تطرح الدراسة العالمية حول تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع إلى الأمم المتحدة رقم (1325)، الصادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، في العام 2015، وحمل عنوان «منع النزاع وتحويل العدالة وضمان السلام»، أدلة وأفكاراً وممارسات يمكن أن تساعد على تحقيق التزامات جديدة وتنفيذ الالتزامات القديمة، بحسب ما أشار الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون، في تقديمه للدراسة.
كان ذلك قبل 16 عاماً من الآن، حين أكد القرار الدولي المذكور أهمية المشاركة المتساوية، والانخراط الكامل للنساء في جميع جهود الحفاظ على السلام والأمن وتعزيزهما. بان كي مون ذكَّر بأنه ينبغي أن تكون قيادة النساء، وحماية حقوق المرأة دائماً في طليعة تعزيز السلام والأمن الدوليين «وألَّا تأتي أبداً كفكرة ثانوية».
بالعودة إلى القرار المذكور والظروف التي ولد فيها، وما سبقه من قرارات تمهيداً لإقراره، يحيلنا موقع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، إلى تفاصيل لا غنى عنها كي نتمكَّن من فهم المتطلبات والالتزامات والظروف التي اكتنفت القرار، وربطه باللحظات الراهنة التي يمر بها العالم، وما تم تنفيذه في هذا المجال، وبعد الشقة عن تنفيذ جوانب منه.
يؤكد قرار مجلس الأمن (1325)، بأن المرأة عنصر فاعل في السلام والأمن؛ إذ اعترفت الأمم المتحدة في العام 2000 عبر مجلس الأمن؛ ليس فقط بالتأثير الخاص للنزاعات على النساء ولكن أيضاً «بالحاجة إلى تضمين النساء باعتبارهن صاحبات مصلحة نشطة في مجال درء الصراعات وحلها». وشدَّد القرار على الحاجة إلى: مراعاة خصوصية المرأة وإشراكها في عمليات الحفاظ على الأمن وبناء السلام وخصوصاً في المناطق المتضرِّرة من النزاع.
توعية قوات حفظ السلام والشرطة والسلطة القضائية بخصوصية المرأة في الصراع واتخاذ تدابير لضمان حمايتها والالتزام بحقوق النساء والفتيات. تأمين الاحتياجات الخاصة للنساء والفتيات في النزاعات. دعم دور المرأة في مجالات المراقبين العسكريين والشرطة المدنية والإنسانية ومراقبي حقوق الإنسان. تمثيل نساء المجتمعات التي شهدت صراعات مسلَّحة لإسماع أصواتهن في عملية تسوية الصراعات، كي تكون جزءاً من جميع مستويات صنع القرار كشريك على قدم المساواة لمنع الصراعات وحلها وتحقيق السلام المستدام.
وكما يوضح موقع المنظمة الدولية، يتعيَّن على الدول الأعضاء لتنفيذ هذا القرار، وضع وتنفيذ خطط العمل الوطنية بهذا الشأن. فمن أصل 192 دولة، لم ينفذ هذا القرار حتى الآن، سوى 21 عضواً في الأمم المتحدة.
سبق صدور القرار عدد من التصريحات والوثائق القانونية الرئيسية الناجمة عنه، وعدد من الإعلانات الدولية والوثائق القانونية النافذة قبل صدوره، من بينها: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، العام 1979، إعلان بكين العام 1995، ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية العام 1998، إعلان ويندهوك وخطة عمل ناميبيا العام 2000، ومن ثم قرار مجلس الأمن 1325.
بعد صدور القرار المذكور، صدر قرار مجلس الأمن (1820)، المتعلق بالعنف الجنسي في العام 2008، وقرار مجلس الأمن (1888)، القاضي بتعيين ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة حول العنف الجنسي في حالات الصراع، وذلك في العام 2009، وقرار مجلس الأمن (1889)، والذي حدَّد ولاية لرصد وتقييم المبادرات من أجل المرأة والسلام والأمن في العام 2009، وقرار مجلس الأمن (1960) لتعزيز الالتزامات السابقة وخاصة القرار (1888) في العام 2010.
معضلات تواجه
الأركان الأربعة للقرار
تشير الدراسة إلى أن العالم تغيَّر منذ اعتماد القرار 1325 في أكتوبر/ تشرين الأول 2000م؛ إذ تُبيِّن التقارير والوقائع على الأرض أن طبيعة النزاع في بعض المناطق اختلفت اختلافاً نوعياً، كما تطوَّر محتوى ما يرمي إليه التقرير بكلمتي «السلام» و «الأمن»، مع حدوث تحول في فهم كلمة «العدالة». ذلك الواقع دائم التغيُّر والتطوُّر، دفع إلى حدوث وبروز معضلات كبرى «تواجه الأركان الأربعة للقرار 1325، والقرارات التي لحقت به، وهي: «أركان المنع، والحماية، والمشاركة، وبناء السلام والتعافي».
وفي ضوء تلك التغيرات التي يشهدها العالم، وكذلك الديناميات المتحولة، تلك المرتبطة بالسلام والأمن، تستعرض الدراسة التي بين أيدينا ما تحقق خلال الـ 15 عاماً من تنفيذ القرار المشار إليه.
وتوضح الدراسة بأن المجتمع الدولي اعتمد إطاراً معيارياً شاملاً، فيما يتعلق بالعنف الجنسي في حالات النزاع. وبالرجوع إلى نظام روما الأساسي الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية، والذي دخل حيِّز التنفيذ في العام 2000م، نجد أنه يحدِّد قائمة شاملة للجرائم التي تُرتكب ضد المرأة؛ حيث عملت المحاكم والآليات الدولية على تطوير «فقه يتعلق بهذه الجرائم»، منذ التسعينيات من القرن الماضي؛ علاوة على أن الأمين العام قام بتعيين ممثلة خاصة معنيَّة بالعنف الجنسي في حالات النزاع لرفع التقارير إلى مجلس الأمن.
من جانب آخر، توفر فهم من قبل المجتمع الدولي والحكومات الوطنية، لأهمية «الالتئام الوطني والمجتمعي كجزء من العدالة الشاملة وعمليات المساءلة، بما في ذلك السعي لمعرفة الحقيقة، والمصالحة، وتخليد الذكرى، وجبْر الضرر لضحايا الانتهاكات من النساء».
54 بلداً فقط وضعت الخطط
من بين اللافت في الدراسة، إشارتها إلى أنه على رغم الجهود الكبيرة التي بذلها المجتمع الدولي لتشجيع الدول الأعضاء على أن تكون لها عمليات شاملة لصوغ خطط العمل الوطنية بشأن المرأة والسلام والأمن؛ إلا أن 54 بلداً فقط وضعت مثل هذه الخطط «وتركَّز العديد من هذه الخطط بلا آليات للمساءلة، ولا موازنات متاحة للتنفيذ العملي».
ويبرز من بين كل تلك التحديات، وخصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة، زيادة وتنامي التطرف وحركاته، وما ينتج عنه من ممارسات حاطة بكرامة الإنسان عموماً، والمرأة خصوصاً؛ إذ أدَّت تلك الزيادة إلى تهديد حقيقي لحياة النساء «بالإضافة إلى دورة من العسكرة حيث عادة ما تكون النساء في وضع متناقض؛ فهن يرفضن القيود المفروضة على سلوكهن من قبل المتطرفين، ولكنهن يردن حماية أسرهن ومجتمعاتهن المحلية من الاستقطاب والتهديد». علاوة على أن بعض النساء يصبحن مقاتلات ويلتحقن بالجماعات المتطرفة «البعض منهن بخلاف رغبتهن؛ ولكن العديد يفعلن ذلك عن اقتناع حقيقي»، إلى جانب أن بناة السلام من النساء تعلَّقن بين ارتفاع مد التطرف في مجتمعاتهن المحلية، وبين القيود المفروضة على عملهن من قبل سياسات مقاومة التطرف التي تقيِّد وصولهن إلى التمويل والموارد المهمة.
تكثر «لابد» و «الوجوب»، في الملخَّص التنفيذي للدراسة التي تتتبَّع اليسير مما تحقق، والكثير مما توضع العراقيل والمعوقات أمامه كي لا يرى طريقه متحققاً على الأرض، إذ تشير الدراسة، ومن خلال المناقشات والمشاورات المتعلقة بها إلى مجموعة من المبادئ التي يجب أن يتحد العالم حولها، من بينها:
أن تكون الأولوية لمنع النزاع، وليس استخدام القوة، بحيث يكون استخدام القوة هو الملاذ الأخير، حين تفشل جميع الخيارات الأخرى. ويبرز تركيز الدراسة التي بين أيدينا، على أهمية تدابير المنع على المدى القصير «مثل أنظمة الإنذار المبكِّر، والجهود المكثَّفة في مجال الحوار الاستباقي على المستويات المحلية والوطنية والدولية»، كما تدرس تدابير مجابهة الأسباب الجذرية والدوافع الهيكلية للنزاع، مثل الإقصاء والتمييز والهجوم على الكرامة، وانعدام المساواة الهيكلي «ويجب تنفيذ هذه التدابير، إلى جانب التدابير الأخرى أيضاً والتي تتناول انتشار الأسلحة الصغيرة، والتصرفات الذكورية العنيفة، وتغيُّر المناخ».
القرار إحدى ولايات حقوق الإنسان
تلفت الدراسة إلى أن محاولات النظر إلى القضايا من «منظور أمني»، واستخدام النساء كأدوات في الإستراتيجية العسكرية، يجب أن تُحبط بشكل مستمر، وتستكشف الدراسة أيضاً دور آليات حقوق الإنسان في إخضاع الدول الأعضاء للمساءلة عن التزامات حقوق الإنسان المتعلقة بجدول أعمال المرأة والسلام والأمن؛ ومن خلال الهيئات التي تم إنشاؤها بموجب معاهدات دولية، والاستعراضات الدورية الشاملة، ومحاكم ولجان حقوق الإنسان الإقليمية.
وتعمِّق الدراسة، من خلال تبيان البحوث التي احتوتها، أن مشاركة المرأة على جميع المستويات هي أمر أساسي لتحقيق «الفعالية التشغيلية»، ولنجاح واستدامة عمليات السلام وجهود بناء السلام، موضحة أن على الوسطاء والقيادات في عمليات السلام أن يكونوا استباقيين في تضمين المرأة جميع صنع، وحفظ، وبناء السلام؛ حيث تصف الزيادة الكبيرة في وتيرة اللغة المراعية «للاعتبارات الجنسانية في اتفاقات السلام»، وفي عدد النساء والمنظمات النسائية، وخبيرات الشئون الجنسانية العاملات كمفاوضات رسميات أو وسيطات، أو موقِّعات، أو شاهدات، أو في كيانات استشارية.
وتؤكد الدراسة وجوب أن يخضع مرتكبو الجرائم الخطيرة ضد المرأة للمساءلة عن أفعالهم حتى تنال المرأة العدالة، ويتم ردْع الجرائم المستقبلية، مشيرة إلى ضرورة أن تكون العدالة في بيئات النزاع وما بعد النزاع ذات طبيعة تحويلية، بحيث لا تتناول الانتهاك الفردي الذي تتعرَّض له النساء فحسب، ولكنها تتناول أيضاً ما يكمن وراءه من أوجه انعدام المساواة التي تجعل النساء والفتيات عرضة للخطر في أوقات الصراعات.
كما تستكشف الدراسة كلاً من أهمية مكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المُرتكبة ضد المرأة من خلال إجراءات العدالة الجنائية «مع الإقرار أيضاً بالدور المحوري الذي تلعبه عمليات جبْر الضرر، وتقصِّي الحقائق، والمصالحة، وفي ضمان التئام جراح الضحايا ومجتمعاتهن المحلية وتعافيهم معاً».
ضرورة وجود الخرائط المُفصَّلة
تتطلب مجالات بناء السلام، كما تشير الدراسة، وجودَ خرائط مُفصَّلة، وفهماً للظروف المحلية بمشاركة النساء أنفسهن قبل تصميم البرامج وصوغها وتنفيذها؛ وترى أن سياسة «حجم واحد يناسب الجميع»، ونقل «أفضل الممارسات» ليست دائماً مطلوبة في كثير من مواقف النزاعات. وتصف الدراسة فترة بناء السلام كفرصة لتحويل المجتمعات، والعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين، و «لبناء الاقتصادات والمؤسسات التي تقر بالتحديات المحددة المعينة التي تواجهها المرأة وتسعى إلى مجابهتها».
وتلفت الدراسة إلى أنه عبر جميع الأديان والمناطق، هناك قاسم مشترك بين الجماعات المتطرِّفة يتمثَّل في أنه وفي كل حالة من الحالات، يجيء تقدُّمها مصحوباً بالهجوم على حقوق النساء والفتيات - الحق في التعليم، والحق في الحياة العامة، والحق في اتخاذ القرارات بشأن أجسادهن. مُبيِّنة أن الاستجابات العسكرية وحدها لا تكفي لاقتلاع التطرُّف العنيف، مستكشفة الدراسة كيف يمكن لتمويل بناة السلام من النساء ودعمهن في سياقات التطرف المتنامي أن يلعب دوراً حاسماً لضمان عدم بقاء الأيديولوجيات المتطرفة أو ازدهارها.
يبقى للأطراف المعنية، من الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية والإعلام والمجتمع المدني والشباب، دور حيوي في العمل معاً لتنفيذ جدول أعمال المرأة والسلام والأمن، ومساءلة بعضهم بعضاً عن الالتزامات. وتستكشف الدراسة في هذا الباب، النجاحات والتحديات التي واجهتها كل فئة من فئات الجهات الفاعلة على مدار الخمسة عشر عاماً الأخيرة، مُحدِّدة التوقعات لتنفيذ جدول أعمال المرأة والسلام والأمن في المستقبل.
كما تؤكد الدراسة وجوب استمرار مجلس الأمن في عمله لتنفيذ جدول أعمال المرأة والسلام والأمن، ولكي يتمكن من القيام بذلك، فإن ذلك يتطلَّب مزيداً من الدعم والمعلومات، مستكشفة سبلاً لتحسين تزويد عمل مجلس الأمن بالمعلومات بشأن التنفيذ، بدءاً من الجزاءات الأكثر صرامة، إلى زيادة وتيرة التقارير الموجزة من المجتمع المدني، إلى التبادل الأكثر قرباً من مجلس حقوق الإنسان، إلى إنشاء فريق من الخبراء غير رسمي معنيٍّ بالمرأة والسلام والأمن.
مواجهة الفشل في توفير التمويل
من بين أخطر العقبات في سبيل تنفيذ التزامات المرأة والسلام والأمن على مدار الخمسة عشر عاماً الأخيرة، الفشل في تخصيص موارد كافية، وتمويل كافٍ. وترى الدراسة أنه يمكن التغلُّب على قلة التمويل إذا ما التزمت الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية، ومنظومة الأمم المتحدة بتخصيص 15 في المئة كحد أدنى من جميع التمويل المتعلق بالسلام والأمن، للبرامج التي يتمثل هدفها الرئيسي في تلبية الاحتياجات المحددة للمرأة، والنهوض بالمساواة بين الجنسين. كما أوصت الدراسة بزيادة التمويل الذي يمكن التنبؤ به، والمتاح الحصول عليه والمرن لمنظمات المجتمع المدني النسائية التي تعمل في مجال السلام والأمن على جميع المستويات.
وتختتم الدراسة بدعوة إلى العمل، لا التوصية، مضمِّنة ذلك بـ «لابد» أخرى ترتبط بفهم التغيرات الهائلة التي نمر بها، في سياق احتياجات المرأة ومخاوفها في مواقف محددة من النزاع؛ إذ ينبغي أن يكون ما هو «محلي» أهم العوامل في تحليل تلك الاحتياجات والمخاوف. مشيرة الدراسة إلى وجوب توقف عملية تطبيع العنف على المستويات المحلية والوطنية والدولية، كما يجب توسيع الشبكات النسائية التي تضم بناة السلام وصانعات السلام، ودعمها لكي تحتل موقع الصدارة «ويُعدُّ تضامنها أمراً أساسياً إذا أردنا أن نحرِّك العالم في اتجاه الرؤية الأصلية للأمم المتحدة، حيث تقوم الأمم بتحويل (السيوف إلى شفرات للمحراث)، وتتصرف من خلال قناعتها بضرورة منع الحروب من خلال الحوار والمناقشات».