في تقرير نشرته صحيفة «الوسط» في منتصف شهر سبتمبر/ أيلول الجاري بعنوان «الأميركيون من أصل إفريقي يربحون معركة إقامة متحف لتاريخهم وثقافتهم»، جاء فيه إنه بعد سنوات من مطالبة الأميركيين من أصل إفريقي بالسماح لهم بتأسيس متحف لتاريخهم الوطني، وافق الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بإقامة المتحف في العام 2003، وتكفل الكونغرس بسداد نصف المبلغ اللازم لبنائه، وقيمته 500 مليون دولار. المتحف الآن قارب على الانتهاء، ليكون شاهدا على حقبة تاريخية مهمة في تاريخ الأميركيين الأفارقة، وهي حقبة قائمة على التمييز والدم. هذا الإجراء قسم الشارع الأميركي إلى مؤيد ومعارض، فالبيض يرونه مدعاة إلى التمييز بتخصيص متحف لكل جماعة بدل الذوبان داخل المجتمع كالكتلة واحدة، لكن الطرف الآخر يرى العكس، وهذا ما يؤكده مدير المتحف لوني بانتش بقوله «سنصل إلى الحقيقة والمصالحة ومعالجة قضايا لطالما قسمتنا لعقود. وحانت الفرصة لفهم تاريخ الأميركيين الأفارقة الثري، فضلاً عن كونها فرصة للأميركيين الأفارقة أنفسهم للتغلب على ماضٍ مؤلم».
هذا الأمر يقودنا إلى قضية أثارت إشكاليات وتحديات عدة وهي: المواطنة وتعدد الهويات والثقافات، فالهوية والتي جاءت كما يشاع من «الهو هو» وهو لفظ مركب من تكرار الضمير وتعني اتحاد الذات، ويقصد بها السمات المجتمعة في الشخص والتي تمثل هويته، ومكنونه الذاتي، وفقا لما يشير إليها ارسطو بأنها «وحدة الكائن، أو أن الشيء الواحد متطابق مع نفسه». فالهوية وعاء للضمير الجمعي لكتلة بشرية معينة، لا تكتمل إلا بوجود الآخر المتمثل في الضد، والذي يشاركه وحدة الأرض والانتماء ضمن عقد اجتماعي متأطر بحقوق وواجبات. الاختلاف تنوّع موجود على الأرض، وبدل أن يكون محل إثراء للأمة لكونه اختلافا، فإنها أصبحت تعبيرا عن حالة أزمة يعيشها المجتمع، فهناك من يرى أن الانفجار العالمي للهويات أدى إلى ازدياد الاحتقان الديني، ومنها تزايد النزاع الطائفي مما يجعل إعادة الهوية على أساس المواطنة من الجهود الأكثر صعوبة، هذا الأمر دفع بالكاتب اللبناني المعروف أمين معلوف بتسمية الظاهرة بـ»الهوية القاتلة».
هناك حقيقة اجتماعية واضحة أن كل المجتمعات الانسانية لا تخلو من التعددات المتنوعة، فلو اشتركت في الدين فإنها ربما تختلف في العرق أو العكس، لذا فمن الصعب أن تجدها متشابهة في كل شيء، وهذا ما يترك تحديا واضحا في درجة القبول لدى الأطراف المختلفة وإدارة هذه التعدديات. لذا نجد اتجاهين في الأوطان ذات التعدديات بشأن الوحدة الوطنية؛ فالاتجاه الأول يرى أن تنوع الهويات والثقافات يضعف الوحدة الوطنية، لذا لابد من جبرها كلها وإخضاعها لهوية وثقافة ولغة القوي، ليصبح هو الرسمي وما عداه يقهر ويندثر مع مضي الزمن، واتجاه آخر يرى أن قوة الاوطان في تنوعها وقبول الآخر والسماح له بالاحتفاظ بهويته في ظل الوطن المشترك.
هناك تجارب تاريخية كثيرة لإدارة تعدد الطوائف والجماعات العرقية والدينية داخل الدولة الواحدة، فوثيقة المدينة المنورة التي بنى عليها الرسول (ص) أسس التعايش المشترك في احتفاظ جميع ساكني المدينة على رغم اختلافهم العقائدي بهويتهم وثقافتهم على قاعدة العيش المشترك، كما يعتبر نظام الملة في الدولة العثمانية الذي صدر في 1454م في عهد السلطان محمد الفاتح، شكلا من أشكال التعايش السلمي بين الطوائف والجماعات الدينية والفرق الصوفية. وفي العصر الحديث تطالعنا سنغافورة ذات المكونات الاثنية المختلفة من حيث الجنس واللغة والعرق والعادات والتقاليد، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 4 ملايين نسمة، منهم 70 في المئة من الصينيين، و14 في المئة من المالاي، و8 في المئة من الهنود، و1 في المئة من الأوروآسيويين، والبقية من الأعراق الأخرى. فلغة التعليم لديهم قائمة على تعلم اللغة الانجليزية واللغة الأم؛ أي بحسب عرق الطالب وهويته يقوم ولي امره باختيار مدرسته التي تأخذ شكلا مستقلا في تعليم طلبتها هويتهم.
بعقلية الاستيعاب هذه تتمكن الأوطان من احتضان الجميع بتقبل هوياتهم وثقافاتهم دون اللجوء الى فرض هوية وثقافة واحدة بحجة الوحدة، فالوحدة لا تعني الخضوع بقدر ما تشير إلى التفهم والقبول بالآخر.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 5131 - الجمعة 23 سبتمبر 2016م الموافق 21 ذي الحجة 1437هـ
كل مشاكل العالم سببهو امريكا عدوة الشعوب دمرو الاوطان العربيه باسلحتهم ..فى قلبى حسرة على تدمير بلدان العربيه خصوصا اليمن وسوريا والعراق يالله الفرج
أغلب دول العالم متعددة الطوائف والأديان إو القوميات والثقافات بل تعد بالمئات والعشرات وهذا التنوع يكون إثراء للدول وهذا لايحل فيها بالمواطنة أو وحدة شعبها حتى الأحزاب السياسية تكون من هذا الخليط