العدد 4 - الإثنين 09 سبتمبر 2002م الموافق 02 رجب 1423هـ

معارضة شرودر للحرب ضد العراق جاءت لمصلحته

فرص احتفاظ المستشار الألماني تحسنت

صالح بشير comments [at] alwasatnews.com

.

أمل المستشار الألماني غيرهارد شرودر في الاحتفاظ بمنصبه، على رأس حكومة بلاده، يبدو في المتناول. فهو، مع اقتراب موعد الانتخابات في نهاية الشهرالجاري، ما انفك يتدارك الفجوة التي كانت تفصله عن منافسه المسيحي الديمقراطي إدموند ستويبر، على ما تدل مجمل استقصاءات الرأي التي أجريت خلال الاسابيع الاخيرة. بطبيعة الحال، ليس في ذلك ما من شأنه أن يشي بأن فوز المستشار الاشتراكي الديمقراطي بات مضمونا، إذ ان نوايا الناخبين الألمان يتعذر سبرها والتحقق من وجهتها، قبل حلول يوم الاقتراع، والرأي العام يبدو متقلبا لا يستقر على حال، ونسبة كبيرة منه لم تحسم أمرها في شأن المرشح الذي ستمنحه ثقتها وأصواتها.

غير أن ذلك لا يلغي ان انقلابا قد حصل لصالح المستشار شرودر وأن حظوظ هذا الأخير أضحت كبيرة، بعد أن كانت هزيمته تبدو، في نظر غالبية المراقبين، في حكم اليقين، في ضوء سابقات اقتراعية كثيرة على صعيد القارة الاروبية، من إيطاليا قبل أكثر من سنة إلى هولندا وفرنسا قبل أشهر قليلة، تضافرت وتتالت لتوحي بأن أوروبا الغربية بصدد الانتقال إلى حكم اليمين.

المستشار الألماني قد ينجح في كسر حتمية قانون «لعبة الدومينو» هذه التي يتوهمها المحللون، وهو إن فعل سيكون مدينا في ذلك إلى عوامل عدة، من بينها مواصفاته الكاريزمية، قياسا إلى منافسه اليميني، ستويبر، الذي يلوح باهتا مترددا متلعثما، علما بأنه لم يسبق لحملة انتخابات ألمانية أن تشخصنت كما حصل مع تلك الجارية حاليا، كما أن شرودر قد استعاد حظوته لدى الرأي العام لطريقته في إدارة الوضع الناجم عن الفيضانات الأخيرة التي شهدتها ألمانيا ولما أبداه من حزم ولما اتخذه من إجراءات لمواجهة تلك الكارثة التي ألمت بالبلاد.

غير ان أهم ما قد يلعب لصالح المستشار الألماني في الانتخابات المقبلة هو موقفه المعارض للحرب التي تزمعها الولايات المتحدة ضد العراق، وهو الموقف الذي يجد صدى كبيرا لدى الجمهور، بل ويبدو لصيقا بمشاعره ومعبرا عنه، حتى أنه قد لايكون من قبيل المبالغة القول إذا ما قيض لشرودر الفوز في الاقتراع المقبل، فإن الفضل في ذلك، أو الكثير منه، ربما عاد إلى موقفه المناهض للإدارة الأميركية.

قد يعدّ البعض ذلك توظيفا ذكيا من قبل المستشار الألماني لمشاعر الرأي العام في بلاده حيال مسألة الحرب على العراق لصالح حملته الانتخابية، وقد يكون في الامر ذاك نصيب من الصحة. لكن موقف المستشار الألماني من هذا الموضوع يبدو أنه يتخطى بكثير مجرد التوظيف الانتخابي الآني، ليشكل ما قد يكون إرهاصا بإعادة رسم موازين القوة إن على صعيد العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وإن على صعيد توزيع النفوذ في إطار هذا الأخير. وإذا كان صحيحا بأن الاختلافات، بل الخلافات، ليست بالامر المستجد في العلاقات بين الضفتين الاوروبية والاميركية من المحيط الاطلسي، وبأنها متعددة الأوجه، اقتصادية واستراتيجية ودبلوماسية، إلا أن الأمر يبدو هذه المرة مختلفا. ففي ما مضى. مع الخلاف على الحرب ضد العراق (وكذلك على المحكمة الجنائية الدولية التي لا تريدها واشنطن وتصر عليها أوروبا) دخلت العلاقة بين الطرفين الأطلسيين طورا جديدا وغير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ ان الاعتراض الاوروبي اتسم هذه المرة باصرار بالغ وغير معهود، في حين أن ألمانيا هي التي تزعمته ورفعت لواءه، وذلك أيضا ما يمثل أمرا غير معهود.

سابقة ألمانية في الشأن الدولي

لم يسبق لألمانيا، منذ هزيمة النازية، أن صرحت برأيها في شأن دولي على مافعلت خلال هذا الجدل حول الحرب ضد العراق أو أن عبرت عن استقلالية موقفها بهذا القدر من القوة. فهي لم تكن أكثر من قوة اقتصادية، صحيح أنها بين الاكبر وزنا بين بلدان القارة وفي العالم، ولكنها، شأنها في ذلك شأن اليابان، لا تكاد تتدخل في شئون الكرة الأرضية إلا بإمكاناتها المالية، تمويلا ودعما، وفي حدود ما تسمح لها به الولايات المتحدة.

أو هي كانت تلجأ، في بعض الحالات، إلى استعارة «حناجر» الآخرين للتعبير عن تمايزها السياسي، وإذا كانت المجموعة الاوروبية، كسوق مشتركة ثم كاتحاد أوروبي، كثيرا ما استندت إلى الثنائي الألماني - الفرنسي، فذلك لأن بون مثلت الثقل أو الركيزة الاقتصادية لذلك الكيان الاقليمي، في حين تمثل إسهام باريس، إلى حد كبير، في نبرة الاستقلالية حيال الولايات المتحدة، وإن كانت تلك النبرة أقرب إلى الطقوس الموروثة عن الجنرال شارل ديغول، والتي لم تتجسد يوما في سياسة فعلية وفاعلة.

كثيرا ما قيل ان الاتحاد الأوروبي «عملاق اقتصادي وقزم سياسي»، والحال ان التوصيف ذاك كان ينطبق تماما على ألمانيا، بل انه يمكن الذهاب إلى حد القول بانه لم ينطبق على الاتحاد الأوروبي إلا لانه انطبق على ألمانيا. فهذا البلد الأخير هو قلب الاتحاد الأوروبي، فهو الأكبر من حيث عدد السكان، خصوصا بعد ان صير إلى توحيد شطريه إثر انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي، واقتصاده هو الأقوى، وهو الأقدر على فرض أولوياته، على ما يدل اهمال الجوار الجنوبي للقارة الأوروبية لصالح توسيع الاتحاد نحو شرقها، ذلك الذي يمثل تحديدا مجال النفوذ والتأثير الألمانيين تقليديا. وهكذا، إذا كان دور الاتحاد الأوروبي قد بقي معطلا من الناحية السياسية على الصعيد الدولي، فذلك ربما لان دور ألمانيا، لب ذلك الاتحاد وقوامه، كان معطلا، وان العطل ذاك لم تستطع ان تتداركه وان تعوض عنه أية قوة أوروبية أخرى، ففرنسا أضعف من ان تتولى بمفردها قيادة أوروبا، وبريطانيا، وان كانت أكثر تأهيلا إلا انها، في ما يتعلق بالخيارات الاستراتيجية الكبرى، تبجل دوما انتماءها الانكلوساكسوني على انتمائها الأوروبي، أما بقية بلدان القارة، فليس بينها من يأنس في نفسه القدرة أو الطموح للاضطلاع بمثل تلك المهمة.

تحول أوروبي جديد

إذا ما اعتبرنا الاعتراض الأوروبي على الحرب الأميركية ضد العراق وتزعم ألمانيا لذلك الاعتراض مؤشرين جديين، فاننا قد نكون أمام تحول جديد وبالغ الأهمية، هو ذلك المتمثل في استعادة ألمانيا لحضورها في المجال الدولي، وترجمة ثقلها الاقتصادي والديموغرافي إلى وزن سياسي، يلتئم من حوله الاتحاد الأوروبي، ويمد هذا الأخير بتلك الفاعلية التي افتقدها حتى الآن، ويعيد إلى الحياة الدولية بعضا من توازنها الذي اختل منذ ان سيطر على مقاليدها قطب واحد.

قد لا يعدو الأمر، في حدود المعطيات الراهنة، ان يكون مجرد احتمال، لكنه احتمال جدير بأن يؤخذ على محمل الجد.

كاتب تونسي

العدد 4 - الإثنين 09 سبتمبر 2002م الموافق 02 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً