يتوجب على الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي عقب فترة النمو، التركيز على القدرات في حال رغبتها بالحفاظ على مزاياها التنافسية.
وستواجه هذه الشركات خطر الوقوع في "فخ النمو" بحال عدم قيامها بذلك.
فوفقاً لدراسة حديثة أجرتها "ستراتيجي &" المعروفة سابقاً باسم "بوز أند كومباني"، يطلق مصطلح " فخ النمو" في حالات نمو الشركات بشكل سريع من خلال الاستفادة من ظروف السوق الخارجية المؤاتية، ولكنها سرعان ما تواجه مشاكل في الحفاظ على نموها بسبب غياب القدرات الداخلية للشركات.
ولتفادي فخ النمو، ينبغي على الشركات في دول الخيج تطوير قدرات كبيرة، سواء من خلال التنمية الداخلية، أو عمليات الاندماج والاستحواذ أو الشراكات.
تركز العديد من الشركات في الأسواق الناشئة في خضم سعيها للنمو ، بما في ذلك بعض في دول الخليج، على نمو الأرباح والمبيعات في المقام الأول، أو المزايا النسبية التي تقدمها لها تلك الدول، وتتجاهل بناء أسس النجاح المستقبلي. فبدايةً تستفيد من كونها "المحرك الأول" في الأسواق المحلية ولكن سرعان ما يتطلب منها الأمر اللحاق بركب الشركات متعددة الجنسيات الأكثر خبرة في الصناعات العالمية، وبالتالي الوقوع في "فخ النمو". أسست هذه الشركات متعددة الجنسيات على سبيل المثال علامات تجارية، وتكنولوجيا متقدمة، ونجحت بالوصول إلى الأسواق المالية وأسواق العمل بكفاءة، وبنت مجموعة من القدرات الراسخة التي تطورت على مر الزمن.
يقول بير أولا كارلسون، شريك في "ستراتيجي&" منوهاً بأهمية تجنب فخ النمو: "لتفادي فخ النمو، تحتاج الشركات في دول الخليج إلى تطوير قدرات قوية من خلال التنمية الداخلية، أوعمليات الدمج والاستحواذ، أو الشراكات. ولكل أسلوب مزايا وعيوب وتنازلات محتملة. اتبعت بعض الشركات في دول الخليج لا سيما التي نجحت في مسعاها هذا، نهجاً مدروساُ وتدريجي للانتقال من القدرات الأساسية إلى أخرى أكثر تطوراً وتعكس ممارسات تنافسية ذات طراز عالمي".
يتعين على الشركات في دول الخليج التأكد خلال عملية بناء قدراتها عن طريق عمليات الدمج والاستحواذ، منأن هناك تناسب في القدرات بين الشركة المستحوذة والشركة الهدف. كشف تقييم لأكبر 75 عملية استحواذ قامت بها شركات خليجية بين عامي 2009 و 2014، أن ثلث عمليات الاستحواذ شهدت تراجعاً بالأداء إلى ما دون مستوى السوق مما أدى إلى خسائر للمساهمين. وكشف نفس التقييم أن أداء عمليات الاستحواذ المدفوعة بالقدرات (تعزيز أو استغلال قدرات الشركة المُستحوِذة) كان أفضل بكثير من الصفقات ذات تناسب محدود في القدرات (عندما يتجاهل المستحوذ تطوير أو تطبيق قدرات الشركة المستحوذة بشكل أساسي ). كان إجمالي عوائد المساهمين خلال عامين من عمليات الاستحواذ أعلى بنسبة 13.9٪ من متوسط عائدات السوق المحلية في الصفقات المدفوعة بالقدرات، مقابل 9.4٪ أقل من مستوى السوق في الصفقات التي تجاهلت عامل القدرات.
وتعقيباً على أهمية اعتماد الشركات الخليجية لاستراتيجية مدفوعة بالقدرات، قالت راوية عبد الصمد، مديرة مركز الفكر في "ستراتيجي&" الرائد في الأبحاث بمنطقة الشرق الأوسط: "تعتمد الشركات الناجحة أربع مراحل لتطوير قدراتها بشكل تراكمي مع مرور الوقت. تتمثل المرحلة الأولى بتعزيز الشركة لعملياتها الأساسية ومن ثم تتطور إلى أن تكتسب قدرات ابتكارية ذات طراز عالمي. تقوم هذه الشركات أولا بتحديد الفرص المتاحة لتطوير قدراتها الأساسية، ثم بناء قوتها عن طريق تحسين نماذج العمل الخاصة بها، ورفع مستواها من خلال عمليات الاستحواذ، وأخيرا تتوسع وتدخل الأسواق العالمية. وتتيح كل مرحلة إمكانية تطوير قدرات الشركة تدريجياً بالاعتماد على النجاحات السابقة ".
مع انتقال الشركات من مرحلة إلى أخرى، لن تجد فقط أن الميزات التنافسية متغيرة. ولكنها ستواجه أيضاً فخ النمو وهوالأمر الذي يتوجب عليها تفاديه. لذا من الضروري أن تمتلك الشركات الخليجية القدرة على تطوير أنظمة قدرات متكاملة ومتميزة، مصممة لفترات طويلة المدى ومستدامة، وبذلك تستطيع المنافسة على مستويات أداء عالمية.
يسلط جون جيلنس، قيادي فكر في "ستراتيجي&" الضوء على حاجة الشركات الخليجية لتصبح مدفوعة بالقدرات بشكل أكبر: "لتتجنب الشركات الخليجية الوقوع في فخ النمو وتنجح بالوصول إلى العالمية، يتوجب عليها بناء القدرات والموارد التنظيمية الضرورية لمنافسة الشركات العالمية. وبإمكانها صرف الوقت والجهد اللازمين للقيام بذلك داخلياً، أو أن تقوم بمواصلة جهودها لقنص فرص الاستحواذ والشراكة لاكتساب القدرات والموارد بسرعة أكبر. ومع ذلك، يجب أن تكون عملية الدمج والاستحواء بمثابة قدرة تنظيمية بحد ذاتها، إذا ما كانت الشركة ترغب بالاستفادة من القدرات المكتسبة بشكل فعال ".
وبما أن الكثير من الشركات في دول الخليج مرتبطة بالدولة ، يقع على عاتق الحكومات مسئولية مساعدتهم ليتمكنوا من المنافسة عالميا. حيث تستثمر حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بنسب متفاوتة في 78 من أكبر 100 شركة مدرجة في البورصة، وبالتالي بإمكانها دعم عملية بناء قدرات تلك الشركات. ويتعين على قادة الحكومات التأكد من سلامة ممارسات الحوكمة بتلك الشركات، ومساعدتها على تحقيق أهدافها. وفي المقابل ستجني هذه الدول فوائد اقتصادية نتيجة تحسن الأداء.
إذا ما استطاعت الشركات في دول الخليج اعتماد استراتيجيات مدفوعة بالقدرات لتفادي الوقوع في فخ النمو، ستنجح الشركات الناشئة ذات المستوى العالمي في دول مجلس التعاون الخليجي – والتي تعود ملكيتها للدولة أوالقطاع الخاص على حد سواء – في تسريع جهود التنويع والتحول الاقتصادي في بلدانهم، من خلال خلق فرص عمل واستثمارات جديدة في المجتمعات المحلية. وبذلك ستلعب دوراً هاما في التنمية الاقتصادية في المنطقة.