لا يوجد إطراء لمن يتحدث إليك أكثر من الإنصات إليه. وكما أن في القدرة على الوقوف والتحدث بما يجول في خواطرنا شجاعة، فإن القدرة على الاستماع للآخرين، والإنصات لأحاديثهم شجاعة أكبر.
من المهم أن نجيد فن الإنصات كما نجيد فن الكلام. الإنصات الذي يحمل الصمت بمعناه وموقفه الإيجابي. وليس ذلك الذي يبعث الخيبة في نفوس الآخرين. الإنصات الذي يكون دليلاً لنا في اكتشاف أنفسنا قبل غيرنا. فحين ننصت نتعرف على ما حولنا أكثر. ونتحسس قدرتنا على الصبر والتحمل أكثر. وخصوصاً حين نستمع للكلام الذي قد لا يروق لنا، أو لا يتناسب مع معتقداتنا وأفكارنا أو حتى انسانيتنا.
وليس كل صمت إنصات، ولا كل إنصات صمت؛ فبعص الصمت دليل شرود، وبعض الإنصات يكمن في النقاش. لكن لابد أن نلتفت إلى أن هنالك كلاما من الأفضل أن نسمعه من غير نية في مناقشته. وهنالك كلام يسمع وينسى في الوقت نفسه، وكلام يسمع ولا ينسى؛ لأنه كلام نابع من القلب ويهدف إلى تغييرنا نحو الأفضل.
كثيرٌ من المشكلات اليوم تقع بسسب عدم إجادتنا فن الإنصات! الفن الذي يتيح لنا الاستماع للآخر ووجهة نظره تجاه أمر ما، قبل إصدار الحكم عليه وعلى فكرته. الفن الذي من خلاله نستمع لمبررات الآخرين والدوافع التي جعلتهم يقومون بهذا الفعل أو يتفوهون بتلك الكلمة. الفن الذي يمكننا من التأثير على الآخرين أحياناً أكثر من الكلام. ذلك أن النفس بطبيعتها تميل إلى الكلام؛ لأنها الطريقة التي يمكن من خلالها التعبير عن الذات، ومن خلالها يمكن أن يعبر أي منا عما يجول في خاطره من أفكار وما لديه من ثقافة وقدرة على الإقناع. لكن مجابهة هذه الطبيعة تتطلب الكثير من المران.
يقول ابن المقفع: «تعلم حسن الاستماع - كما تتعلم حسن الكلام، ومن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، والإقبال بالوجه، والنظر إلى المتكلم والوعي لما يقول».
وحين ننصت إلى الآخرين يعني أننا نستمع لطريقة حديثهم. نستمع لأفكارهم التي من الممكن أن تفيدنا يوماً ما في حديثنا عن الموضوع ذاته. حين نستمع إليهم فذلك يعني أننا نتعرف على خبرات جديدة وأفكار من شأنها أن تنمي قدرتنا على النقاش، وعلى فهم الأمور من زوايا مختلفة قد تكون غائبة عنا.
حين ننصت لمن جاء متذمراً أو شاكياً، فذلك يعني أننا استطعنا أن نكون حضناً لأحدهم اختارنا دون غيرنا لنكون له عوناً. ذلك يعني أننا استطعنا أن نكون يد عون لمن يبحث عن فكرة أو مخرج أو تفكيك لمشكلة ما.
وإذا كان الكلام وسيلة للتعبير عن الذات كما أسلفنا، فإن الإنصات وسيلة للتعبير عن احترامنا لأنفسنا وغيرنا وعن لباقتنا ومدى قدرتنا على احتواء الآخرين.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5126 - الأحد 18 سبتمبر 2016م الموافق 16 ذي الحجة 1437هـ
أحسنتي أختي العزيزة سوسن دهنيم, موضوع شيق ومهم وثمين! جميعنا في هذا الزمن نحتاج أن نتعلم ونعلم فن الإنصات! بارك الله بكي! جزاكي الله خيرا
الاطراء يفعل الاعاجيب عند البشر والكثير منا يغفل أستعماله , فنرى الاطراء للطالبة المتدني مستواها تجعلها تبادر لرفع مستواها بسبب التشجيع المستمر وكذلك العامل يزيد أنتاجة .... هل أستعملنا هذا الجانب لن نخسر شيئا بل سنحقق الكثير من النجاح بعون الله تعالى . أم مروه.
انا شخصيا حاولت الإنصات في البداية واجهت صعوبة كبيرة لكن مع الوقت تعودت واستفدت كثيرا في الإنصات والاستماع للآخرين شكرا أستاذة