قال عالم الدين السيدعبدالله الغريفي: «إن الإصلاح هو خيار الأوطان، وإنه لا يوجد وطن يرضى بالاستبداد، فالإصلاح ضرورة لابد منها، وهو خيار الأوطان، وإرادة الشعوب، وشعار الأنظمة الصالحة، وإن الإصلاح يمثل نظافة حكم، واستقامة سياسة. الإصلاح عدل، بناء، عزة، كرامة، حرية، أًمن، سلام، مساواة، وحدة، تسامح، محبة»، وأضاف أن «هناك معوقات أمام تحقيق الإصلاح، ونحن بحاجة إلى إزالتها والتوافق على خرائط طريق لتحقيق الإصلاح الذي يحفظ الوطن»، جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها مساء الخميس (22 سبتمبر/ أيلول 2016) في مسجد الإمام الصادق بالقفول.
وفي معرض حديثه عن عهد الإمام علي (ع) إلى محمد بن أبي بكر حينما ولاه مصر، أشار إلى ما يمثله ذلك العهد من منهج «لكل من يتصدى للسلطة، والزعامة، والقيادة، والمسئولية، عندما قال: (فاخفض لهم جناحك)، أي للرعية، أو للشعب، أو للمواطنين. في هذا التعبير استعارة جميلة، ألا ترون إلى الطائر حينما يمد جناحيه، ويخفضهما؛ ليجمع فراخه تحتهما بكل شفقة، ورحمة، وحنان؟ هكذا يجب على (الوالي/ الحاكم/ المسئول) أن يحتضن (الرعية / الشعب) احتضان رحمة، وشفقة، وحنان. فخفض الجناح كناية عن التواضع المقترن بالرحمة، والشفقة، كما في قوله تعالى: «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين»، (سورة: 215)، وقوله تعالى: «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً»، (الإسراء: 24). تصوروا (والياً/ حاكماً/ مسئولاً) يفتح قلبه بكل تواضع، ورحمة، وشفقة؛ ليحتضن (رعيةً/ شعباً/ مواطنين)، فكم سوف يقتحم هذا الوالي، أو الحاكم، أو المسئول قلوب رعيته، وشعبه، ومواطنيه؟! وكم سوف يذوبون فيه حباً، وانصهاراً، وانجذاباً، وانقياداً، وطاعةً؟!».
واستعرض ما قاله علي (ع) في جانب آخر، وقال: «(وألن لهم جانبك)، هذا التعبير كناية عن (الرفق في الأقوال والأفعال)، ويقابل الرفق: العنف، والغلظة، والجفاوة. فمطلوب من (الوالي/ الحاكم/ المسئول) أن يكون في أعلى درجة من (الرفق) في تعامله مع (رعيته)، أو (شعبه)، أو (مواطنيه)، وأبعد ما يكون عن (العنف، والغلظة، والجفوة). قال الله تعالى واصفاً نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك...»، (آل عمران: 159). وفي الحديث عن النبي (ص): «إن الله (عز وجل) رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، (الكافي 2/119، الشيخ الكليني). فكلما تكرست لدى (الوالي/ الحاكم) سياسة (الرفق)، واختفت سياسة (العنف) كان أقدر على التجذر لدى رعيته، وشعبه، ومواطنيه، وكان أقوى هيبةً ومكانةً، وسمواً وعلواً، وارتفاعاً، وكان أقرب إلى عواطفهم، ومشاعرهم، وضمائرهم، وولائهم، ومحبتهم، وكان أجدر بطاعتهم، وانقيادهم، وتمثلهم».
وفي توجيه ثالث للإمام علي لمحمد بن أبي بكر، قال: «(وابسط لهم وجهك). من أهم الصفات التي يجب أن يتوفر عليها كل من يتصدى لمسؤولية السلطة، والحكم، والإرادة صفة (البشاشة، والأريحية، والانفتاح)، ويقابلها صفة (العبوس، والتجهم، والانغلاق). فالصفة الأولى تمثل نموذجاً راقياً من (حسن الخلق). والصفة الثانية تمثل مثالاً سيئاً (لسوء الخلق). وفي الحديث عن النبي (ص): أول ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن خلقه، وقوله (ص): إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله. وفي المقابل نقرأ الحديث عنه (ص): «إن العبد ليبلغ من سوء خلقه أسفل درك جهنم». وعنه (ص): خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق... فما أحوج مواقع الحكم، والتصدي، والقيادة إلى درجة عاليةً جداً من (الأريحية، والانفتاح)، والابتعاد كل البعد عن (التجهم، والانغلاق)، فمن خلال ذلك يتحدد مستوى (الانفتاح، والانغلاق) لدى الرعية، والشعب، ومستوى (الحب، والكراهية)».
وعقب على توجيه رابع للإمام (ع): «(وآسِ بينهم في اللحظة، والنظرة حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم). هنا تتحدث الكلمة عن مسألة في غاية الخطورة، وهي مسئولية الحاكم أن (لا يمايز بين شعبه)، فإن التمييز القائم على أساس (الانتماء الديني، أو الطائفي، أو المذهبي)، أو على أساس (الطبقة الاجتماعية)، أو على أساس (الموقع المالي) يمثل خطراً كبيراً على وحدة الشعوب، ويدفع لإعطاء (امتيازات) لا تخدم الأوطان. نعم (الامتيازات) التي تعتمد (الكفاءات، والمؤهلات، والقدرات)، فهذه امتيازات مطلوبة، كونها تنشط (أدوات البناء، وإعمار المجتمعات) بخلاف (التمايزات) القائمة على أساس (الدين، والطائفة، والمذهب، والطبقة والجاه) فهي مدمرة وممزقة، ومؤزمة، ومصنعة للخلافات والصراعات في داخل الأوطان».
وعقب الغريفي بأن «هذه بعض كلمات من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، حينما ولاه على مصر، وهي توجيهات في غاية الأهمية، وتشكل أسساً مهمةً في بناء الأوطان، وفي إصلاحها، وحمايتها من كل التأزمات، والتوترات، والاحتقانات، وفي تجسير العلاقات بين الأنظمة والشعوب، وبين الحكام والمحكومين».
وقال الغريفي: «إن الإصلاح هو خيار الأوطان، لا يوجد وطن لا يبحث عن الإصلاح، ولا يوجد وطن يرضى بالاستبداد، فالإصلاح ضرورة لابد منها، وهو خيار الأوطان، وإرادة الشعوب، وشعار الأنظمة الصالحة».
وعن معنى الإصلاح، قال الغريفي: «الإصلاح نظافة حكم، واستقامة سياسة، الإصلاح عدل، بناء، عزة، كرامة، حرية، أًمن، سلام، مساواة، وحدة، تسامح، محبة. لا أظن أن هناك جدلاً حول هذه المسلمات».
واعتبر أن الشروط المطلوبة للدفع بمشروعات الإصلاح، تتمثل في عدة أمور، من بينها «الإيمان بمبدأ الإصلاح، فلا يمكن أن يتأسس لمشروعات الإصلاح، ما لم يتجذر الإيمان بمبدأ الإصلاح، تجذراً حقيقياً، وصادقاً، فإذا تشكل هذا التجذر أعطى دفعاً قوياً في البحث عن مكونات الإصلاح، وأدوات التفعيل، أما إذا غاب هذا المبدأ، فلن يكون البديل إلا خيارات الاستبداد بكل ما تنتجه هذه الخيارات من ظلم، وقهر، وعناء، وفساد، وهدم، ودمار، وعبث، وتأزم، واحتقان، وكراهية، وفتن، وصراعات، وخلافات، وتوترات».
وأضاف الغريفي أن ذلك يتطلب «الإرادة الجادة في إنتاج مشروعات الإصلاح، إذا غابت الإرادات الجادة، فستبقى مشروعات الإصلاح عناوين قابعةً في الأذهان، وشعارات متموضعة في الكلمات والخطابات. لكي تتحول مشروعات الإصلاح خيارات متحركةً على كل المستويات: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية يجب أن تتوفر على إرادات جادة قادرة على أن تتحمل مسئوليات الانطلاق بهذه المشروعات الإصلاحية، وأن تعطيها دفعاً، وقوةً، وفاعليةً، وحركيةً».
وشرح ما يريد الوصول إليه بالإشارة إلى ما ورد في كتاب الله عز وجل «أن نبي الله شعيب (ع) طرح هذا الشعار: «... إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت...»، (هود: 88)، فهو (عليه السلام) لا يسعى من أجل الهيمنة، والسيطرة، والتحكم، ولا من أجل الإفساد، والعبث بالمقدرات، وإنما يريد أن ينشر العدل، والأمن، والخير، وإصلاح الإنسان، والحياة. هكذا كانت إرادة الإصلاح هي منطلق هذا النبي (ع). وهكذا كانت إرادة الإصلاح هي منطلق كل الأنبياء (ع)، وكل الذين يعملون؛ من أجل نشر الخير في الأرض، ونشر الأمن في الأرض، ونشر العدل في الأرض».
وقال إن ذلك ما نجده في «في خطاب الإمام الحسين عليه السلام حينما أعلن عن نهضته المباركة جاء هذا الشعار: «... وإنما خرجت لطلب الإصلاح...». فمن أهم شروط النجاح لمشروعات الإصلاح أن تتوفر الإرادة الجادة والصادقة لدى القائمين على أنظمة السياسة والحكم، ولدى كل المسئولين عن إنجاح مشروعات الإصلاح من قوى فاعلة في الساحة، ومن جماهير شعبية كبيرة. لابد من تضافر كل هذه الإرادات، وإلا أخفقت المشروعات وتعثرت، وارتبكت. صحيح أن مستويات المسئولية متفاوتة جداً، فالأنظمة الحاكمة تتحمل المسئوليات الأكبر حينما تقارن بمسئوليات الشعوب، ومسئوليات بقية القوى الفاعلة في الأوطان، ورغم كل هذا التفاوت، فمطلوب جداً أن تتعاون كل القدرات، والإمكانات، والمسئوليات في طريق إنجاح مشروعات الإصلاح، وأي غياب له تأثيراته السلبية على حركة الإصلاح».
كما أن الصلاح، بحسب الغريفي يحتاج إلى «تهيئة الأجواء وإزاحة كل المعوقات، لكي تنطلق مشروعات الإصلاح في الأوطان يجب تهيئة الأجواء وإزاحة كل المعوقات، وإلا تجمدت أو تعثرت، أو ارتبكت تلك المشروعات، وربما تكون النوايا صادقةً كل الصدق، وربما تكون الإرادات جادةً وقادرةً على إنتاج مشروعات إصلاح حقيقية، إلا أنها تفشل، وتتعثر حينما لا تتوفر لها أجواء ملائمة، وحينما تقف في طريقها معوقات صعبة».
وذكر الغريفي أن «من ضرورات النجاح أن تُهيأ الأجواء، وأن تزاح المعوقات، وأن تعبد المسارات، حين ذاك تتمكن مشروعات الإصلاح من الحركة، والانطلاق، وأداء مهامها، وإنتاج أهدافها. وحينما نتحدث عن معوقات تواجه مشروعات الإصلاح، وتعرقل مساراتها، وتربك أهدافها».
وعن معوقات الإصلاح، قال الغريفي إن بعضها «من صنع الأنظمة الحاكمة، فهيمنة الخيارات الأمنية على أجواء الأوطان تعقد انطلاقات مشروعات الإصلاح، وتربك مساراتها، ولا تسمح للشعوب أن تتعاطى مع تلك المشروعات بكل ثقة وانفتاح، وبقدر ما تكون الأجواء الأمنية صالحةً ومهيأةً، يكون التعاطي مع مشروعات الإصلاح أقوى وأنجح، وفي هذا السياق تأتي كل المعوقات التي تتحمل أنظمة الحكم مسئولياتها، وهي من إنتاج سياساتها، وبفعل إراداتها».
كما أن المعارضة والشارع قد تتسبب بمعوقات، وفي ذلك قال الغريفي: «نتحدث عن معوقات من صنع شارع، أو قوى معارضة، فأحيانا يمارس الشارع، أو تمارس قوى الشارع أدواراً تشكل أسباب إعاقة في مواجهة حركة مشروعات الإصلاح، ربما لعدم الاقتناع بتلك المشروعات، أو لخلاف في بعض مفرداتها، أو بسبب عناد وتعصب، أو بسبب أخطاء في التشخيص، كل ذلك ينتج رفضاً أو معارضة، مما يسبب إعاقةً في حركة الإصلاح».
واعتبر أن هناك أيضاً «معوقات من صنع قوى معادية للإصلاح. نتحدث عن معوقات من صنع قوى معادية لمشروعات الإصلاح، ففي داخل الأوطان من يعمل؛ لإيقاف وإسقاط مشروعات الإصلاح، لكي يبقى الاستبداد والفساد. هذا النفر من البشر لا تتنفس مصالحهم وأهدافهم وأطماعهم إلا حينما يغيب الإصلاح، ويسود الفساد، وإذا كان العكس؛ فإنهم يخسرون مواقعهم، وتضيع مصالحهم، وتسقط أهدافهم. ولهذا فهم يصرون دائماً على وضع المعوقات في طريق الإصلاح؛ ومن أجل أن تبقى الأوضاع الفاسدة، وتبقى الأجواء القلقة، وتبقى المسارات المرتبكة، وربما لا يعلن هؤلاء حربهم ضد الإصلاح بشكل صريح وواضح، بل يثيرون الغبار في طريق الإصلاح، ويعملون على تكريس المعوقات، وفي إبقاء المؤزمات. فإذا كانت مشروعات الإصلاح تؤسس؛ لإنتاج المحبة والتسامح والتآلف، فإن هؤلاء - أعداء الإصلاح - يسعون دائماً لتكريس خطاب الكراهية، والتعصب، والطائفية، وخطاب الفتن، والصراعات، والخلافات».
وقال الغريفي: «إن قوى التعطيل لمشرعات الإصلاح في الأوطان تتموقع في مساحات متعددة، فربما تموقعت في مساحات محسوبة على أنظمة الحكم، وربما تموقعت في مساحات محسوبة على الشعوب، أو محسوبة على قوى المعارضة».
وطالب الغريفي بـ «التوافق بين الأنظمة والشعوب، لكي تكون مشروعات الإصلاح ناجحةً وقادرةً على الحركة والبقاء والاستمرار يجب أن تمتلك توافقاً بين الأنظمة والشعوب».
كما طالب بـ «التوافق على مكونات المشروعات الإصلاحية»، معتبراً أنه «إذا وجد الاختلاف في هذه المكونات أدى ذلك إلى تعطل مشروعات الإصلاح، فلابد من إيجاد صيغ اتفاقية بين الأنظمة والشعوب، من أجل إنجاز مهمات الإصلاح والتغيير، فإن أي صيغة للإصلاح لا تملك توافقاً لن تكون قادرةً على النجاح».
وطالب أيضاً بـ «التوافق على خرائط طريق لإنجاز الإصلاح، ربما اتفقت الأنظمة والشعوب على ضرورة الإصلاح، وعلى ضرورة العمل؛ من أجل إنجاز هذا الإصلاح، ولكن قد يقع الاختلاف في خرائط الطريق، مما ينتج تعطلاً، أو ارتباكاً في مسارات الإصلاح. حينما تغيب خرائط الطريق، أو حينما تتنافى هذه خرائط، فإنه لا شك تتعدد القناعات، وربما تناقضت، فيبقى الإصلاح عنواناً غائباً، أو تائهاً، أو مرتبكاً. فمطلوب من أجل إنجاز مشروعات الإصلاح أن يتم الاتفاق على خرائط الطريق، بما ترسمه هذه الخرائط من خطوات واضحة، ومراحل محددة، ورؤى صريحة، ومسارات ثابتة».
وشرح الغريفي وجهة نظره قائلاً: «إذاً حينما يغيب التوافق بين الأنظمة والشعوب على مستوى مكونات الإصلاح، وعلى مستوى مساراته وخطواته، فلا إشكال أن التعطل والتعثر والفشل هو مصير هذا الإصلاح، وربما لا تكون له ولادة أساساً، فلا يولد مشروع الإصلاح من رحم التناقضات، والصراعات، والخلافات. من هنا تكون الحاجة ملحةً جداً إلى حوارات جادة وصادقة؛ لمعالجة كل الخلاقات، فيما هي مكونات الإصلاح، وفيما هي مراحل حركته، وفيما خرائط تنفيذه، وكلما غابت لغة التفاهم كان البديل عنها لغة التخاصم، مما يعطل خيارات الإصلاح، والبناء، والتغيير، ويكرس خيارات الاستبداد، والعبث، والفساد».
العدد 5131 - الجمعة 23 سبتمبر 2016م الموافق 21 ذي الحجة 1437هـ