العدد 2 - السبت 07 سبتمبر 2002م الموافق 29 جمادى الآخرة 1423هـ

الجمع بين النقيضين: أحادية الاستمرار وفك الحصار

ثوابت نظام «الانقاذ» السوداني وتكتيكاته السياسية

محمد أبوالقاسم حاج محمد comments [at] alwasatnews.com

.

في موازاة جون قرنق، لايقل الانقاذيون «دهاء» ومكرا، بعد أن ذاقوا مرارة عزلتهم سودانيا وإقليميا وعربيا ودوليا. فقد اخذو بالاستئساد على دول الجوارالاقليمي ضمن توهمات مشروعهم الاسلامي الحضاري العالمي فجعلوا منه غزوا لها وحاولوا اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أثيوبيا بتاريخ 25 مايو/ أيار 1995، فحوصروا إقليميا، ومهما كان الانفراج الراهن فهناك محاذير.

وعربيا حوصروا إثر مواقفهم التي أخذتها عليهم سلبا دول مجلس التعاون الخليجية أثناء وبعد الغزو العراقي للكويت العام 1991.

ودوليا حوصروا إثر قرارات الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في نوفمبر/ تشرين الثاني 1996 وقرار مجلس الأمن رقم 1054 في العام نفسه وهي قرارات قضت بالحظر على حركة الطيران السوداني والتجارة وحركة المسئولين السودانيين، ثم دعمت هذه القرارات بإصدارات الكونغرس الأميركي صاحبة الأرقام 75 و109 و1453 في العام 1997 التي جاءت بعد نقل طاقم السفارة الأميركية من الخرطوم إلى نيروبي مطلع يناير/ كانون الثاني 1996.

وسودانيا حوصروا وحتى اليوم، بسبب إسرافهم في ممارسة فن السيطرة والتعزز بالقوى الأمنية الضاغطة على حساب «فن السلطة» وعجزهم عن الجمع بين الدعاوى الآيديولوجية للمشروع الإسلامي وموجبات الوحدة الوطنية والتنمية وفق مشروع وطني استراتيجي وتحويل مؤسسات الدولة إلى مؤسسات للحزب الحاكم مع استثناء المجتمع وقواه إلا الموالين، فهمّشوا المجتمع ومؤسسات الدولة معا وزادوا الى ذلك انقسامهم فيما بينهم حين انقضّوا على شيخهم وعرّابهم الدكتور حسن الترابي فأقصوه من رئاسة مجلسهم الوطني وزعامة حزبهم في 12 ديسمبر/ كانون الاول 1999، ثم أودعوه السجن منذ 22 فبراير/ شباط 2001 وإلى اليوم تعلّلا بتوقيعه «مذكرة تفاهم» مع حركة قرنق في جنيف بتاريخ 20 فبراير 2001.

رأى الانقاذ بعدها أن عليه أن ينهج نهجا يبقيه في السلطة بمنطق أحادي من ناحية وأن يفك الحصار عنه سودانيا وإقليميا وعربيا ودوليا في الوقت ذاته فكيف يتم الجمع بين النقيضين: أحادية الاستمرار وفك الحصار.

ركزوا جهدهم على منطق «الصفقات الثنائية» وبنهج «براجماتي» أدائي أو أدواتي للغاية، بادئين بالولايات المتحدة لاستقطابها بالكيفية ذاتها التي حاولها جعفر نميري منذ توقيع اتفاق أديس أبابا بينه وبين القائد الجنوبي جوزيف لاغو بتاريخ 26 فبراير 1972 حين تم الاتفاق برعاية اثيوبية وتحت مظلة أميركية، ما أغضب الرئيس المصري آنذاك أنور السادات بما فسر أنه خروج سوداني عن «بيت الطاعة» المصري.

وعلى نهج نميري أرادوا أيضا إغراء أميركا وعبر اللوبي النفطي ليكون لهذا اللوبي القدح المعلاّ في استثمارات نفط السودان، وبالكيفية ذاتها التي كان عليها الامر مع شركة شيفرون الأميركية من اكتشاف النفط في الجنوب (1981/ 1984).

«وكعربون» مقدم لأميركا وقعوا «اتفاق جبال النوبا» في سويسرا. ثم أرادوا أن تكون واشنطن لهم وليس لقرنق، وذهب وفدهم إلى مشاكوس بهذه المعادلة.

ولكنهم فوجئوا كما فوجئ قرنق نفسه، فلأميركا مخططها الخاص الذي لايرتبط بأي «صفقة ثنائية» لا مع الانقاذ ولا مع قرنق، ففوتت على الاثنين معا لعبة الثوابت النقيضة والتكتيك. فأجبرتهما في الساعات الأولى من صباح العشرين من يوليو/تموز 2002 على إعادة حقائبهما وتوقيع «مذكرة التفاهم». هكذا قطعت أميركا الطريق على مناورات الطرفين، ثم استعادتهما مجددا لتوقيع اتفاق معلوم لديها جيدا، يفتح الطريق لسلام وهيمنة أميركيتين على مدى البحيرات الاستوائية العظمى وشرق إفريقيا والقرن الافريقى. فيتحقق منطق الشراكة الأميركية في القارة في موازاة «الفرانكفونية» الفرنسية ورابطة الكمنولث البريطانية.

وفي الجعبة الأميركية مفاجآت أخرى، للجنوبيين من غير قرنق، وللشماليين من غير الانقاذ. «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم» - (البقرة/ ج 2/ الآية 216). فالعامان المقبلان سيشهدان الكثير، فواشنطن لا تنتظر ست سنوات تتأرجح وتتراوح فيها بين ثوابت كل طرف وتكتيكاته.

سياسي، وكاتب سوداني

العدد 2 - السبت 07 سبتمبر 2002م الموافق 29 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً