أشار التقرير الاقتصادي العربي الموحد للعام 2002 الصادر عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وصندوق النقد العربي، ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط، إلى أن الاقتصاد الفلسطيني شهد في العام 2001 دمارا لم يسبق له مثيل، شمل القطاعات الاقتصادية كافة بما فيها البنى الأساسية التي شيدت عبر عشرات السنين. كما دُمرت مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية التي شيدت بعد اتفاق أوسلو خلال الفترة الانتقالية من 1994 إلى 2000، وقد اتصف الدمار بالشمول ليطال كافة الأراضي الفلسطينية، والقطاعات، والأنشطة، والمباني، وتجريف الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار المثمرة.
وقد أدى ذلك إلى تدني أداء الاقتصاد الفلسطيني بنسبة تزيد على 55٪ مقارنة بالأعوام السابقة، وتراجع كافة مؤشرات أداء القطاعات الاقتصادية، وتفشي البطالة لتصل إلى معدلات تتراوح بين 80 و85٪، وتراكم الدين العام ليتخطى المليار ونصف المليار دولار. وقد قدرت المصادر الدولية خسائر الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2001 بحوالي 7,5 مليارات دولار.
فقد تأثر أداء الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2001 بمجريات الانتفاضة الفلسطينية وما واكبها من ممارسات إسرائيلية قمعية وتدميرية. حيث فرضت إسرائيل حصارا شاملا على الاراضي، وأحكمت إغلاقها، وعزلت الأراضي الفلسطينية عن العالم، فأغلقت الحدود والمنافذ المحلية والدولية. وقطعت أوصال الأراضي الفلسطينية وقسمتها إلى 115 جزءا، ومنعت الانتقال بين المدن الفلسطينية بإقامة الحواجز المسلحة، وحفرت الطرق الرئيسية بعمق وعرض خمسة أمتار.
السكان والعمالة والبطالة
بلغ إجمالي عدد السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة العام 2001 حوالي 3,47 مليون نسمة، يوجد منهم حوالي 60٪ في الضفة الغربية 2,1 مليون و1,4 مليون في قطاع غزة. ويبلغ معدل النمو السكاني السنوي في كليهما 4,5٪. أما حجم قوة العمل فبلغ حوالي 950 ألف نسمة، يعمل منهم فقط 218 ألفا، أي ما يعادل حوالي 23٪ من إجمالي قوة العمل، يعمل منهم في السلطة الوطنية الفلسطينية 132 ألفا.
ان ذلك يعكس حجم الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون في إيجاد فرص عمل نتيجة ظروف الحصار والإغلاق والصعوبات التي تواجهها السلطة الوطنية في سداد مرتبات القوى العاملة نتيجة نقص مواردها المالية. تصل نسبة العمالة في قطاع الزراعة 13,2٪ والصناعة 6٪ وقطاع البناء والتشييد 3,4٪ وقطاع الخدمات 13,8٪.
الناتج المحلي الإجمالي
انخفض الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني العام 2001 ليصل إلى 1466 مليون دولار مقارنة بنحو 4579 مليون دولار العام 2000، كما انخفض الناتج القومي ليصل إلى 2127 مليون دولارا العام 2001 في حين بلغ نحو 5466 مليون دولار العام .2000 وبعد أن حقق الاقتصاد الفلسطيني معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة الانتقالية من 1994 إلى 2000 بلغت في المتوسط حوالي 5,5٪ سنويا، أدت الظروف والأوضاع الراهنة إلى تدني معدلات أداء الاقتصاد الفلسطيني وتراجعه بأكثر من 60٪ العام 2001.
لقد نتج عن ذلك تدني نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 422 دولارا فقط في العام 2001، مقارنة بنحو 1420 دولارا العام 2000 ونحو 1606 العام 1999. كما انخفضت معدلات الاستثمار بصورة واضحة، وانعدام الاستثمار العام لعدم توفر أي إمكانات لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، كما أدت عوامل عدم الاستقرار وانعدام الأمن في الأراضي الفلسطينية إلى تقلص الاستثمار الخاص، حيث لم يتعد 120 مليون دولار العام 2001 مقارنة بنحو 1257 مليون دولار العام 2000.
كما انخفضت معدلات الاستهلاك العام والخاص، فانخفض الاستهلاك العام إلى 900 مليون دولار بعد أن بلغ نحو 1094 مليون دولار العام 2000، كما انخفض الاستهلاك الخاص إلى نحو 1200 مليون دولار العام 2001، مقارنة بنحو 4727 مليون دولار العام 2000، ويعكس كل ذلك سوء الأحوال الاقتصادية بالأراضي الفلسطينية، ووصول الاقتصاد الفلسطيني إلى مرحلة اقرب إلى التوقف التام خلال العام 2001.
أداء القطاعات الاقتصادية
تشير تقديرات المؤشرات الأساسية، إلى تدني معدلات الأداء في مختلف القطاعات خلال العام 2001، وتدني مساهماتها جميعا في الناتج المحلي الإجمالي. فقد بلغت مساهمة القطاع الزراعي نحو 12٪ وقطاع الصناعة نحو 8٪ وقطاع البناء والتشييد نحو 5٪. وقد برزت مساهمة الجمعيات الأهلية والمعتمدة بشكل أساسي على المعونات الخارجية في توليد الناتج المحلي الإجمالي في العام 2001 لتصل مساهمتها مع قطاعات الخدمات الأخرى إلى 75٪.
القطاع الزراعي
زادت مساهمة القطاع الزراعي في توليد الناتج المحلي العام 2001 إلى نحو 12٪ مقارنة بنحو 6٪ العام 2000، وتعود هذه الزيادة إلى الانخفاض الكبير نسبيا لمساهمة القطاعات الأخرى. حيث توقف البناء والتشييد، ودمرت اكثر من 75٪ من المصانع والمعامل والورش الصناعية، وتوقفت السياحة، وانخفضت التجارة بمعدلات غير مسبوقة. وبالرغم من زيادة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها كقيمة مضافة لم تتعد 176 مليون دولار العام 2001 مقارنة بنحو 275 مليون دولار العام 2000. وتعود أسباب هذا التدني إلى تجريف أكثر من 220 ألف دونم من المزروعات، واقتلاع أكثر من نصف مليون شجرة مثمرة من الحمضيات والنخيل والزيتون، وتجزئة الأراضي الفلسطينية وعزلها وتلف منتجاتها، وعدم دخول مدخلات الإنتاج الزراعي من بذور وأسمدة، ومبيدات وآلات زراعية، وتدمير آبار المياه واستنزافها عن طريق المستعمرات، كما تعمدت إسرائيل إتلاف الثروة الحيوانية وحرمانها من الأمصال والأعلاف ومنع الصيادين الفلسطينيين من الصيد في المياه الدولية.
القطاع الصناعي
تراجعت مساهمة القطاع الصناعي في توليد الناتج المحلي الإجمالي العام 2001 إلى 8٪ مقابل 18٪ العام 2000. وانخفضت قيمة مساهمة القطاع الصناعي من نحو 824 مليون دولار العام 2000 إلى نحو 117 مليون دولار العام 2001، وانخفض أيضا عدد العمال الذين يشتغلون في هذا القطاع من نحو 82 ألف عامل من عام 2000 إلى نحو 17 ألف عامل في العام 2001. وتعود أسباب هذا التراجع إلى تعرض معظم المصانع والمعامل والورش الفلسطينية 75٪ إلى التوقف الكامل اما نتيجة التدمير المباشر لها أو نتيجة حرمانها من مدخلات الإنتاج الضرورية وقطع الغيار اللازمة.
قطاع البناء والتشييد
تراجع نصيب مساهمة قطاع البناء والتشييد في توليد الناتج المحلي عام 2001. بعد أن كان رائدا نتيجة حركة إعادة البناء والاعمار خلال الفترة الانتقالية، واسهم في المتوسط بنسبة 25٪ في توليد الناتج المحلي خلال الأعوام من 1994 إلى 2000 وبقيمة بلغت 49 مليون دولار، انخفضت مساهمته إلى 5٪ فقط في العام 2001 وبقيمة بلغت نحو 7 ملايين دولار. وانخفض عدد العاملين في القطاع من 100 ألف في المتوسط سنويا إلى نحو 7,2 آلاف العام 2001. وترجع أسباب هذا التراجع إلى احجام المستثمرين عن الاستثمار في هذا القطاع خوفا من الهدم والتدمير الإسرائيلي وتراجع الطلب على المساكن، وإغلاق المنشآت السياحية.
قطاع الخدمات
تميز الاقتصاد الفلسطيني خلال الأعوام الماضية بتغلب المجال الخدمي في توليد الناتج المحلي وبلغت مساهمته في المتوسط خلال تلك الفترة نحو 50٪. إلا انه وفي العام 2001 انخفضت مساهمته إلى حوالي 15٪ فقط. وانخفض عدد العاملين في هذا القطاع من نحو 349 ألف عامل العام 2000 إلى نحو 158 ألف عامل العام 2001. وإذا استثنينا عدد العاملين في القطاع العام والبالغ عددهم 147 ألف عامل سنويا، سيتضح مدى الانخفاض الكبير في العام 2001 حيث بلغ نحو 11 ألف عامل فقط.
تعود أسباب هذا الانخفاض إلى التدهور الشديد الذي شهده قطاع السياحة وبالتالي الخدمات الأخرى المرتبطة به من فنادق ومطاعم. فقد حالت الأوضاع الأمنية دون تدفق السياحة إلى الأراضي الفلسطينية وأغلقت اكثر من 90٪ من المطاعم والفنادق والمزارات السياحية وتراجع الاستثمار في المنشآت السياحية. كما تدهورت خدمات التعليم والصحة، بفعل تدمير عدد من المؤسسات التعليمية والصحية.
قطاع التجارة الخارجية
يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل مطلق في تجارته الخارجية على إسرائيل ويتراوح هذا الاعتماد بما نسبته 92 إلى 97٪ من الصادرات والواردات الفلسطينية، أما النسبة المتبقية والتي تذهب إلى مصر والأردن وأوروبا فتواجه قيودا صارمة وتتم تحت مراقبة وموافقة إسرائيل. فتراجعت الصادرات الفلسطينية من السلع والخدمات من 857 مليون دولار العام 2000 إلى نحو 110 ملايين دولار فقط العام 2001، كما تراجعت الواردات من نحو 3494 إلى نحو 970 مليون دولار العامين 2000 و2001 على التوالي.
بلغ العجز في الميزان التجاري نحو 860 مليون دولار العام 2001. كما انخفضت حصيلة الصادرات الفلسطينية لتشكل نحو 7٪ فقط من الناتج المحلي العام 2001 بعد أن بلغت نحو 20٪ العام 2000، كما بلغت نسبة الواردات إلى الناتج المحلي نحو 67 ونحو 76٪ العامين 2000 و2001 على التوالي.
التطورات المالية
تشير التقديرات الأولية إلى تراجع النفقات العامة خلال العام 2001 إلى نحو 990 مليون دولار بعد أن بلغت نحو 1364 مليون دولار العام 2000 وفي الواقع فقد واجهت السلطة الوطنية صعوبات بالغة خلال العام 2001 في تدبير الموارد الضرورية اللازمة بعد أن انقطعت الموارد التقليدية وأوقفت إسرائيل تحويل مستحقات السلطة الوطنية من الرسوم الجمركية. وقد ساهم العون العربي إلى حد كبير في تذليل بعض الصعوبات التي واجهتها السلطة الوطنية. فقدمت الحكومات العربية دعما في شكل منح وقروض من خلال صندوقي الأقصى والقدس الشريف، وتراوحت المنح الحكومية ما بين50 و60 مليون دولار شهريا.
لم تتعد إيرادات السلطة الوطنية خلال العام 2001 مبلغ 170 مليون دولار ويشكل ذلك 17٪ فقط من إجمالي النفقات، في حين بلغت إيراداتها خلال العام 2000 حوالي 964 مليون دولار، وقد خصصت كافة الإيرادات لتغطية النفقات الجارية. ولم يتم صرف أي منها على الاستثمار، في حين بلغت نسبة النفقات الاستثمارية في موازنة السلطة العام 2000 حوالي 3٪. تضاعف العجز في موازنة السلطة وبلغ نحو 820 مليون دولار العام 2001 مقارنة بنحو 400 مليون دولار العام 2000. تمت تغطية العجز من العون والاقتراض الخارجي حيث قدرت الديون المتراكمة على السلطة العام 2001 بنحو 1570 مليون دولار.
لم يسهم الجهاز المصرفي بما يشتمل عليه من 15 مصرفا و85 فرعا لها، بفعالية خلال العام 2001 نتيجة تراجع الإنتاج الفلسطيني بشكل عام وبالتالي توقف المدخرات وتراجع التحويلات. وأدت ظروف عدم الاستقرار وانعدام الفرص الاستثمارية ونقص الودائع إلى تراجع عمل المصارف وصعوبة القيام بدورها في المجال الاقتصادي والتنموي. وأدى ذلك إلى قيام معظم المصارف بتحويل أرصدتها إلى الخارج في ضوء تراجع حركة النشاط في الاقتصاد الفلسطيني.
وعموما، تراجعت الموجودات الأجنبية المجمعة للبنوك بنحو 48٪، فبعد أن بلغت 2,3 مليار دولار العام 2000 أصبحت 1,2 مليار دولار فقط العام 2001.
أودعت أغلب الموجودات وبما يفوق 80٪ منها في الخارج بحثا عن الضمانات والأمان والعائد المجزي. وصاحب هذه المؤشرات تقلص في التسهيلات الائتمانية والتمويل الاستثماري والقروض على رغم زيادة الطلب والحاجة إلى القروض قصيرة الأجل. ولم يتجاوز إجمالي القروض التي قدمتها البنوك للقطاع الخاص 190 مليون دولار العام 2001 في حين بلغت 490 مليون دولار العام 2000 وبلغت نحو 894 مليون دولار العام 1999. زاد من حدة تراجع فعاليات الجهاز المصرفي انخفاض قيمة الشيكل الإسرائيلي خلال العام 2001 بنسبة 30٪ وذلك على فترات متعددة خلال العام. خلف ذلك آثارا سلبية على الاقتصاد الفلسطيني خاصة وان الشيكل يستحوذ على ما يقارب 70٪ من حجم التعاملات في السوق الفلسطيني، ولم تتمكن سلطة النقد الفلسطينية من الحد من هذا الأثر.
قدمت الدول العربية من خلال صندوقي الأقصى والقدس الشريف دعما لموازنة السلطة خلال العام 2001 بلغ حوالي 159 مليون دولار إضافة لمساهمات اجتماعية بحوالي 350 مليون دولار.
كما يقدر الدعم الأجنبي العام 2001 بنحو 370 مليون دولار مقارنة بنحو 137 مليون دولار العام 2000 بالإضافة إلى التبرعات والهبات العينية من المنظمات الأهلية والإنسانية غير الحكومية. إذ تشير بعض التقارير الدورية الصادرة عن جهات دولية إلى حاجة الاقتصاد الفلسطيني إلى دعم يتراوح بين 7و8 مليارات دولار لإعادة اعمار وتنشيط الاقتصاد الفلسطيني، وإرساء البنية الأساسية وإيجاد فرص عمل للفلسطينيين.
العدد 2 - السبت 07 سبتمبر 2002م الموافق 29 جمادى الآخرة 1423هـ