العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

تفكيك السودان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت ترتسم معالم الحدود الدستورية للدولة السودانية المقبلة. فالمفاوضات التي توقفت في كينيا بين مختلف الاطراف والقوى السودانية باشراف دولي - افريقي كانت توصلت إلى صيغة توفيقية تقضي باعتماد النقاط الآتية:

اولا، الحد من صلاحيات الرئيس عمر البشير بتعيين جون قرنق نائبا للرئيس معززا بصلاحيات تعطيه حق الاعتراض (الفيتو) على قرارات الرئيس السوداني.

ثانيا، اجراء انتخابات عامة في مدة اقصاها 18 شهرا من توقيع الاتفاق تنتهي بتشكيل الهيئة التشريعية وتتألف من مجلسين هما: الوطني والولايات.

ثالثا، يُمنح الجنوبيون 33 في المئة من مقاعد البرلمان و40 في المئة من مقاعد مجلس الولايات.

اثارت معالم الاتفاق الدستوري مخاوف مصر - التي استبعدت من المشاورات والمشاركة في المفاوضات - فأبدى الرئيس حسني مبارك حذره في خطاب ألقاه عبر فيه عن مخاوف القاهرة من احتمال تقسيم السودان. ورأى اذا حصل الامر فإنه يهدد بتقسيم دول القارة الافريقية إلى دويلات متناحرة قبليا وجغرافيا.

ويرى دبلوماسيون ان مصر تخشى ان يؤدي تقسيم السودان إلى تعقيد مسألة تقاسم مياه النيل اضافة إلى سيطرة «الاصوليين» على شمال البلاد.

ولتطمين النظام المصري سحب الرئيس السوداني كلامه عن «مثلث حلايب» والخلاف على ترسيم الحدود ومدد حبس حسن الترابي مدة سنة قابلة للتجديد، وشن حملة اعتقالات طاولت 30 من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» المعارض.

والسؤال هل ادخلت واشنطن دولة السودان في استراتيجية تفكيك العالم العربي - الاسلامي مستغلة حملتها الدولية على ما تسميه مكافحة الارهاب؟

سوال سابق لزمانه. ولكن المؤشرات تدل على وجود خطة اميركية مغلفة باطارات قانونية شرعية (منظمة الامم المتحدة) تعمل على تهيئة الفضاءات الاقليمية والعربية لقبول مثل هذا المشروع.

ومن تابع «مفاوضات السلام» في نيروبي، التي جاءت على خلفية مبادرة اطلقها الرئيس الاميركي جورج بوش ورعاها الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان في جولة افريقية زار خلالها السودان، لاحظ ان النظام الحاكم في الخرطوم بات على قاب قوسين لقبول فكرة «تفكيك» الدولة إلى مناطق اقليمية تشرف على اداراتها حكومات محلية تملك صلاحيات محدودة قابلة للتطور في المستقبل في حال قررت العواصم الكبرى تمزيق السودان.

ويذكر ان المشروع الاميركي يقترح في البند الثالث ان تتألف البلاد من ولايات تكون لكل منها حكومتها وبرلمانها وقوانينها. وان يتألف الجنوب السوداني من ثلاث ولايات تعمل مجتمعة تحت اشراف الحكومة الاقليمية العامة.

ويقترح المشروع ربط الحكومات المحلية والاقليمية بحكومة مركزية تمارس صلاحيات سيادية وتصدر القوانين شرط ان تنقل العاصمة القومية من الخرطوم إلى مدينة اخرى يتفق عليها لاحقا.

مشروع «تفكيك» السودان، وتحويله من فيدرالية إلى كونفيدرالية، تقوده الولايات المتحدة سلميا، جاء بعد تهديدات اميركية بضرب النظام وهدم الدولة باسم «مكافحة الارهاب»... مما اضطر حكومة البشير إلى قبول فكرة التفاوض حتى لو كانت على حساب الدولة ومستقبلها. فالرئيس البشير لا خيار امامه سوى قبول القليل حتى لا يفرض عليه الكثير. الا ان ضربة توريت انذرت الخرطوم من مغبة الرهان على وعود قرنق.

السياسة نفسها انتهجتها ادارة البيت الابيض في افغانستان بعد ضرب طالبان. وتحاول تطبيقها في العراق (هدم الدولة او تفكيكها إلى مناطق وحكومات اقليمية ومحلية). والسودان (اكبر دولة عربية وافريقية في مساحتها الجغرافية) وافق من حيث المبدأ على تفكيك دولته طوعا، فهل يوافق العراق سلما ام ينتظر الحرب التي باتت على الابواب وتنتظر الذريعة القانونية؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً