حين انعقدت قمة الارض في ريودي جانيرو (البرازيل) في العام 1992 كان العالم يعيش لحظات الانتصار الاميركي في حرب واشنطن «الباردة» ضد خصمها الاتحاد السوفياتي. وموسكو كانت تمر في لحظات بؤس. العدو انتصر والكرملين يبحث في العواصم الاوروبية عن مساعدات تبقي روسيا على قيد الحياة.
وصل جورج بوش الأب إلى مكان القمة و «البخور» الاميركي يخيم وينتشر كالمظلة فوق رؤوس بعثات الدول المشاركة في المؤتمر. الكل ينتظر المنتصر حاملا الهدايا والوعود في فترة اعتقد البشر دخول عصر الهناء والسكينة والتعايش... والعدالة في توزيع ثروات الأمم.
واجه بوش الأب منذ وصوله إلى ريو رؤساء الارض يطالبونه بالمال والغاء الديون والمساعدة في مكافحة البطالة والفقر والامية وحماية البيئة. رد بوش آنذاك في خطاب شهير احبط «قمة الارض» من يومها الاول: أنا رئيس الولايات المتحدة ولست رئيسا للعالم.
وبدأ «البخور» الاميركي بالانقشاع ليكشف عن فواجع وحروب صغيرة: البلقان في أوروبا، قبائل التوتسي والهوتو في بورندي ويوغندا والدول المحيطة ببحيرة فكتوريا في قلب افريقيا، جورجيا والشيشان وأرمينيا واذربيجان في آسيا الوسطى، وأخيرا فلسطين والعراق وافغانستان.
اكتشفت «الارض» في قمة ريو ان الدول الكبرى ليست جمعيات خيرية توزع الخبز والمال على المحتاجين والفقراء. وتوصلت القمة إلى سلسلة قرارات قيل ان الدول الغنية وعدت الدول الفقيرة بتنفيذها. وقال الكبار للصغار: اعطونا فرصة وستجدون ما يفرح الارض في موعد القمة المقبل في جوهانسبرغ في العام 2002.
ومضت السنوات العشر وجاء العالم إلى «قمة الارض» وقاطعتها الولايات المتحدة بذريعة ان الأوان الآن هو لمحاربة الارهاب وليس لدينا الوقت لمكافحة الفقر. الارهاب اولا وثانيا وثالثا... بعدها تأتي الحرب على الفقر.
حتى القرارات المتواضعة التي توصلت اليها دول قمة الريو قبل عشر سنوات ترددت الدول الغنية في تنفيذها. فهي كالقرارات التي تصدرها قمم جامعة الدول العربية.
توصل المجتمعون في الريو إلى الاتفاق على خطة مؤلفة من 153 بندا لم تنفذ الدول الغنية بندا منها. حتى طلب زيادة مساعدات الدول الغنية للدول الفقيرة إلى نسبة 0,7 في المئة من الناتج المحلي انخفض من 0,3 في المئة في العام 1992 إلى 0,2 في المئة في العام 2002، فالمؤشر العام تراجع بعد ان كان الوعد برفعه.
حتى مطالبة جمعيات حماية البيئة ومكافحة التلوث الذي تنفثه مصانع الدول الغنية لم تتم معالجته على رغم الخطط النظرية لوقف الاتجاه التدميري لموارد الارض. فالعلماء يتوقعون حصول كارثة بيئية عالمية بين العام 2035 والعام 2050 والدول الصناعية تتجاهل كل القرارات المتعلقة بهذا الشأن.
اما الديون الخارجية للدول الفقيرة النامية فقد ارتفعت من 90 مليارا في 1970 إلى 2000 مليار دولار في مطلع القرن الجاري. والتوزيع العادل لثروات الامم المتحدة بات اسوأ. فبسبب انهيار المنافس الدولي نجحت 51 شركة ضخمة (كارتيلات) في السيطرة على معظم الاقتصاد العالمي. فالقلة تسيطر على الكثرة. والشمال يحتكر المال ويستنزف الجنوب. ودخل الفرد في افريقيا مثلا تراجع في العقد الاخير بعد ان شهد فترة نمو وجيزة.
العالم يموت جوعا والدول الصناعية تنفق 300 مليار دولار سنويا لدعم زراعاتها المحلية، بينما «الارض» حائرة في مستقبلها بين الريو وجوهانسبرغ
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2 - السبت 07 سبتمبر 2002م الموافق 29 جمادى الآخرة 1423هـ