أرض خضراء تمثل كنز طبيعي محاط به الجبال، ولوحةً طبيعيةً نادرة وسط مرتفعات شاهقة وأودية شديدة الانحدار، تحتضن تنوعاً بيولوجياً غنياً بالأشجار والنباتات المختلفة وأعداد كبيرة من الحيوانات والطيور.
إنها محمية أرز الشوف الواقعة في جبل لبنان، فعلى مساحة تقارب 50000 هكتار (500 كلم مربع) تمتد المحمية الغنية بالتنوع البيولوجي (70 في المائة منها في قضائي الشوف وعالية، و30 في المائة في البقاع الغربي، فيما يقارب طولها 50 كلم، أما عرضها فيبلغ 11 كلم، وتمتد ارتفاعاً إلى ما بين 1000 ونحو 2000 متر في أعلى القمم عن سطح البحر).
مفاتن المحمية
ومن أبرز مفاتن هذه المحمية غابات الأرز الثلاث التي تحويها؛ تحديداً معاصر الشوف، والباروك، وعين زحلتا، فضلا عن أربع غابات فرعية.
نزار هاني مدير العام للمحمية، تحدث عن أهمية التنسيق والشراكة بين المحمية مع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة - غرب آسيا (IUCN)، وقال "لدينا تنسيق من حيث متابعة بعض الحيوانات والطيور بالحمية". واضاف "اثبتت الدراسات أن الوشق كان بأعداد قليلة، وبدأنا بخطة مع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة - غرب آسيا (IUCN) لمراقبة مهمة ونتمنى ان نكون محضوطين في متابعته".
وتابع "من ضمن التنسيق أيضا مع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة - غرب آسيا، نقوم بوضع "لون" لحيوان الوشق لنقوم بمتابعة ومراقبة جميع تفاصيل تحركاته".
وأكد على أن "هذه المؤشرات تدل على نظام التنسيق مع (IUCN) بيكون بشكل متطور بشكل وجيد وفعّال وناجح وعلمي".
وذكر هاني "أن المحمية كونها تحتل مساحة كبيرة من جبل لبنان، فمن الغرب يحدها البحر المتوسط والشرق المناخ شبه صحراوي. مضيفاً هذا يعطي المحمية تنوعاً ملحوظاً، كما أن كمية الأمطار تختلف من الجانب الغربي عن الجانب الشرقي وهذا يؤدي لإحتلاف كبير بتنوع المناخ".
وعن عدد النباتات، قال "آخر الإحصائيات يوجد 1056 نوعاً من النباتات. كما توجد الحيوانات ذات الثديات وهي 31 نوعاً من متوسط الحجم مثل الضبع والخنزير البري".
وواصل حديثه، وقال "إن المفاجآة التي حصلت إن حيوان الذئب رجع ليعيش في المحمية كمجموعة وهذا يعتبر شيء مهم، لأن رجوع الذئاب للعيش بالمحمية بمعنى بدأت دورة الحياة في المحمية، والمفاجآت الأكبر ايضاً، رجوع حيوان الوشق والذي مسجل في لبنان أنه حيوان منقرض منذ 1996، وكانت آخر مشاهدة له في المحمية منذ التسعينيات".
أما عن عدد الطيور الموجودة في المحمية، قال نزار هاني "لدينا 290 نوعاً من الطيور من أصل 696 طير موجود في لبنان، ومعروف أن لبنان يتميز بالطيور المهاجرة، اذ يوجد 58 طير بيعشعش وبتعيش في لبنان".
واضاف "على مستوى الزواحف والبرمائيات لدينا 27 نوعاً، خمسة منهم مهدين بالانقراض".
ويقول "لدينا آيضا تعاون مهم وكبير مع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة - غرب آسيا (IUCN) بالاهتمام على مستوى اللائحة الحمراء من أجل الحفاط على الحيوانات المنقرضة".
المحمية والمجتمع المحلي
وفي رده على سؤال عن التنسيق بين محمية أرز الشوف والمجتمع المحلي، وكيف ساهمت بتحقيق ذلك، قال هاني "نستطيع أن نلخص ذلك منذ بداية المحمية اننا أخذنا موضع الشأن المحلي أو المجتمع المحلي كهدف أساسي، فإذا أردنا أن ننجح في المحمية، فهذا يجب أن نقوم بإنجاح المساهة المحلية في المحمية وادخالهم ضمن الأعمال التي تهدف لها المحمية في تحقيق التنمية المستدامه لهم".
وتابع "إن اشراك المجتمع المحلية بصورة عملية، يهدف إلى الحفاظ المحمية بشكلها الطبيعي فنستطيع أن نحصل على مردود بشكل ايجابي وطبيعي من المجتمع المحلي اذا قمنا باشراكهم عملياً. هذه العملية معادلة تعتبر هي إدارة حماية المحمية أي هي حماية مفيدة للمجتمع المحلي".
وذكر هاني "تتمحور هذه الأهداف بالنشاطات السياحية البيئية، حيث زار 72 ألف زائر للمحمية في عام 2015 بزيارة سياحية بيئية للمحمية، رغم كل الطروف المحاطة بلبنان وهذا الرقم ارتفع بـ 16 ألف زائر للمحية عن 2014 وهذا يرجع بالفائدة على المجتم المحلي المحيط بالمحمية من تقديم خدمات للسياح".
ويضيف "هذا العدد الكبير للزائرين جاء من خلال الاستراتيجية التسويقية التي وضعتها المحمية للسياحة البيئية للسنوات الماضية وهي التركيز على السياح اللبنانين من خلال إقامة مهرجانات واحتفالات بيئية من خلال الاحتفالات المحلية".
السياحة البيئية
وعن السياحة البيئية، يقول "تعتبر السياحة البيئية هي واحدة من المنافع التي تأتي منافعها مباشرة على المجتمع المحلي. كما ان التنمية الريفية تكون فعالة، فلدينا السكان المحليين يستطيعون التواصل مباشرة مع المحمية، وعملنا بدائل من خلال برامج متطورة مثل، عسل النحل، أي يقوم السكان المحليين بتربية النحل واسميناه "عسل الارز" ويسوق تحت اسم عسل الأرز". ويتابع "العسل هو منتج من طريق النحل الذي يتغذى على شجرة الأرز ومع تطوير المنتج لجودته وعمله من خلال النساء بريف المحمية".
ويقول "قمنا بتوزيع عدد من القفير للعسل مما يجعل العمل منظماً مع المجتمع المحلي. كما لدينا منتج "زعتر مع الصنوبر المحلي"، أي نقوم بأخذ الصنوبر وخلطه مع الزعتر مما يكون هذا النوع الوحيد الموجود بهذه الخلطة".
ويتابع "السبب في خلطنا الزعتر مع الصنوبر، هو أن الصنوبر معرض للحرائق بصورة كبيرة فأردنا من ذلك أن نعمل له قيمة اقتصادية غذائية، فأصبح الناس تهتم به بخلاف قبل ذلك فقد كان مهمل وليس لهم معرفة بالقيمة الغذائية له".
ويذكر "بآخر السنوات، حولنا كثير من المواضيع العلمية ومواضيع مرتبطة بالحماية للاقتصاد وهذا يكون بالتنسيق مع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة - غرب آسيا (IUCN)". فعلى سبيل المثال "إدارة نظم حماية الايكلوجيا" ونعرف انها عندما نصبح بتغيرات مناخية التي تؤثر على غطاء النباتي والاحراج، تعتبر واحدة من الأسباب التي يمكن ان تعمل هجرة للطيور والحيوانات".
وتابع "كل الاستتراتيجيات والدراسات الموجودة تقول اننا بحاجة إلى عمل ممرات "ايكلوجيا" تراعي إرتفاعات الاشجار، فعندما تقوم الطيور بالهجرة نحاول أن تكون الهجرة بأقل ضرر".
ويضيف "مثلاً عندما ترتفع أشجار الأرزق بارتفاع بين (1200 الى 1800 متر)، كل الدراسات والتجارب التي نقوم بها تثبت إنها ترتفع للأعلى، وأصبحت ترتفع إلى 1900 متر، فهذه تعتبر مشكلة فهي تقلل من مساحة الجبال وتكون المساحة ضيقة، فالطيور تهجر ولكن المساحة لاتساعدها على الهجرة بصورة أفضل بسبب ضيق المساحة".
ويقول "نحن في المحمية قمنا بالتنسيق مع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة - غرب آسيا (IUCN)، فنعمل معاً على تعريض مساحة في الغابة على ارتفاعات تكون بين (1700 و1600 و1500 متر، وهذا يعتبر اسلوب من الاساليب التي نعمل عليها".
وإلى جانب شجر الأرز، يوجد أشجار آخرى بالمحمية، ووفق ما تحدث به هاني انه "يوجد شجر السنديان الذي ينمو على منحدرات المحمية، إضافة إلى مجموعة أنواع من الشجر البري، خاصة بلوط برانت وغبيراء مروحية الورق (يشبه ورق هذه النباتات ورق الخنشار ويتحول إلى ظلال حمراء وصفراء في الخريف).
واضاف "إن من بين الأعمال التي نقوم بها بالتنسيق ومشاركة من المجتمع المحلي، هو عمل شتلات من جمع البذور وصيانتها والعمل لعى التشجير في المناطق القريبة من المحمية".
التحديات
أما عن التحديات التي تواجهها المحمية، قال مدير العام المحمية نزار هاني "على مستوى الغابات ذات الارتفاعات المتوسطة التي ترتفع بين (1000 مترر إلى 1300 متر) تعتبر هذه الكتلة الحيوية من الارتفاعات كبيرة جداً وهذا يؤدي إلى حرائق عديدة".
ويضيف "دورنا في المحمية نقوم بتنطيف هذه الغابات، ونقوم بتقطيع الخشب، وبالتنسيق مع البلديات نقوم باتوزيع الخشب للاشخاص التي تحتاج له وتستخدمه للتدفئة، وبذلك نقلل من قطع العشوائي للخشب والأشجار".
ويتابع "كما نقوم بتقطيع الأغصان الكبيرة والثقيلة ونقوم بتفتيتهم وخلطهم بحيث نعمل منتج لخشب مضغوط، ولدينا خطة لنصل إلى انتاج هذا النوع من الخشب يصل إلى 5 ملايين قطعة خشب ليغطي احتياجات الناس المحيطين بالمحمية".
ويضيف "مانقوم به من عمل لايعطي الناس مبرر لقطع الأشجار، خاصة القطع العشوائي والتخريب للغابات، لان عندما نعمل لهم منتج رخيص وفعّال وقابل للتخزين وسهل العمل وبدون روائح من الحرائق هذا يعطيهم منتج يستفيدون منه".
وتابع "بهذا العمل راح نخفف الضغط على الغابات وبالوقت نفسه نحافط على الحيوانات بسبب الإدارة السيئة للأحراج التي تقضي على الحيوانات".
ويقول هاني "القيمة المضافة هي جزء مهم من عمل البيئة، وهي إدارة للمحافظة على التنمية المستدامة والأرث الأساسي للمحمية، وتجربتنا في محمية أرز الشوف كنا نجد صعوبة في البداية للتعامل مع الأشخاص بالريف".
ويتابع "دورنا في المحمية نعمل على ايجاد أعمال وتنسيق مع الناس في الريف، وهذا جعل المجتمع المحلي جزء لايتجزأ من المحمية المرتبط بالاقتصاد ولا يمكن أن نجعل الاقتصاد يهدد المحمية وهذا يعتبر نجاح في إدارة المحمية".
ويضيف "نعمل على توازن نزيد عدد الزوار في المنطقة ونزيد فرص العمل وهي معادلة مهمة، كما نعمل على توازن من أجل الحفاظ على الطبيعة في المحمية، وهذا جزء من عملنا في إدارة المحمية التي نعمل على هذا توازن، ولابد ان نعترف هناك تحديات وصعوبات وعلينا ان نقوم بتجاوزها بشكل إيجابي".
ويختتم حديثه بالقول "الناس بالأخير اقتنعوا بوجود المحمية، فهي تأتي بالمنفعة الكاملة لهم، فهي تاتي لهم بالسياح مما يكون له الأثر الايجابي من الناحية الاقتصادية، وهذا له منافع في ارتفاع الدخل لهم، وذلك من خلال بيع المنتجات التي يقوم السكان المحليين ببيعها على السياح".