العدد 5120 - الإثنين 12 سبتمبر 2016م الموافق 10 ذي الحجة 1437هـ

عبدالقادر عقيل يتذكَّر المنامة «بوابة العالم»... وحسينوه كناه

«كانو الثقافية» في عددها الثاني عشر...

قهوة معرفي ودكان سيدنصيف البغدادي في فريج الفاضل - بنا
قهوة معرفي ودكان سيدنصيف البغدادي في فريج الفاضل - بنا

حفَل العدد الثاني عشر من مجلة «كانو الثقافية» نصف السنوية التي تصدر عن جائزة يوسف بن أحمد كانو، بالعديد من الموضوعات التي مزجت بين الموضوعات الفكرية والنصوص الأدبية، والدراسات الاقتصادية، باعتبار المجلة تابعة إلى واحدة من أكبر المؤسسات التجارية والاقتصادية في العالم العربي؛ ولأن الموضوعات الاقتصادية التي جاءت ضمن أوراق ودراسات المجلة لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن الشأن الثقافي، بمعالجتها لقضايا المستقبل والمعرفة والعولمة والسياحة، بالتداخل المباشر بين كل تلك الموضوعات، وإن بدت بعض الأوراق والدراسات في غير محلها.

من بين الموضوعات التي تضمَّنها العدد، وتتواءم مع هذه الصفحة، ما كتبه عبدالقادر عقيل «المنامة بوابة العالم»، اتكاء على ذاكرة ابن الـ 14 قرْب نهاية ستينات القرن الماضي. عن المدينة التي سكنتْه قبل أن يسكنها. عن حسينوه كناه (المجنون)... عن التحليق بها فوق مستوى التخيُّل، واستدعاء ما حدث في العالم في الفترة نفسها، من تحوُّلات وثورات وحركات تحرُّر واغتيالات، وقمع احتجاجات. عن فرقة البيتلز الموسيقية، تلك التي قلبت قواعد الغناء والموسيقى بإيقاعها السريع، عن بوب ديلان، وجوانا بايز، وسيمون وغارفينكل، عن الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي، وحروب الاستنزاف، وليس انتهاء بمرحلة الانحطاط في الذائقة السمعية العربية، بانتشار أغنيات مثل: «الطشت قال لي»، و«أما نعيمة»، و «إدَّلع يا عريس يا بولاسة نايلون»! دون أن ينسى أنه كان زمناً لم تنتهِ فيه أغنيات الحماسة والالتزام، ضمن فترة كانت تعج بالاضطراب والقلاقل وعوامل التهديد؛ إذ يحضر عبدالحليم في تلك الفترة باعتباره أيقونة عربية للشباب والحماسة أيضاً بأغنية: «فدائي فدائي فدائي/ أهدي العروبة دمائي/ أموت أعيش ما يهمنيش/ وكفايه اشوف علم العروبة باقي».

يبدأ بمكانه الأول... عن مدينته، مُستعيراً مقولة واحد من أعظم الشعراء، اليوناني المصري قسطنطين كفافيس (ولد في 29 أبريل/ 1863 وتوفي في 29 أبريل 1933): «لن تجد بلاداً أخرى... لن تجد شاطئاً آخر... هذه المدينة ستتبعك، ستطوف في الشوارع ذاتها، وتهرم في الجوار نفسه، وتشيب في هذه المنازل نفسها... ستنتهي دائماً إلى هذه المدينة»، لتكون مدخلاً لواحدة من الحكايات التي هي بمثابة غواية جميلة، ويمكن أن تكون فخاً جميلاً في الوقت نفسه. الفخ الذي يجعل هذه المدينة مسكونة بك، أو تجعلك مسكوناً بها.

حسينوه كناه

في صيف العام 1968، وترتيب الأناقة كما يجب، تشبُّهاً بأيقونات ذلك الزمن: ألفيس بريسلي، جيمس دين، عمر الشريف، وشامي كابور «كنت خارجاً من بيتنا الواقع في حي الفاضل، بالقرب من مجلس الوجيه عبدالرحمن القصيبي، مُرتدياً أحسن ما عندي من ملابس: بنطلون أزرق، قميص أبيض بأكمام قصيرة، حذاء أسود لامع، نظارة سوداء، وخصلة شعر ممتدَّة إلى الوراء، في تنسيق هندسي دقيق».

عن الأجمل الذي يبدأ بالمكان الكبير المفتوح على الشمس والبحر، وينتهي عند صاحبه، الساكن فيه، والمسكون به. يرتِّب عبدالقادر عقيل ذلك الأجمل في نسق تأخذ بيده الثقة. الثقة التي كانت غامرة في ذلك الزمن الجميل، ولم تعد كذلك في هذا الزمن المتلوِّن والمتلوِّث بالذاكرة المصادرة، والأحلام التي لا تجيء ولا تتحقق.

«كنت أرى البحرين أجمل ما في هذا العالم المضطرب، وأجمل ما في البحرين مدينة المنامة، وأجمل ما في المنامة (حي الفاضل)، وأجمل ما في (حي الفاضل) هو بيتنا، وأجمل ما في بيتنا هو أنا».

حتى وهو يستدرك بقوله، إن هذه الثقة في غير محلها، يعلم اليوم أنها في محلها الطبيعي. لم يطل المكان ما طال أمكنة العالم وقتها. المدنية متوحِّشة، والمدن الكبرى هي مصنعها، وفي المدن الصغرى شيء من الرحمة، أما القرى والأرياف فهي موئل تلك الرحمة وحضور الروح، وتجلِّي العفوية والبساطة. ما منحتنا إياه أمكنتنا وقتها، يأتي متسقاً مع تلك الثقة التي لم تتجاوز العفوية، ولم تكن في يوم من الأيام مصدر تهديد لأحد، أو مصدر تعالٍ عليه، وإن حدث ذلك فسرعان ما يُعرف صاحبها باعتباره حامل مرض مُعْدٍ.

تتحوَّل تلك الثقة كما رآها عقيل «إلى رعب حقيقي»، بعد ذلك الخروج مخفوراً بالأناقة، ومواجهة «حسينوه كناه (بالكاف الخفيفة المكسورة) وتعني المجنون، وقتها كان على دراجته الهوائية «خارجاً من زقاق ضيِّق، مندفعاً بأقصى سرعته إلى اللامكان. حسينوه كناه يمكن أن يخرج كالعفريت من أي مكان، وفي أي وقت، يقود دراجته الهوائية بسرعة فائقة، بمهارة احترافية لا تُضاهى، فهو يستطيع أن يرفع الدراجة إلى مستوى الجالسين على كرسي خشبي تحية لهم، كأنه أحد لاعبي الأكروبات، ويقال إنه جازف بعبور جسر المحرق - المنامة قاطعاً المسافة بدراجته على حافة الجسر الأسمنتية».

حين تنشط الذاكرة لا أحد منا يستطيع أن يعبِّر عن الامتنان لها، وخصوصاً بالقدرة على استدعاء نمط حياة ووجوه وأمكنة نحبها. استدعاء في الجانب البهي والآسر منها، فيما لا ننسى أن لها جانباً يعمل على تجريعنا الكثير من الألم الذي نظل نتفاداه ما وسعنا الأمر.

نادي الترسانة

يكتب عقيل عن نادي الترسانة، والغرابة التي عُرِف بها، والطبيعة الغريبة للاعبيه، ومعظمهم من حي الفاضل، يصفهم بأنهم «لا يعرفون الانضباط داخل الملعب ولا خارجه. يمكن أن ترى أحد اللاعبين وقد ترك اللعب وخرج من الملعب ليشرب أو يأكل أو يدخن أو يتعارك مع شخص آخر. نادٍ لا يعنيه الفوز أو الخسارة، مهمته أن يفسد نتائج الأندية الرئيسية المنافسة».

يصفه بأنه «جوكر الأندية الرياضية في ذلك الوقت»؛ إذ يمكنه أن يفوز في مباراة حاسمة لمصيره ضد نادي النسور وقتها، ويبعده عن المركز الأول، ويمكن للنادي نفسه أن يُهزَم بخمسة عشر هدفاً من نادي المحرق!

هو نادٍ لا يمكن الوثوق به، يقولها بصريح العبارة، لأن تحالفاته تخضع إلى المزاجية التي لا معايير لها، مشيراً إلى عدائه التقليدي لنادي التاج وقتها؛ عدا المعارك التي تكتنف المباريات، تلك التي تبدأ بالأيدي وتنتهي بالطوب والزجاجات الفارغة.

عن حال تفضيل العيش في ما يشبه الكانتونات وقتها، يكتب عقيل، عن السلم الذي يكتنف حياً، ويخلو منه حيٌّ آخر. شارع واحد يفصل بين حي الفاضل وحي كانو، يقع على أطرافه جامع الفاضل. فالناس في حي الفاضل أكثر هدوءاً وأقل عنفاً كما يقول «هنا بيوت كانو، المؤيد، الشتر، القصير، الخاجة، صلاح الدين، بشمي، قراطة وغيرهم. هنا لن تجد شخصيات (حي الفاضل) العنيفة: مسيو، عبود، ماضي، عبود جيناوي، سيد حماره، بوجي، سليطين».

عن الثنائيات المتناقضة يكتب بين حيين متقاربين (الفاضل/ كانو)؛ حيث الشبه موجود في أمكنة أخرى من البحرين، ففي المنامة: العدلية/ الماحوز، السقية/ القفول، الجفير/ الغريفة، العوضية/ الذواودة «كما لو أن كل فئة تفضِّل أن تعيش في كانتونات منفصلة لها ثقافتها وأسلوب ونمط حياة مختلف عن الآخر، على رغم أن المسافة بينهما لا تتعدَّى عبور شارع واحد».

خريطة العدد

افتُتح العدد بمقال لرئيس مجلس أمناء جائزة يوسف بن أحمد كانو، ورئيس التحرير، خالد محمد كانو، حمل عنوان «المستقبل واقتصاد المعرفة»، بدأه بما يشهده العالم من تحوُّلات في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي دخول مفاهيم جديدة تتسق وطبيعة المرحلة؛ علاوة على التحديات التي تمر بها أسواق عديدة، والعالم الجديد الذي تشكِّله الاقتصادات الناشئة، باعتمادها على الفكر والإبداع والتقنية والقدرة على التنويع والمبادرة.

وأبرز كانو ضرورة إعادة هيكلة الاقتصادات العالمية لتتكيَّف مع اقتصاد المعرفة، مع مراعاة أمور ثلاثة: توفير مستوى متميز من الخدمات التعليمية في مراحل التعليم المختلفة، ورفع مستوى الجودة التي تقدم بها الخدمات التعليمية، لزيادة قدراتهم ومهاراتهم الشخصية التي تحفزهم على الإبداع والابتكار.

وتوفير بنية تحتية مرتكزة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما يسهِّل عملية نقل وتبادل المعارف والعلوم والتواصل مع الأسواق العالمية المختلفة.

والأمر الثالث يتحدَّد في تشجيع الابتكار والإبداع، والتفكير بشكل غير نمطي، وتقديم الحلول للمشكلات التي تواجه المجتمع اليوم، والتركيز على إيجاد نظم لتسجيل الابتكارات والاختراعات، وحماية حقوق أصحاب الابتكارات والمخترعات.

كما احتوى العدد دراسة بعنوان «هل الدول السياحية الأكثر تنافسية هي الأكثر ابتكاراً»، لأحمد عارف عسَّاف، تبحث في إطارها العام معادلة الصراع السياحي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا). يحدد عسَّاف أهداف الدراسة في تقييم العلاقة بين التنافسية في السياحة والسفر، والابتكار في السياحة والسفر. ولتحقيق الغرض من الدراسة يقدم الكاتب نماذج لتساؤلات ترتبط بوجود علاقة بين التنافسية في السياحة والسفر وعدد الفنادق العالمية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ووجود علاقة بين التنافسية في السياحة والسفر وجودة الطعام في دول منطقة «مينا»، ووجود علاقة بين التنافسية في السياحة والسفر وأسعار تأجير السيارات السياحية في دول منطقة «مينا».

ومن خلال مؤشرات الابتكار في السياحة التي اعتمدتها الدراسة (باستثناء مؤشر تأجير السيارات السياحية) يرى بأنها لن تؤدي إلى زيادة مستوى تنافسية الدول قيد الدراسة سياحياً.

كما تضمَّن العدد الموضوعات الآتية: «مقاطع من كونشرتو البحر» لقاسم حداد، «الرومانسية والحياة... محمود سامي البارودي نموذجاً»، لمحمد نعمان جلال، وورقة لأستاذ النقد الأدبي صالح هويدي، حملت عنوان «الروائي والزمن... قراءة في طرائق التوظيف الفني»، «دور الإعلام العربي السلبي»، لعدنان بسيسو، «العرب وأزمة الهوية»، لرضا عبدالواحد أمين، «الشعر الشعبي الباشتوني النسوي»، لفهد حسين، وقصة قصيرة بعنوان «تسعة بؤساء ومنتحِر» لأميرة الوصيف، وقصيدة «على جمر بُعدك»، لمصطفى العاني.

ضوء على الجائزة

يشار إلى أن مجلس إدارة مجموعة شركات يوسف بن أحمد كانو، قد أصدر قراراً بإنشاء الجائزة ورصد مبلغ ستة ملايين دولار أميركي وقفاً عليها وذلك لاستثمارها والصرف منها. وحدَّد ثلاث جوائز سنوية قيمة كل جائزة خمسون ألف دولار أميركي، بالإضافة إلى جوائز أخرى في تخصصات متنوعة تشكل دافعاً إضافياً وزيادة مساهمة الجائزة في الإبداع والإنجاز الرائد والمميز؛ حيث صدرت موافقة وزير شئون مجلس الوزراء والإعلام على إنشاء الجائزة بالقرار رقم (4) لسنة 1998 ونشر في الجريدة الرسمية في العدد رقم 2346، يوم الأربعاء (12 رجب 1419 هـ الموافق 11 نوفمبر 1998م).

عبدالقادر عقيل   - رئيس مجلس الأمناء خالد كانو
عبدالقادر عقيل - رئيس مجلس الأمناء خالد كانو




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:50 م

      لا أدري سبب تسمية حسين الساعاتي بحسينو گنا اي المجنون ( و ليس گناه التي تعني الإثم او الذنب). انا رأيت و تعاملت مع هذا الإنسان، لم يكن مجنوناً، بل كان يحب المغامرة بدراجته التي كان يستعرض بها فوق حافة الجسر و يتجمع بعض أهالي المحرق لمشاهدة براعته و دقته في المشي فوق حافة الجسر الإسمنتية التي لا تتعدى بضع بوصات. كما كان رحمه الله بارعاً في تصليح الساعات في سوق الحراج القديم الواقع قرب سوق الحدادة القديم بالمنامة، و كان لا يضاهيه احد في تصليح الساعات بهذه الحرفنة والدقة في ذلك الزمان في الستينات.

    • زائر 1 | 8:00 ص

      الله يرحم حسين گناه

اقرأ ايضاً