة النهائية لتداعيات ضربة سبتمبر داخليا وخارجيا.
ففي الداخل الاميركي تراجع دور المؤسسة المدنية والصناعات التقنية المستخدمة في القطاعات الانتاجية. وفي الخارج تراجعت القدرات العسكرية الاوروبية وتأخرت امكانات مؤسساتها لاستكمال تنافسها مع الشركات الاميركية واللحاق بالاخيرة في سباق تطوير الصناعات الدفاعية.
ضربة سبتمبر سقطت «نعمة» على المؤسسات العسكرية الاميركية وجاءت «نقمة» على الشركات المدنية والدول الاوروبية... وبالتأكيد على الدول العربية والاسلامية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 5 - الثلثاء 10 سبتمبر 2002م الموافق 03 رجب 1423هـ