«آن الأوان لكي يتم الاهتمام بتطوير وتحديث البنية التحتية من طرق ومستلزمات لكي تواكب عملية التنمية التي ننشدها في البحرين ولكي تبقى مملكة البحرين في صدارة الدول في هذا المجال». تلك كانت الكلمة التي خاطب بها سمو ولي العهد اجتماع مجلس إدارة مجلس التنمية الاقتصادية الأخير. لفتة مهمة ينبغي التوقف عندها حين يرسلها مسئول في مستوى سمو ولي العهد، وعندما يكون المتلقي مؤسسة تقع على عاتقها مسئوليات من مستوى تلك الملقاة على عاتق «مجلس التنمية». وقبل الخوض في مدى حاجة البحرين إلى التركيز، في هذه المرحلة على تعزيز «البنية التحتية» القائمة فيها، وأهمية ذلك ومدى انعكاساته على أداء الاقتصاد الوطني، لابد من التوقف عند مسألتين: الأولى هي طبيعة المرحلة التي يمر بها الاقتصاد البحريني في ظل الأزمة المالية العالمية التي تعصف بالأسواق العالمية، ومن ضمنها البحرين، والحيِّز الذي تحتله مشروعات تشييد البنية التحتية في اقتصادات مختارة، بما فيها الاقتصاد الخليجي، والثانية هي تعريف البنية التحتية الأكثر ملاءمة للمرحلة الحالية.
وبالنسبة إلى النقطة الأولى، فمن الضرورة بمكان التأكيد على أن هذه المرحلة هي الأكثر ملاءمة للبدء في تشييد المزيد من هياكل البنى التحتية الجديدة، وصيانة تطوير تلك القائمة، وذلك لسببين أساسيين: أولهما أن كلفة تشييد البنية التحتية اليوم، ومن جراء الكساد الاقتصادي السائد، غير مكلفة نسبيّا، هذا إلى جانب، ونظرا لطبيعتها، كونها من أكثر القطاعات إمكانية للمساهمة في معالجة مشكلة البطالة، وهذا الأمر من شأنه، عندما تعالج المسألة من مدخل صحيح، أن يشكّل أحد روافد انتشال الاقتصاد من حالته الراكدة إلى محطة أخرى أكثر نشاطا وتحريكا، إيجابيا، لآليات إنتاج ذلك الاقتصاد. ولنا في الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الأميركي باراك أوباما، حين ضخ في الاقتصاد الأميركي، لحظة وصوله إلى سدة الرئاسة، مئات المليارات من الدولارات لتطوير البنية التحتية الأميركية، أسوة حسنة ينبغي دراستها بغرض الاستفادة منها. لم تكن مبادرة أوباما بشأن الإنفاق على البنية التحتية في هذه المرحلة من مراحل الكساد التي يمر بها الاقتصاد الأميركي لفتة عفوية، بقدر ما كانت اتجاها صحيحا يلبّي احتياجات مرحلة معيّنة.
وعلى مستوى الأموال التي تنفقها دول العالم على تشييد البنية التحتية يورد تقرير أعدّه «المجلس الاقتصادي الفلسطيني للإعمار» أرقاما عن استثمارات العالم في البنية التحتية، يقول فيها: «تستثمر الدول النامية في البنية التحتية نحو 200 مليار دولار أميركي سنويّا. كما يتم تخصيص خمس حجم الاستثمارات السنوية في البنية التحتية. ويوصي البنك الدولي بأن تكرس الدول الأقل نموّا، ما نسبته 6 في المئة من ناتجها المحلي لتطوير البنية التحتية، بينما تقل هذه النسبة لتكون 3.8 في المئة للدول متوسطة النمو. وتوفر شبكة الطرق السريعة في الولايات المتحدة الأميركية 18 سنتا، من تكلفة الإنتاج السنوي مقابل كل دولار تستثمره الدولة في تشييد البنية التحتية، وتوفر كامل شبكة الطرق فيها 24 سنتا لكل دولار في تكاليف الإنتاج السنوي أدى تنفيذ جزء من شبكة الطرق الريفية في الهند إلى ارتفاع الإنتاج الإجمالي للمناطق الريفية بنسبة 7 في المئة».
ومن المعروف أنه في دولة متطورة مثل اليابان، ترتبط القرارات المتعلقة بتطوير البنية التحتية مباشرة بمكتب رئيس الوزراء، من أجل ضمان تجاوزها لأي شكل من أشكال البيروقراطية، أو خشية تعرضها لأي عامل من عوامل التأجيل، هذا إلى جانب أن 9.4 في المئة من القوى المنتجة في اليابان اليوم، تعمل في مشروعات ذات علاقة مباشرة بتنفيذ تحهيزات البنية التحتية.
أما على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وكما ينقل موقع مجلة (ArabianBusiness.com)، عن دراسة قامت بها شركة سبتك الإمارات، المتخصصة في البنى التحتية، تتوقع تلك الدراسة «نمو قطاع البنى التحتية في منطقة الشرق من 277 مليار دولار أميركي في العام 2004 إلى 1.4 تريليون دولار أميركي في العام 2007. كي يصل هذا الإنفاق إلى نحو 1.8 تريليون دولار أميركي خلال العام 2008».
وتمضي الدراسة إلى أبعد من ذلك حيث تؤكد سبتك، أن تنفيذ المشاريع خلال الأعوام الخمسة المقبلة، في المنطقة، والتي «ستبلغ قيمتها نحو 133 مليار دولار للمشاريع الخاصة بالنفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي، و159 مليار دولار لمشاريع الطاقة التقليدية، و12.9 مليار دولار لمشاريع الطاقة المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والوقود الطبيعي»، ستكون عبارة عن جزر متناثرة فاقدة لقيمتها المرجوة في مساهمتها الحقيقية في النمو الاقتصادي، ما لم يرافقها تشييد بنية تحتية متطورة قادرة على الربط بكفاءة عالية بين هذه المشروعات الباهظة الكلفة.
وتقول دراسة أخرى قدمت في «منتدى الرياض الاقتصادي» المنعقد في 2-4 ديسمبر/ كانون الأول 2007، «أن الإنفاق على البنية التحتية في المملكة العربية السعودية، كانت له الأولوية في الخطط التنموية الأولى والثانية والثالثة، بمعدل 41.3 في المئة و49.3 في المئة و42.1 في المئة من إجمالي الإنفاق على التوالي».
من كل ذلك نخلص إلى القول إن البنية التحتية، هي الخطوة الأولى على طريق أية تنمية اقتصادية جادة وطموحة. بل إنه، وكما يبدو، فإن نجاج أية خطة اقتصادية، وكما تشير تلك الدراسات، رهن إلى حدٍّ بعيد بنجاح تنفيذ مسبق لمشروعات البنية التحتية المرافقة لها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2472 - الجمعة 12 يونيو 2009م الموافق 18 جمادى الآخرة 1430هـ