إذا افترضنا جدلا أن ما حدث في إيران خلال الحملات الانتخابية عبارة عن ثورة مخملية نابضة بالحياة تتطلبها العملية السياسية في هذه المرحلة التي هي فترة تجديد وترويح عن النفس وإشباعها بما تستحق من أمنيات في التغيير خصوصا لدى فئة الشباب إلا أن شخصيات إيرانية مرموقة ما كان ينبغي لها أن تنحط إلى مستوى الإسفاف في الأمر. فللمرة الأولى في تاريخ هذه الجمهورية يعبر عشرات من علماء الدين عن قلقهم وأسفهم العميقين من الضرر الذي لحق بصورة إيران جراء الاتهامات والإهانات السياسية المتبادلة بين المترشحين لمنصب الرئيس وبالذات هؤلاء الثلاثة الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي.
وبغض النظر عن الفائز اليوم فإن تلك الإهانات إن صحت من شأنها أن تنخر في كيان الدولة (الذي طالما ظل متماسكا طوال 30عاما) القائم على شخصيات يتكون منها مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي هو بمثابة «مجلس الآباء المؤسسيين» للجمهورية.
إن عفوية الرئيس المنتهية ولايته والتي تصل أحيانا إلى درجة التهور يبدو أنها ورطته في تصريحات لا تليق بمكانته كرئيس للجميع خصوصا أنه كان طوال الحملة الانتخابية الأوفر حظا للفوز وبالتالي التجديد له لفترة ثانية من أربع سنوات. العجيب في الأمر أن أحمدي نجاد اتهم صراحة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني وابنه محسن بالفساد في وقت كان من الممكن أن يترفع عن ذلك أو الإيعاز إلى القضاء لتولي القضية إذ من المعروف أن رفسنجاني من كبار رجال الدين ويترأس مجلس تشخيص مصلحة النظام وهو أكبر من نجاد سنا.
وعلى الرغم من أن حملة الرئيس المنتهية ولايته انطلقت تحت شعار «العدالة الاجتماعية» بمعنى أنه قصد محاربة مستغلي النظام والمستفيدين ماديا من مناصبهم وقربهم من متخذي القرار إلا أن تشهيره بأسماء معينة لها وزنها في المجتمع أوجد حالا من الإرباك لدى الشارع الإيراني مما قاد إلى مواجهات شبه يومية بين أنصار المترشحين في الجامعات والطرقات.
ومما يؤخذ على المترشح الأوفر حظا (أحمدي نجاد) تشهيره بزوجة مير حسين موسوي، الدكتورة زهرة رهنورد، إذ قال عنها إنها حصلت على درجة الدكتوراه من دون خضوعها لامتحان، الأمر الذي نفته بشدة. كل هذه الاتهامات وغيرها التي كالها نجاد لخصومه ربما تعرضه لدعاوى قضائية في الفترة المقبلة إذا لم يقدم بينات أو يعتذر بشأنها.
ولكن في المقابل ارتكب المترشحون الآخرون أيضا تجاوزات وتحريضات ضد الرئيس فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي وما يهم المواطن العادي من أمور معيشية علاوة على رفع شعارات مثل «الموت للديكتاتور»، «الموت لطالبان في كابول وطهران».
ومع أن إهانة رئيس الجمهورية في إيران تعتبر جريمة تصل عقوبتها القصوى إلى السجن عامين ويمكن أن يستفيد منها نجاد في ملاحقة خصومه، إلا أن الواقع يقول إن هذا البلد، خامس مصدر للنفط في العالم، يستحق وضعا اقتصاديا أفضل من الذي شهده في العهد الحالي. فلماذا يوزع مثلا البنزين بنظام «الكوتة» بينما تصدر طهران مليونين و500 ألف برميل في اليوم. ولماذا يرتفع التضخم إلى 25.4 في المئة بينما أسعار النفط أخذت في التصاعد من جديد ووصلت العام الماضي إلى نحو 150 دولارا للبرميل.
إن الهجوم اللاذع الذي يمارسه نجاد ضد القوى الكبرى ونهجه المتشدد فيما يتعلق بسياسة إيران النووية رغم ما قدمه الغرب له من حوافز تتضمن توفير الوقود النووي علاوة على تركيزه على التسلح وغزو الفضاء كلها أسباب جلبت التردي الاقتصادي والبطالة بينما يطمح الشباب الإيراني في الحصول على فرص عمل وفي السفر إلى الخارج للتعليم وكسب خبرات وما إلى ذلك.
وبما أن سياسة إيران الاستراتيجية لن تتغير بتغير وجه الرئيس ذلك أن المرشد الأعلى للثورة هو الذي يحدد ملامحها ويضع أجندتها كان الأجدر بالمترشحين والناخبين ألا يصلوا إلى ما وصلوا إليه من مهاترات مع العلم أن السيد علي خامنئي ألمح إلى أنه يقف على مسافة واحدة من جميع المترشحين حتى يعلم الغرب أن العملية الديمقراطية في بلاده تجري بنزاهة وحياد. وقد أعطي المترشحون فرصا متكافئة في المناظرات عبر التلفزيون الحكومي. أما صمت المرشد عن تصريحات نجاد فبرره أن من يكون في السلطة هو في مرمى النيران دائما بينما الذي خارجها فلديه خيارات شتى.
ختاما نتمنى للرئيس المنتخب التوفيق في الشئون الداخلية والخارجية خصوصا أنه سيتولى مهماته في لحظة حاسمة في تاريخ الجمهورية الإسلامية بعد أن عرضت القوى العظمى فرصة بدء فصل جديد في العلاقات مع طهران.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2472 - الجمعة 12 يونيو 2009م الموافق 18 جمادى الآخرة 1430هـ