من المُفترض أن يكون العمل الثقافي الذي يتصدَّى له الجانب الأهلي... جماعات وأفراداً، سمِّهِ ما شئت، موازياً للعمل الرسمي، ذلك المشغول - في كثير من أنشطته - في أودية بعيدة عن أودية الناس، وبعيدة عن قضاياهم ومشكلاتهم والظواهر التي تكتنفهم؛ علاوة على انعدام طرق وأساليب الجذب، بموازنات لا يعلمها إلا الله والراسخون في كشف الأسرار. من المفترض أن يكون مثل ذلك العمل ومثل تلك المبادرات التي تصدر عن مجموعات وأفراد بعيدين عن سقف المؤسسة الرسمية، رافداً وإضافة حقيقية لمجمل الحراك الثقافي والإبداعي العام، وذلك يحتاج إلى ألَّا يُنظر إلى ذلك العمل باعتباره «ضُرَّة» وجب العمل على حبْك الدسائس لها، والسهر على المؤامرات التي تُخرجها من البيت، وفي أقل تقدير التعامل معها باعتبارها شبحاً لا وجود حقيقياً له، وتلك مأساة حقيقية. مأساة تصاب بها الثقافة، ومأساة اتجاه البشر الذين من حقهم أن يحظوا بحصتهم من منابع ومنصات وموارد تلك الثقافة، من دون تمييز أو تشطير.
يقودنا ذلك إلى ما أشار إليه الزميل الكاتب والقاص عبدالعزيز الموسوي في حوار مع «الوسط»، أجرته الزميلة سوسن دهنيم، في مقارباته لمشروع «وجود»، وهو كلام يكاد يكون يسيراً، وتبسيطياً أيضاً؛ لا بمعنى تجنُّب العمق منه، إذا ما تلمَّسنا حقيقة المشاريع التي تُوجد لتختفي، ليس لأن أصحابها والقائمين عليها يريدون لها ذلك، ولكن البيئة نفسها طاردة، والمُمسكين بزمام الأمور، ممن بيدهم انتشال تلك المشاريع من عوزها وحاجتها وأدوات استمرارها، لا وقت لديهم للالتفات إلى تلك النوعية من المشاريع، وأحياناً ترى فيها مزاحمة لها، وتشويشاً على الضامر مما تقدمه بعض المؤسسات الرسمية للناس من مشاريع، أو تلك التي تنشغل بأشكال من المشاريع والأنشطة التي هي موجَّهة أساساً إلى النخبة.
الموسوي أشار إلى تجربة جماعة «وجود»، وما حدث لإصدارها الأول «موطئ وطن»، الذي تلقَّى «صفعة» بدل أن يتلقَّى دعماً من جانب الجهات الرسمية، بتكفِّل الجماعة بطباعته، حيث تم إيقاف توزيعه في معرض الكتاب الأخير! ربما يكون ذلك شكلاً من أشكال الدعم التي خفيت علينا وعلى الجماعة!
الموسوي لم يأتِ بجديد، لكن أهمية ما طرحه أنه مسكوت عنه، ولا يُراد له أن يطفو على سطح المعالجات، وتشخيص واقع التعاطي الرسمي مع الثقافة التي لا تخرج من فضائها وحدودها، وليست محسوبة على جهاتها. أوضح أن «ظهور المُبادرات والكيانات غير الرسمية له أسبابه (...) وأهمها أن تجد وتخلق لنفسها موطئ قدم على المشهد، لأنه صار من الواضح عجز المؤسسات الرسمية المعنية عن احتواء وإنصاف الجميع، وهي بطبيعة الحال تعطي أولوية لمشاريع قد لا يكون من بينها أو على رأسها المبدع المحليّ».
اختفاء المشاريع سِمَة من سمات منطقتنا، والمنطقة العربية عموماً، وما من مشروع جاد وذي قيمة، ويحقق نتائج إلا وثمة ظروف يتم إيجادها كي يتوارى ويتلاشى، ويصبح جزءاً من الذاكرة، هذا إذا تم الالتفات إلى الذاكرة أساساً!
تبقى القضية الأهم، هو انتباه المشاريع الموزَّعة هنا وهناك بجهود فردية في الساحة، إلى أن فرصتها في البقاء لن تتحقق ما لم يتم تجسير العلاقات بينها، والتنسيق في أنشطتها، وتبادل العناصر بينها، والمشاركة في الخبرات، ومحاولة الوقوف على صيغ جديدة لتقديم المنتج أو الفعالية أو الحدث، بعيداً عن فضاءاتها التقليدية، ربما تبرز إحدى الصيغ المُقترحة تلك في الذهاب إلى الناس حيث هم، وكسر نمطية الأمكنة التي تدور في حدودها تلك الفعاليات والأنشطة؛ علاوة على تفعيل خاصيات في المنصات تتحدد في البث المباشر، وغيرها من الإمكانات التي وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 5124 - الجمعة 16 سبتمبر 2016م الموافق 14 ذي الحجة 1437هـ
أحسنت يا جعفر ....وضعت يدك على الجرح
ستبقى وجود على قيد الوجود ♥️ دمتم مبدعين