البساتين، أيدي الفلاحين، رائحة الطلْع، رائحة ورق اللَّوز في ماء الجداول، ما تبقَّى من الورد المحمَّدي، رنّة هاتف أمّي، رائحة الشاي قبل الغليان، كتب السيرة في مسوّداتها، الرواية الأولى عن سيرة مجهول، حقائب الجلد، أقلام الحبْر، الدفاتر غير المسطّرة، شهلاء قاسم حداد، مرسم عشتار، اعترافات علي الديري، صرير قصب عباس يوسف، خط السيدمحمد صالح الموسوي، الكولاج، النجارة، تفاؤل آمال الخيّر، تعليقات غادة السيد التي تسبقها ضحكة فقط، دهشة باسمة القصاب، جِدّة فاطمة الحلواچي، نص جعفر الجمري، المكتبة العامة قبل أن يضيع اسمها، صفاء وفضاء ورائحة المنامة، عجلة ساعي البريد، وحْدَة جامع أكياس القمامة في الفجر، المجانين، رائحة المخطوطات، قرية مِس، لندن، كولن، مكتبات سنغافورة، أكواب القهوة، رائحة المقهى في الصباح الباكر، عطر كوكو مودمآزيل، موسيقى شوبان، ميريل ستريب، تكوين، جامعة البحرين، الجبن العادي جداً، والخبز العجمي الساخن العادي جداً، ورائحة القهوة من بيت جارتنا العادية جداً قبل أن تبتسم، البرتقال، العيون الواسعة، كاميرا اللايكا، الذين مرّوا قبل قليل في الكاميرا ولن يغادروا، اللون الأزرق، العمل المنهك المثير، الصمت.
مريم جمعة فرج في رقَّتها الطويلة جداً، صدقها القادم من بعيد بالأكسجين النقي، وحدة صفية كريم رضي، أغلفة كتب مسعى في الأصل محمد النبهان، رائحة مواد تحميض الصور، رائحة مسيلات الدموع من بعيد فقط، لون العفن في الخبز، زهرة الأسبنت الصغيرة جداً، الوردة الصغيرة في وسط الصدرية، الوردة ليست في جهة الورد، كتب هنري ميلر، خصلة الشعر البيضاء في رأس سوزان سنتاغ، مزاجها الضائع، منفياتها واعترافاتها، حوارات رسول الجشي في برلمان 73، سخرية وجهريات الدكتور حلمي علي مرزوق النقدية، الذين لا يستشهدون بأحد، زهو الحمَام الشمسي، ناصية الخيل، لوحات هلا الخليفة القديمة، جرافيك جبار الغضبان، شعر نساء البشتون، غربة صلاح صلاح المنتجة، رائحة أوراق نبتة الطماطم، الزعتر الجبلي، الجعدا، زهرة الليمون، أن أضع الحلو على المرّ، جميلة التي أحرقت نفسها بحبّ، بثينة العيسى مشروع شجرة أنبياء يقرؤون ويكتبون، صوت سالي مان في صورها، بورتريهات الموتى في صوتها، سفور وجوه ابتسام الصفّار، متعة نورا كيندي في العمل المنهك في حفظ صور المنكوبين، السفن الورقية، غرفة الفندق التي لا يأتيني فيها نوم، هذيان السكارى، خطط المجانين، صراحة الناسين، ثقة الضائعين، ملل المصلِّين، الصور في أحاديث المُثارين، الذاكرة غير المنظمة، تباهي المرأة الحامل بحملها، خجلها من النظر إلى أنفها، المشي على قاع البحر ساعة الجزر، تدوينة النوخذة في روزنامته: أصبحنا ما نشوف البر.
القميص الأبيض والبنطلون الرمادي زي والدي الخاص للصف الأوّل الابتدائي، محمد الزري، جعلنا نأكل الحروف مع السندرويشات بالجبن المبشور، رسمة الديك على باب صفنا كي لا ندخل في صف البطة، رائحة الكتب الجديدة، الصور فيها، العنب في حديقة مدرسة السلمانية، حسين الثقفي يدير ظهره للمدرسة كلّها ليرسم، طعم الممحاة، رائحة برْي قلم الرصاص، الجرس الأخير، رمي الحقيبة نهاية كلّ يوم مدرسي عند عتبة الباب: وززززز، صديقي الكائن البحري حسن علي إسماعيل الذي رفض دخول المدرسة وصار ينتظرني ظهراً، يسرد ما فاتني من أخبار البحر في الصباح! خجلي من أن أسرد أخبار المدرسة عليه! المشي إلى البحر بعد الغداء معاً، حرقة العينين في ملح الأمواج، الأصوات تحت الماء، قصة النجاة من الغرق الأوّل، عجلة الديدان الحمراء كلّما رفعنا حجراً، لذّة الأسماك الصغيرة بها ولذتنا بشويها، أصوات مطارق القلافين، غناء النهامين عند تدشين سفينة، رائحة زيت شحم الحوت على ألواحها السفليّة، لهجة القلافين، صبر نشَّاري جذوع الأشجار الطويلة، سخرية القلاف إبراهيم النشابة عند نشر جذوع الأشجار العظيمة، هندسة السفن الكبيرة بخرائط قليلة في الرأس، أوّل تجربة لشَبْك الحروف، الكلمات التي لا تسير على السطر، ضيق الورقة بخمس كلمات وحرف! أثر الممحاة المتكرِّر في موضع كلمة واحدة! اللون الرمادي في أطراف ورق الدفتر، رؤوس الأوراق المطويّة! أوّل الحبر، الأيدي الملطّخة بالحبر الأزرق، القميص المبقّع به، خزانة الملابس الصغيرة التي صار سقفها طاولةَ البيت كلّه، لا أحد يسألني عن المدرسة، النجاح الأوّل الذي لم أفهمه!! الليل في بيت لا كهرباء فيه، نداءات حشرات الليل، صوت النوارس، صوت هجرتها قبيل الفجر، يوم جديد بشاي جدتي مريم المتسكّر بالأحلام، الذهاب مشياً إلى المدرسة البعيدة بحقيبة لم أفتحها أمس!
خجلُ تلميذ تعبر به أمّه ساحة المدرسة نحو الإدارة، لن يسقط ذلك من سيرته! حصة العلوم، مكنة الجهاز الهضمي الرهيبة، رجفتي الأولى أمام صورة القلب غير الواضحة في كتاب العلوم وقول الأستاذ: هذا هو القلب! تجارب مدرس العلوم علي طه التي لا تنجح فيختمها بعبارة: على كلٍ! موسيقى المهرجان السنويّ، إنّي فضحت عبدالجبار سارق حقائب تلاميذ صفّي الأوّل، مدرس الدِّين الذي صار يدرِّس الموسيقى، سَرَحان مدرِّس الإنجليزي نصف الحصة في كلّ حصة، انتظاري مع جدتي مريم لسيارة التربية في مدرسة سمية الابتدائية للبنات تأخذنا لعيادة المدارس في شرق المنامة، أحاديث جدتي مع فرَّاشات المدرسة، الجدائل بشرائطها الخضراء، المراييل، الأبّات الخضر والوجه زهرة، ابتسامات تلميذات الصف السادس وجدّة مديرة المدرسة، كلام جدتي كلّما رأت تلميذات السادس يصعدن الدرج: إخذي!! عظمة الفرَّاشات بأثوابهن البيضاء، رائحة عيادة المدارس، سكينة الحيّ صبحاً بلا أطفال، فرحة الكائن البحري صديقي حسن علي إسماعيل بمجيئي المفاجئ له في البحر فلا يسأل! تحية أمير البلاد الشيخ عيسى بن سلمان للتلاميذ أوّل مرّة وآخر مرّة جوار المدرسة، مزاج أستاذ الرسم راشد سوار: لا كلام في الفن! التلميذ ميرزا بثوبه الأسود، سقوطه من نافذة الصف الثاني الابتدائي بلا إصابات، نشيده واقفاً على طاولة المدرِّس:
أمس المسيّة رحنا قهوة الفارة
كلنا سكاره كلنا مكَّاره...
وإنزال المعلّم له قبل أن يكمل نشيده، نشيد حي الأجاويد، كراندول! إكمال النشيد لي في الفسحة قبل الأكل! صار ميرزا صديقي! حصة النجارة، أسماء الأدوات ليست كما يقولها أبي النجّار، مشروع طائرتي الخشبية، رسالة التعارف الأولى من الكويت! صورة بورتريه صاحب الرسالة، أناقته وشعره الذي لن يصمد كثيراً في بحر النعيم، ما تبقّى من الطباشير في الحصة الأخيرة.
هلوسات شيطانية :)
جميل جداً، رائع، بل إبداع!
نصّ لا تستطيع الحصول على أية فائدة من قراءته، وحين تحاول أن تتكلم، سيقال لك: أنت لا تفهم في الإبداع، لأن الإبداع لا يفهمه إلا المبدعون، إذن؛ فلنترك الإبداع لأهله. هذه سيرة الإبداع، شكرن.
هي الحياة نمنمات صغيرة تشكل في النهاية لوحة تتكدس في ذاكرتها ماتبقي الأيام من حلاوة ومرارة ومن لقطات كانت وتصبح متبدِّلَه ، تحملها أحرف الروح الى مقبرة الفانية ، وجوه ، قلوب ، خطوات على طريق طويل صامت لم ينتهي بعد، كطائر ورقي يختفي كل يوم لنصنع طائر جديد في يوم آخر ، نسجل احداث ، ونأسى ونفرح كلما رأيناها صورة بعد صورة ، وحيد هو الحب الرقيب الرحيم الذي سيبقى ولن يتخلى عنا مادمنا بأعتاب حبه نعشق دائما .
عنوايين جانبية قلما تُستدعى من الذاكرة رغم دورها المؤثر في تكوين الوجدان والدوافع النفسية. فخجل التلميذ، يمثل جزء من التكاليف الثقيلة التي تنهال على الفرد في عتباته الأولى. وملل المصلين، يقبع في "ذاكرة الوصول العشوائي" ليزول بمجرد انتهاء الصلاة، لذلك لا يُستدعي من الذاكرة إلا في شكل حديث داخلي أو عن طريق ناقل بصري أو صوتي أو نصي كما فعل الكاتب. فهذا الشكل من الكتابة يجعلك تتنقل من مكان الى آخر بسرعة تنقّلك بين الجمل، لكن يبقى من الصعب تصنيف هذا النوع من السرد حالياَ.
كامل صديق عيساوي_السودان.
قراءة عميقة جداً لكتابة كأنّها عادية جداً
هو ليس مقال إنما هو شعور .. ولن يتمكن الكثير من قراءة المشاعر فبالكاد يستطيعون فك الكلمات فما بالك بالشعور ..
????????????
اعربي
هكذا يكون الفرد من فئة المثقفين، فقط عندما يقدم ترهات تحتاج لتأويله الشخصي
معظم النص لا يحتاج لتأويل شخصي، أي شخص بإمكانه تخيل و إستنتاج مقصد الكاتب.
في النهاية الكل يفسر و يفهم الأمور بطريقته لا حسب وجهة نظر القائل.
تحياتي للفنان الضوء و الأسطر حسين المحروس.