قال الكاتب الصحافي غسان الشهابي: «إن الضوائق المالية التي تمر بها الصحف البحرينية أدت إلى تقليص جودة العمل الصحافي فيها».
وذكر الشهابي، في ندوة قدمها في مقر جمعية «العمل الوطني الديمقراطي» (وعد) في أم الحصم مساء الأربعاء (21 سبتمبر/ أيلول 2016)، أنه «مع غزو وانتشار قنوات التواصل الاجتماعي بين جيل الشباب زاد الأمر سوءاً لوضع الصحف، وأخذت تسحب القراء من الصحف وخصوصاً من قبل الجيل الشبابي».
وأضاف أن «الواقع يقول إن الصحف البحرينية تسير إلى نهايات، وما ننتظره فقط هو متى سنصطدم بالجدار فقط، لذلك على الصحف أن تكون أكثر ذكاء، وقد وجدنا أن بعض الصحف بدأت بدمج الصحف الورقية مع الالكترونية وسعت لفتح قنوات لها في قنوات التواصل الاجتماعي لاستعادة الوهج وجذب الشباب».
وأردف «من سوء حظ الصحافة البحرينية أنها توسعت أفقيا من العام 2002 حتى العام 2008، وتم فتح 5 صحف في فترة زمنية قريبة دون البحث في دراسة التجربة، بمعنى أن تظهر صحيفة ونشاهد كيف تسير، ومن ثم نقرر ما إذا كان إصدار صحيفة أخرى ذا جدوى، أنا أقول ربما لو حدث ذلك لكان الأمر مختلفاً عما نحن عليه اليوم، وخصوصاً أن البحرين جزء صغير في الإقليم، وهي تتأثر بما يجري خارج البلاد».
وتابع الشهابي أن «كل دراسات الجدوى كانت تتحدث عن أن جدوى إصدار الصحف كبير وأن سوق الإعلام واعد، فكثرت الصحف دفعة واحدة، وحدث تزاحم بين الصحف البحرينية وخصوصاً أنها تتحرك في مساحة صغيرة، وشركات دراسة الجدوى جربت الأمر بشكل غير دقيق وخصوصاً حول سوق الإعلانات، وشركات التدقيق التي كانت تبشر بسوق واعد للإعلانات في البحرين كانت تجرب فينا، ولم تكن تعرف طبيعة تكوين الصحف، وبالتالي لا نعرف كيف تم إقناع المؤسسين بهذا الإغراء إن صح التعبير، لكي يجتذبوهم؛ لأنه لو حالفنا الحظ وقمنا بفحص دراسات الجدوى لوجدنا أنها لم تكن موفقة».
وأكمل «خرجت صحيفتان من سباق التنافس في البحرين وهما «الميثاق» التي خرجت من دون استئذان أو لم يعلن موتها، و»الوقت» قررت أن تنتهي في يوم حرية الصحافة العالمية في (3 مايو/ أيار 2010)، وبقيت الصحف الخمس الأخرى وباتت أوضاعها صعبة وبالكاد تحقق أرباحا بسيطة في أحسن الأحوال، لكن الوضع ليس بهذه الحال التشاؤمية التي نتوقعها أيضا».
وأوضح الشهابي أن «الصحف كانت مستعجلة بالصدور، لذلك لم يكن هناك وقت لديها لتدريب الصحافيين، لأنه لا وقت أمام المنافسة، وسابقاً كانت الصحف فيها تنافسية وغيرة في الانفراد بنشر الأخبار، لكن الآن نشاهد الخبر يعاد نشره بعد أيام في صحف مختلفة دون اكتراث، وقد قل مستوى الجودة، وقل عنصر المنافسة والغيرة في العمل التي كانت تحفز للمزيد من التجويد والتميز في كل الصحف».
وأشار إلى أن «الطلب بات أكثر من العرض في بدايات إصدار الصحف، ومن لم يحصل على أفراد الصف الأول من الصحافيين ذهب إلى الصف الثاني، ومن لم يجد ذهب إلى من لا صف له، لأن الصحف كانت تريد أن تصدر وتظهر إلى الملأ ولا وقت للتأخير والتدريب، وهذا الأمر لم يقتصر على الصحافيين بل حتى إدارات الصحف أيضا التي جاءت عبر تفاهمات معينة، وإما لأنهم ملاك في الصحيفة».
وذكر الشهابي أن «الإدارات في الصحف تقع تحت ضغط الملاك لتحقيق الأرباح، وهذا الأمر أدى إلى استسهال نشر مواد صحافية من دون التدقيق والتمحيص ومن دون طرح الأسئلة الأساسية مرات ومرات حتى يتم استجلاء الحقيقة».
وأفاد أن «الصحف الكبرى عادة في العالم تجد الاحترام ليس لأنها كبرى أو قديمة، ولكن سبب احترامها للكلمة واهتمامهم بالجودة، فهم يدققون في كل الأخبار من كافة نواحي صحتها ودقتها ومدى حرفيتها، وسمعت مرة أن إحدى الصحف الأوروبية لديها 70 شخصا يقومون بالتدقيق على الأخبار واحداً تلو الآخر، سطرا سطرا عن صحة ما هو مكتوب وهو عليه أدلة واضحة، وفي المقابل نحن لدينا شباك بفتحات كبيرة تمرر الكثير من الأمور من دون التدقيق عليها أو حتى معرفة من كتبها أساسا، وبالتالي تصدر أخبار في اليوم الثاني ضعيفة وهزيلة ليس فيها مقومات الجودة، وباتت العملية تنزل شهرا بعد شهر ولا نجد أن هناك أحداً يهتم بالجودة».
وواصل الشهابي أن «عملية التدقيق على الأخبار تحتاج إلى حياك ماهرين وعلى درجة من الخبرة والمهارة، بعد أن تعبوا من الجري في الشوارع وبات عليهم الجلوس لاستثمار خبراتهم في قراءة الأخبار وتدقيقها».
وأكمل «تعاني صحف البحرين من عملية عدم توظيف أفراد لتحليل وغربلة الأخبار وتجديدها، وعليه باتت تفتقد العمق بسبب ضعف الجانب المالي وجعل الصحف في مهب الريح».
وتابع أن «صحفنا ولدت ولادة عسيرة وولدت فقيرة ماليا أساسا، وأصبحت هبات النسيم وليس الرياح تلعب بها، ويمكن أن تلعب بها، وهذا الأمر جعلها مرهونة بالرواتب والطباعة، وما إن يمر عام واحد حتى يدرك القائمون عليها أنه لم يبق الكثير لديهم لإنفاقه على المادة التحريرية».
ولفت إلى أن «كل الأحلام والوعود في عالم الصحف في البحرين بالتطوير تنتهي سريعا بسبب المشاكل المالية التي تواجهها ويقل الاهتمام بالجودة، ولكن كل ما يوعد به القارئ يتبخر سريعا بسبب ضعف الجانب المادي في غالبية الصحف».
وأضاف الشهابي أن «هناك دراسات تتحدث أن قراءة الصحيفة لا تعتمد على جودة ما ينشر فيها، بل على الولاء لها، وأن الكثيرين سيستمرون في قراءة الصحيفة حتى وان لم تكن الأخبار بالدقة المطلوبة».
وواصل «حاليا تتنازل الصحف عن الكثير من الكوادر القديمة، بسبب ارتفاع تكلفتهم المالية، ويسدون الفراغ عبر توظيف خريجي الإعلام الجدد برواتب زهيدة أو بدوام جزئي لأن كلفهم قليلة ويمكن التخلص منهم بسهولة، وهذه الخلوة التي حدثت بين خروج الجيل القديم والجيل الجديد أدت إلى أن تصل الكتابات إلى جودة أدنى، وعلى رغم ذلك وجدنا أن مجموعة من المبتدئين يرون أنفسهم أساتذة في مجالاتهم ولا يقبلون لوما ولا عتبا».
وأوضح أنه «بسبب الأزمات المالية في الصحف تم تقليص الملاحق الصحافية الاقتصادية والرياضية ضمن اتفاق ضمني، وانتهت الملاحق إلى مجرد صفحات داخلية، وصارت الصحف هزيلة في الحجم والمضمون، واليوم صحفنا وكأنها رجل مريض، ولكنه يرفض الأمر ويعتقد بأنه مازال قويا وفتيا ولا يحتاج إلى العلاج».
وأردف «ومع غزو وانتشار قنوات التواصل الاجتماعي بين جيل الشباب زاد الأمر سوءاً لوضع الصحف، وأخذت تسحب القراء من الصحف وخاصة من قبل الجيل الشبابي، اليوم في البحرين لدينا أكثر من 700 ألف مشترك في الفيسبوك و250 ألف مشترك في الانستغرام، وأكثر من 230 ألف مشترك في تويتر، هذه الأرقام لا تحلم بها أية صحيفة في البحرين».
وختم الشهابي بأن «الواقع يقول إن الصحف البحرينية تسير إلى نهايات، وما ننتظره فقط هو متى سنصطدم بالجدار فقط، لذلك على الصحف أن تكون أكثر ذكاء، وقد وجدنا أن بعض الصحف بدأت بدمج الصحف الورقية مع الالكترونية وسعت لفتح قنوات لها في قنوات التواصل الاجتماعي لاستعادة الوهج وجذب الشباب».
العدد 5130 - الخميس 22 سبتمبر 2016م الموافق 20 ذي الحجة 1437هـ