يعيش كل من الفرنسي جدا فيليب كاموس والالماني نوعا ما رينييه هيرتريتش حلم جميع الاوروبيين. يهدف الرئيسان التنفيذيان لشركة دفاع الطيران والفضاء الاوروبية التي تمتلك 80 في المئة من الشركة المصنعة لطائرات الايرباص، إلى تقديم مثل على الوحدة الأوروبية. لكن حزب المحافظين البريطانين، الذي يعتقد ان الأوروبيين لن يتمكنوا من العمل معا أبدا، لابد ان أعضاءه ينتظرون بتحفز رؤية هذا المشروع يفشل.
تشكلت (إيادز) شركة دفاع الطيران والفضاء الأوروبية العام 2000 عن طريق اندماج اثنتين من اكبر شركات الدفاع في فرنسا وألمانيا، وشركة اخرى أصغر اسبانية. وبالتأكيد اذا كانت شركات تصنيع القنابل النووية والطائرات المقاتلة بإمكانها التوحد، أفليس باستطاعة الحكومات الأوروبية ان تقوم بالخطوة نفسها؟
لكن احدى اكبر المشكلات التي تواجه شركة دفاع الطيران والفضاء الأوروبية تتمثل في ان العلاقات الأوروبية لم تكن سهلة وبسيطة قط. يقول هيرتريتش: «نحن في أوروبا لانزال نفتقد الحوار العام والنقاش المتبادل عن مجال الدفاع عامة». إدارة الشركة ايضا تفتقر إلى البساطة، وهي ثاني اكبر شركة دفاع في اوروبا بعد الشركة البريطانية العملاقة لتصنيع الاسلحة. في عالم مثالي ليس من المفترض أن يتشارك كاموس وهيرتريتش في منصب الرئيس التنفيذي، لكنهما يجب أن يتشاركا لأسباب سياسية. كاموس يصور الموضوع على أنه أمر مؤقت لاسترضاء نقابات التجارة الوطنية وكذلك الحكومات التي هي أهم زبائنه.
ويستطرد قائلا: «يجب أن نكون حذرين بألا نعطي انطباعا بأن الفرنسيين أو الألمان قد سيطروا على الشركة».
عادة ما يكون وجود اثنين يتشاركان في أعلى منصب في شركة وصفة مناسبة لحدوث كارثة. لكن يبدو ان كاموس وهيرتريتش مستمران ومتفاهمان، فهما يشتركان في المؤتمرات الصحافية والحفلات الرسمية، يقول كاموس: «لا يوجد بيننا أي خلاف وعادة ما نتفق». أحد الاسباب التي تجعلهما هكذا هو أنهما يتشابهان كثيرا. يقول أحد المطلعين في الشركة: «الاثنان حققا نجاحا في مهنتهما في الدوائر المالية لشركاتهما، لذلك فإن طريقة تفكيرهما متشابهة إلى حد كبير كما أنهما يؤمنان بالقيم والمعتقدات السياسية نفسها فهما ليبراليان معتدلان وليسا محافظين أو اشتراكيين».
ويسعى الرجلان إلى التأكد من أن الخلاف على المكان الذي ستصنع فيه طائرة الإيرباص الجديدة الجامبوA083 لن يتكرر، فكل من فرنسا وألمانيا ارادتا شريحة من العمل. وأخيرا تم التوصل إلى تسوية حيث ستصنع الطائرات في تولوز ومن ثم تطير الى هامبورج حيث يتم تركيب الجسم الداخلي للطائرة.
يعد مستقبل هذه الطائرة السوبر جامبو مهما جدا وخطيرا، فشركة ايرباص تزود ما يقارب ثلثي مبيعات شركة دفاع الطيران والفضاء الاوروبية، لكن بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول انخفض الطلب على الطائرات التجارية. لذلك فإن على الشركة أن تبرر قرارها الاستمرار في مشروع الاستثمار الضخم لتطوير طائرة A083.
الايرباص هو مشروع مشترك بين شركة دفاع الطيران والفضاء الأوروبية وشركة الدفاع البريطانية للأسلحة. وهو مجرد مشروع من بين عدة مشاريع أخرى تمتلك الشركة البريطانية للأسلحة عشرين في المئة من شركة الايرباص والشركتان شريكتان في شركة تصنيع الصواريخ والمقاتلة الاوروبية الجديدة.
والمحصلة ان 70 في المئة من اعمال شركة دفاع الطيران الأوروبية مشاريع مشتركة مع الشركة البريطانية.
وقد كانت الشركة البريطانية للاسلحة تنوي في وقت ما ان تصبح جزءا من شركة دفاع الطيران والفضاء الأوروبية وفق اندماج مخطط له في العام 1999 لكن النزاعات السياسية حينها لم تسمح بذلك. وعلى رغم التخمينات لا يرى هيرتريتش ان المبادرة سيتم احياؤها مرة أخرى. يقول: «سيخلق الاندماج نوعا من الاحتكار في أوروبا. وهذا أمر لا يصب في مصلحة الصناعة ولا في مصلحة الزبون، اذ ان ذلك سيقود الحكومات الاوروبية اوتوماتيكيا إلى التعامل مع الشركات الاميركية. ولا اعتقد ان الدمج سيكون شيئا قيما على المدى القصير والطويل».
وعلى رغم أن الشركة تحتل مركزا قويا في القارة الأوروبية فإن المبالغ الكبيرة لا تأتي من هناك. الحكومة الفرنسية من أهم زبائن الشركة، لكن الحكومة الالمانية ليست كذلك. فعلى سبيل المثال تقوم الحكومة الالمانية بتأخير الطلبيات لأهم طائرة نقل عسكرية تنتجها الشركة وهي . A 004M
وتتمتع الشركة البريطانية بعلاقة اكثر قربا من الحكومة الاميركية من شركة دفاع الطيران والفضاء الاوروبية. فقد سمح لها بشراء صفقات وأعمال شديدة الحساسية في أميركا. وهي ايضا تبيع معدات إلى اميركا أكثر من بيعها لبريطانيا. طبعا للولايات المتحدة ميزانية دفاع ضعف ميزانية دفاع جميع اعضاء الاتحاد الاوروبي. والشركة الاوروبية بحاجة إلى أن تتبع خطى الشركة البريطانية وتدمج نفسها مع أكبر زبون للأسلحة في العالم.
لكن مكانة الشركة البريطانية للأسلحة هي جزئيا محصلة علاقة متينة بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وأصبحت اكثر قوة بسبب دعم طوني بلير الملتزم للولايات المتحدة في استراتيجيتها بعد الحادي عشر من سبتمبر. وعلى النقيض فإن حكومات شركة دفاع الطيران والفضاء الاوروبية كانت دائما اكثر تشكيكا.
يقول ستيفن اريس في كتاب جديد عن طائرة الايرباص بعنوان «قريب من الشمس»: «البعض يرى ان دور بريطانيا في حكاية الايرباص مجازا يوضح علاقة بريطانيا الكلية مع أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. فهي تجسد علاقة الحب والكراهية بين بريطانيا والفرنسيين، ومشاعرها الغامضة مع الألمان، واكثر من ذلك الانقسام في العقل البريطاني حول ما اذا كانت بريطانيا دولة أوروبية أم أميركية».
مع ذلك فإن شركة دفاع الطيران والفضاء الاوروبية بدأت تكسب مكانة في الولايات المتحدة. فقد وقعت الاسبوع الماضي اتفاقا لتبادل التكنولوجيا حول انظمة الدفاع الصاروخي - وهي احدى القضايا الشائكة الشديدة السرية في مجال هذه الصناعة - مع منافستها الكبرى شركة بوينج. لكن الحكومات المختصة يجب ان تتوصل إلى اتفاق، والموافقة في الولايات المتحدة ستتطلب ستة إلى تسعة شهور.
سيكون التوسع داخل الولايات المتحدة وبناء الثقة أمرا صعبا للغاية. يقول ديفيد مولهولاند رئيس تحرير صفحة التجارة والاعمال في مجلة (جين ديفينس ويكلي) والتي هي بمثابة الكتاب المقدس في هذه الصناعة «لا يبدو ان هناك حظوظا قوية في الوقت الراهن. لكن هناك الكثير من التحركات في مجال التحكم في تصدير التكنولوجيا وانسجامها بين الولايات المتحدة وبريطانيا. فيما تستمر هذه العملية ستزيد فرص الشركة الاوروبية في الحصول على عقود مربحة».
ويضيف قائلا: «هناك الكثير من الخلاف. هناك الكثير من الاشخاص في وزارة الدفاع الاميركية الذين لا يثقون بالفرنسيين ويبقون السر سرا».
ومع ذلك فإن كاموس - يجادل بان العلاقة اقوى بكثير. يقول: «في تاريخ اوروبا الجميع كانوا يتحاربون ضد بعضهم بعضا. لكن بلدين فقط لم يتحاربا، هما: فرنسا واميركا. لذلك يعتقد الفرنسيون انهم يستطيعون التحدث بحرية اكثر من غيرهم، وهذا لا يعني اننا غير متفقين».
ربما يستطيع كل من هيرتريتش وكاموس أن يكونا الرائدين الاوروبيين بجدارة لكن ان يصبحا اكثر شهرة على الجانب الآخر من المحيط الاطلنطي فذلك الأمر سيتطلب عملية ذات دقة عسكرية، والمؤسسات الاوروبية الشاملة لها تاريخ قليل في هذا المجال.
خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط
العدد 2 - السبت 07 سبتمبر 2002م الموافق 29 جمادى الآخرة 1423هـ