كلّ شيء في انتخابات إيران (الأمْسِيَّة) أو (الرِئاسيّة) كانت مختلفة. مَنْ كان يحقّ لهم التصويت قبل أربعة أعوام زادوا عن 42 مليون إيراني. أما اليوم فهم 46 مليونا و200 ألف ناخب، أي بزيادة أربعة ملايين ناخب بالتقريب.
أيضا لأول مرّة يجري هكذا حال، بأن يتقابل مُرشَّحَان محافظان وإصلاحيان في آن واحد. والأكثر أن يتقابل ثلاثة من المرُشّحين (إصلاحيان ومحافظ) ضد مرشّح واحد وهو الرئيس أحمدي نجاد.
والأكثر أيضا أن يتناغم مُرشّح إصلاحي وآخر محافظ ضد من يرونه خصما مُشتركا هو في الأساس ضمن الوعاء العام لليمين المحافظ. وهو ما يبدو ائتلاف «الضرورة» الخاضع للتكتيكات غير الاستراتيجية للأحزاب.
ضمن المفارقات التي شابت الانتخابات الإيرانية الرئاسية التي جرت أمس هو حجم الانقسام داخل الجناح المحافظ وبلوغه مستوى غير مسبوق. الانقسام بدأ بالتالي: افتراق التيار إلى ثلاث شُعَب، تقليدية، وتعميرية، وتقدميّة قُبيل الانتخابات الرئاسية في العام 2005.
ثم انقسام تلك الشُعَب المُنقسمة إلى كيانات فردية وجماعية ذات مزاج مُضطرب، يتمايل بعضها حينا هنا وحينا هناك، ثم تأتلف أجزاء منها لتفترق لاحقا. ثم يجمع بعضها خيط رفيع لا يلبث حتى ينقطع لصالح مناوئة جديدة.
ضمن الخط التقليدي للمحافظين تقف جمعية «روحانيت مبارز» التي تضم القيادات التاريخية لليمين المحافظ، كرفسنجاني ومهدوي كَني، وناطق نوري ومعظم قيادات البازار، بالإضافة إلى عديد من مُدرسّي الحوزة العلمية في مدينة قمّ.
وضمن الخط التعميري يقف الرئيس محمود أحمدي نجاد ومعه الكوادر الحزبية والسياسية والتنفيذية المُدرّبة والتي ظهرت على يمين اليمين التقليدي منذ العام 1997 إبّان حكومة خاتمي الأولى، ومنها مهدي جمران وبعض قيادات الحرس التي تخلّت عن بزّتها العسكرية لصالح السياسة، ومنها صادق محصولي وكامران دانشو وعلي كردان. وضمن الخط التقدّمي تظهر القيادات التكنوقراطية التي ظهرت في وسط اليمين وعلى يساره أحيانا، والتي خرجت من العباءة التقليدية بضوء أخضر ومباركة من روحانيت مبارز، وهي تضمّ القيادات الأكاديمية والعسكرية في المحافظين كـ علي لاريجاني ومحمد باقر قاليباف ومحسن رضائي ودانش جعفري.
والغريب أن هذه التقسيمات لم تعد تلتزم فيما بينها بأُطُر حزبية واضحة. فاليمين المحافظ التقليدي على سبيل المثال تعامل ببراغماتية إلى حدّ ما عندما فضّل دعم مير حسين موسوي المحسوب على الإصلاحيين ضد أحمدي نجاد المحسوب على المحافظين، ومُفضّلا ذلك على دعم محسن رضائي الذي يُعتبر الأقرب إلى نَفَس اليمين تاريخيا وفكريا وحزبيا. وربما فَعَلَ التقليديون ذلك لعدم تمثّل رضائي كرقم تنافسي صعب في وجه أحمدي نجاد.
في الجانب الآخر فإن إعلان أكثر من مئتي نائب في البرلمان الإيراني دعمهم للرئيس أحمدي نجاد خلال الانتخابات الأخيرة يُشكّل تمردا غير مسبوق داخل مجموع التمرّدات الحاصلة في جبهة المحافظين، وأيضا يُترجم حجم الولاءات المتبدلة بين صفوف الجبهة ومنتسبيها.
فالبرلمان الحالي يضم 198 نائبا محافظا أي نحو 70 في المئة، و47 نائبا من الإصلاحيين أي نحو 16 في المئة، و42 نائبا من المستقلين أي نحو 14 في المئة والذين هم أقرب إلى المحافظين منهم إلى الإصلاحيين.
وإذا ما عرفنا أن لائحتي المحافظين التي دخلت الانتخابات التشريعية السابقة وهما (الجبهة الموحدة للأصوليين والائتلاف الجامع للأصوليين) والتي ضمّت قوائم المحافظين قد أنتجت برلمانا محافظا (تقليديا) إلى حدّ ما فإن ذلك يعني أن جزءا من المحافظين التقليديين في المجلس لم يلتزموا بقرار شيوخهم في الخارج.
وفي أحوال التعميريين جرت أمور مشابهة. فمعظم المسئولين الذين خَرَجوا أو أقيلوا من حكومة الرئيس أحمدي نجاد هم اليوم في صفوف خصومه. فداوود دانش جعفري الذي كان وزيرا للاقتصاد في حكومة أحمدي نجاد قاد حملة محسن رضائي في الانتخابات الأخيرة. وبور محمّدي الذي كان وزيرا للداخلية أعلن دعمه لرضائي أيضا في وجه رئيسه السابق.
هذه التسيّب الحزبي قد يُنتج افتراقات جوهرية داخل النسيج المحافظ. وقد يُبعد أي ائتلافات جِدّية (داخل) المجلس النيابي بغرض محاسبة الحكومة أو (خارجه) عبر تعبئة الأتباع، وهو ما يعني خللا في البوصلة الرقابية في مسطرة الأحزاب السياسية للمحافظين.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2472 - الجمعة 12 يونيو 2009م الموافق 18 جمادى الآخرة 1430هـ