العدد 5121 - الثلثاء 13 سبتمبر 2016م الموافق 11 ذي الحجة 1437هـ

الأميركيون من أصل إفريقي يربحون معركة إقامة مُتحف لتاريخهم وثقافتهم

يحتاج المتحف إلى جمع 270 مليون دولار وصولاً إلى افتتاحه
يحتاج المتحف إلى جمع 270 مليون دولار وصولاً إلى افتتاحه

ربح الأميركيون من أصل إفريقي معركة إقامة مُتحف لتاريخهم وثقافتهم، بعد جدال طويل انتهى في العام 2003، حين سمح الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش بإقامة المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأميركية الإفريقية، ليدخل حيِّز التنفيذ، بتوقيع بوش مشروع قانون يكفل سداد الكونغرس نصف المبلغ اللازم لبنائه، وقيمته 500 مليون دولار، ليدشِّن الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بناء المشروع في العام 2013.

خطوة مثل تلك لم تخْلُ من جدل كبير في أوساط الأميركيين على اختلاف أعراقهم، وخصوصاً البِيض منهم، كون المُتحف سيُسهم إسهاماً عميقاً في إبراز وتسليط الضوء على حقبة وثقافة التمييز العنصري، التي كُرِّست لعقود، ومازال بعض آثارها قائماً حتى اليوم، على الأقل في الممارسات الأخيرة التي بدرت من قبل بعض رجال الشرطة في ولايات أميركية عديدة. نتكلم هنا عن حقبة مُورس فيها الكثير من المصادرة والتعتيم.

ملايين الزوار الذين سيرتادون المُتحف، سيقفون على تفاصيل من ذلك التاريخ الذي كان مليئاً بالدم والدموع والعنصرية.

وقتها، وتحديداً في يونيو/ حزيران 2013، قال مدير المُتحف لوني بانتش: «ندرس أفكاراً صعبة على الأميركيين. لكنك ستصل إلى الحقيقة والمصالحة ومعالجة قضايا لطالما قسَّمتنا لعقود. وحانت الفرصة لفهم تاريخ الأميركيين الأفارقة الثري؛ فضلاً عن كونها فرصة للأميركيين الأفارقة أنفسهم للتغلب على ماضٍ مؤلم».

تقرير غراهام بولي، يوم الاثنين (4 سبتمبر/ أيلول 2016)، في صحيفة «نيويورك تايمز»، يسلِّط الضوء على جوانب من المعركة، والمراحل التي مرَّت بها فكرة إنشاء المُتحف، والتداعيات التي صاحبتها على المستويين الرسمي والشعبي، نبرز أهم ما جاء فيه؛ علاوة على استرجاع جانب من تقرير لجين أوبراين من العاصمة الأميركية (واشنطن) في يونيو/ حزيران 2013، خُصِّص لـ «بي بي سي». قبل أحد عشر عاماً، كان لوني جي. بانتش الثالث (63 عاماً) مديرَ مُتحف لمُتحف غير موجود. لا أرض. لا بناء. ولا حتى مجموعة فنية.

تم تعيينه لإدارة المُتحف الوطني الوليد، للتاريخ والثقافة الأميركية الإفريقية. الفكرة نجت من عدد من المعوِّقات، واتُهمت بالعنصرية في معركة التجديد النصفي للكونغرس؛ حيث امتدَّت إلى عقود، وانتهت أخيراً في العام 2003 عندما سمح الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش بإقامته.

كان على بانتش وفريق من زملائه، العثور على عدد غير مسبوق من المانحين من القطاع الخاص، على استعداد لتمويل المُتحف؛ وتأمين مئات الملايين من الدولارات الإضافية من الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون؛ حيث حورب المشروع في سبيل ألَّا يرى النور. كما كان عليهم مواجهة جهود برزت من أجل تحديد موقع للمُتحف بعيداً عن المشهد الثقافي بواشنطن، في المجمع الوطني، ضمن مجاميع خارج نطاقه.

وبحسب بانتش الذي قال في مقابلة الشهر الماضي (أغسطس/ آب): «كنت أعرف أن الأمر سيكون صعباً، ولكن من دون معرفة مدى الصعوبة التي سيكون عليها».

وعلى رغم ذلك، وفي أقل من ثلاثة أسابيع، وبوجود الرئيس باراك أوباما، فإن المشروع التوَّاق إلى المال والأرض والدعم السياسي، من المقرر افتتاحه في المجمع الوطني.

زوَّار المبنى الذي تبلغ كلفته 540 مليون دولار، مُصمَّم بثلاثة طوابق تشبه التاج، سيواجه تاريخاً مليئاً بالمرارة تعرَّض لها الأميركيون السود بدءاً بمراحل العبودية... الإنجازات، وصولاً إلى تعقيدات الحياة الحديثة التي يعيشونها.

لكنها تبقى قصة مُقْنعة بالكيفية التي تحقَّق فيها المشروع، من خلال التضافر بين جهود بذلت في المفاوضات، والدبلوماسية، والمثابرة؛ وحتى الغرائز السياسية الماكرة.

وتضمَّنت الإستراتيجية نهجاً يؤطِّر المُتحف باعتباره مؤسسة لجميع الأميركيين، ومن بين أدواره أن يُوضح التجربة التي مرَّ بها السود، بحسب ما صرح به بانتش في أكثر من مناسبة بقوله، إنها «قصة أميركية نموذجية» قياساً بالتقدُّم الذي تم إحرازه، والإنجاز الرائع بعد مرحلة قبيحة ومُؤلمة من القمع.

ربما يقودنا ذلك إلى تساؤل تضمَّنه تقرير جين أوبراين، ليس بعيداً عن تلك المخاوف مفاده «هل يُعدُّ تخصيص مُتحف لكل جماعة - بمعزل عن مُتحف التاريخ الأميركي الرئيسي - بمثابة مزيد من التمييز لمن ينبغي لهم الاندماج في بوتقة (الانصهار) داخل المجتمع؟ وهل يمثل ذلك علاجاً للجماعات المهمَّشة»؟

يحيلنا تقرير أوبراين إلى اعترض نائب الكونغرس عن ولاية فرجينيا جيم موران، على إنشاء مُتحف يقوم على هذا الأساس، وقال أمام لجنة الكونغرس في العام 2011: «يتعلَّق الأمر بالطريقة التي نصِف بها التاريخ الأميركي وأين نقف، وربما الخطوة المقبلة ستكون للأميركيين من أصول آسيوية، وبعدهم ربما للأميركيين من أصول أيرلندية، فليلطف بنا الله».

مثل تلك المخاوف يمكن الانتصار عليها، وتظل المؤسسات التشريعية التي تكتسب قوتها من الجمهور الذي انتخب أفرادها، ضمانة في هذا الشأن، من دون أن يعني ذلك مثالية في تعاطي كل شرائح المجتمع الأميركي وأعراقه المتعددة، بأريحية بالغة مع المشروع.

تضمنت تكتيكات العمل، وتوجُّه القائمين على المُتحف، تعيين الجمهوريين للورا بوش وكولن باول في مجلس إدارة المُتحف، من أجل توسيع نطاق الدعم خارج الدوائر الانتخابية للحزب الديمقراطي.

وبدأ المُتحف جهداً استثنائياً لجمع المال من المانحين السود، كما قال بانتش، وليس المشاهير فقط، مثل مايكل جوردان الذي تبرَّع بخمسة ملايين دولار، وأوبرا وينفري، التي قدَّمت 21 مليون دولار، ولكن أيضاً من الكنائس والجمعيات النسائية والأخويات.

وتشكِّل تبرعات الأفراد الأميركيين من أصل إفريقي، ثلاثة أرباع مجموع ما تم تلقيه، وجاءت حصيلة 4 ملايين دولار من أفراد عاديين، قدَّموا أقل من 1000 دولار لكل منهم.

من جانبه قال الرئيس التنفيذي لشركة أمريكان إكسبريس، كينيث تشينولت، الذي قاد حملات التبرعات في العاصمة، إننا «كنا قادرين على رفع مستوى الوعي الذي عمل على تحريك الناس فعلاً لتقديم مساهمات صغيرة، بناء على مستوى دخلهم، وبعض منهم بناء على نسبة مئوية كانت كبيرة».

بقيت الإشارة إلى أنه تم جمع نحو 22 ألف قطعة حالياً لعرضها في المُتحف، من بينها نسخة نادرة من الكتاب المقدَّس الخاص بـ «نات ترنر»، قائد الثورة الوحيدة الفعَّالة للسود في التاريخ الأميركي العام 1831؛ حيث نشر الرعب بين البيض الجنوبيين، وأشعلت أفعاله موجة جديدة من التشريعات التي منعت التعليم والحركة والتجمُّع للسود، وازدادت معارضة مناهضي تحرير العبودية في مؤتمراتهم التي انعقدت في المنطقة حتى قيام الحرب الأهلية الأميركية.

ومن بين المقتنيات الأخرى وشاح أعطته الملكة فيكتوريا لهاريت توبمان، وقطع من كِسَر الزجاج خاصة بكنيسة ألاباما التي قتل فيها أربع فتيات في تفجير العام 1963، وأغلال لعبيد أفارقة.

وحتى يتمكَّن المُتحف من فتح أبوابه أمام الجمهور، يظل بحاجة إلى جمع 270 مليون دولار.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً