تزامنت ذروة أعمال التوسعة في الحرم المكي مع القلاقل الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط مما أسفر عن تراجع أعداد الحجيج هذا العام، وأثر سلبا على النشاط الاقتصادي لموسم الحج الذي يعتمد عليه الكثيرون كمصدر أساسي للرزق على مدار العام.
يقول رئيس اللجنة الوطنية للحج والعمرة وعضو مجلس إدارة الغرفة التجارية في مكة مروان عباس شعبان: «أرقام النشاط الاقتصادي تختلف من عام إلى عام بحسب عدد الحجاج والمقدرة الشرائية عند الناس، وبحسب الجنسيات لكنها اليوم ليست في أعلى درجاتها.
«صاحب السنوات الثلاث الأخيرة تخفيض في عدد الحجاج بسبب ظروف توسعة المطاف والحرمين الشريفين، وتجهيز البنية التحتية الضخمة التي تحتاج إلى بعض الوقت حتى تنتهي. نتكلم عن انخفاض في السنوات الثلاث الأخيرة عن الأعوام التي قبلها».
لكنه توقع أن يصاحب «النمو مواسم الحج المقبلة نتيجة اكتمال البنى التحتية لبعض المشاريع وزيادة عدد الحجاج بعد انتهاء التخفيض الحالي وهو 20 في المئة لحجاج الخارج و50 في المئة لحجاج الداخل».
وأشار إلى أن التحليلات وفقا لرؤية المملكة 2030 تشير إلى أن عوائد الحج ستصل إلى 47 مليار ريال سعودي متوقعاً أن «تظهر تباشيرها من 2020».
صاحب تراجع أعداد الحجاج ركود نسبي في الحركة الاقتصادية نتيجة ما وصفه شعبان بأنه «ظروف سياسية في بعض الدول والظروف الاقتصادية» متوقعا انخفاض العائدات عن آخر موسم حج طبيعي قبل ثلاث سنوات لم تشبه أي ظروف داخلية أو خارجية قاهرة «بنسبة 50 في المئة» ومقدراً القيمة بنحو «أربعة أو خمسة مليارات ريـال».
بدوره اعتبر أمين مدينة مكة أسامة البار أن «هناك تأثيرا بالتأكيد على القطاعات الاقتصادية».
وأضاف «الجانب الاقتصادي دائماً مقلق، لكنه جانب يتعلق بالقطاع الخاص، والاستثمارات في مكة المكرمة كبيرة جدا. فمثلا في مجال الإسكان هناك مشروع ضخم هو مشروع جبل عمر للفنادق دخل منها 12 فندقا خمس نجوم في الخدمة والباقي مازال قيد الإنشاء ومع اكتماله يوفر 30 فندقا على بعد أمتار من المسجد الحرام».
وأشار البار إلى أن «عائدات القطاع الخاص حاليا من موسم الحاج هي في المتوسط 60 مليار ريـال أي ما يعادل 17 مليار دولار أميركي وإذا أضفنا إليها أرباح النقل والتموين ومواد المعيشة قد تكون في حدود 100 مليار ريـال. هذا هو العائد التقديري لكن الاستثمارات كبيرة... أكبر من ذلك بكثير».
وأوضح البار أن في مكة حاليا «طاقة استيعاب فندقية تبلغ ثلاثة ملايين سرير» مشيرا إلى أنه «عند الانتهاء من تطوير المشاعر المقدسة... تستطيع المملكة أن تستوعب 3.7 ملايين حاج العام 2020 و6.7 ملايين بحلول العام 2042».
وغاب الإيرانيون عن الحج هذا العام جراء الأزمة الدبلوماسية بين طهران والرياض.
وعن الأثر الاقتصادي لغياب الحجاج الإيرانيين قال شعبان: «مكة تتأثر بأي غياب. الحج الإيراني يعتبر رقما وتراوح أعدادهم بين 70 أو 80 ألفاُ لكنهم يؤثرون فقط على مناطق معينة في السكن وغيرها من أنواع السلع والخدمات التي يطلبونها، لكنهم في النهاية لا يشكلون أكثر من ستة أو سبعة في المئة من الحجيج وغيابهم قد يعوض من دول أخرى. لكن لا يمنع أن اليوم في مكة المكرمة يغيب عنا الحج الإيراني ويوجعنا شوية إذ لا نتمنى أن يغيب».
وفتحت السعودية المجال للحجاج الإيرانيين ليقدموا للمشاركة في الحج هذا العام من دول إقامتهم في أوروبا وأميركا والخليج.
وقال شعبان: «الحج ليس فقط تجارة بل خليط وثقافات وعادات، والحج الإيراني جزء من الحج لا نقدر أن ننكر».
إلى ذلك، بدأت الغرفة التجارية في مكة في الفترة الأخيرة وضع تصور لسبل تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية في مكة خلال الفترة المتبقية حتى الانتهاء من تطوير المشاعر المقدسة. وأقرت لهذا الغرض عدداً من المشاريع وأخرى مازالت قيد الدراسة والبعض دخل فعلا حيز التنفيذ.
وتعمل المنظومة الاقتصادية في مكة طوال السنة اعتمادا على موسمي الحج والعمرة، وتهدف غرفة التجارة إلى تنشيط العجلة الاقتصادية عبر مهرجانات التسوق وما يصاحبها من فعاليات مثل عقد المؤتمرات الإسلامية وغيرها.
وأعلن شعبان توقيع غرفة مكة أول اتفاقية في المملكة مع منصة علي بابا الصينية للتجارة الإلكترونية فضلاً عن تجهيز مركز المعارض الدائم التابع إلى غرفة مكة ليصبح معرضا دائما للصناعات.
وأعلن شعبان مشروعاً تتبناه الغرفة هو مشروع «صنع في مكة». وقال: «نحاول أن نشرك في المشروع كل فئات المجتمع المكي مثل أصحاب الحرف اليدوية والمصانع، وهدفنا أن يكون كل ما يحتاج إليه الحاج في الأسواق هو صناعة مكية».
وأوردت تقارير إعلامية محلية شكاوى من ارتفاع أسعار السلع المختلفة والكماليات في الأسواق المحيطة بالحرم المكي وسط انتقادات من علماء دين بارزين من استغلال الحج في نشاطات تهدف إلى التربح.
وأوردت صحيفة «عكاظ» السعودية اليومية تقريرا نقلت فيه عن عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع استياءه من كثرة الإعلانات التجارية الخاصة بما يسمى «حج البدل» الذي تصل أسعاره إلى مبالغ عالية، وفيه استغلال لحاجة الناس للحج وتحويله إلى نشاط تجاري. وحج البدل هو تكليف شخص بالحج عن شخص غير قادر صحيا أو جسديا على تأدية المناسك بنفسه أو عن ميت.
وقال المنيع للصحيفة: «لا ينبغي أن تكون عبادة الحج محل تجارة أو استرباح واكتساب».
وشكت شيماء المصرية التي تحج برفقة زوجها هذا العام من فارق سعر صرف العملة، ما جعل أسعار السلع مرتفعة بشكل خيالي بالنسبة لها.
وقالت شيماء: «الريال يساوي ثلاثة جنيهات ونصف تقريبا. الأسعار غالية بثلاثة أضعاف ونصف بالنسبة إلى كل شيء.»
وأضافت «السلع التجارية والغذائية غالية جدا حتى البلح غالي جدا، فالعلبة الصغيرة منه سعرها 35 ريالاً وهذا رقم خيالي بالنسبة إلى البلح. الأنسب بالنسبة لي أن أجلب كل شيء من مصر».
ورأت زينب من المغرب أن الرقابة غائبة على التجار في الأسواق حول الحرم حيث يجرى استغلال الناس البسطاء غير المتعلمين أو من لا يعرفون بالعملة أو لا يعرفون الحساب.
وكانت وزارة التجارة السعودية ضبطت الاثنين 1062 سلعة في مكة بينها 66 سلعة مقلدة لعلامات تجارية معروفة و996 سلعة مغشوشة متنوعة بين مواد غذائية وفقا للموقع الإلكتروني للوزارة.
وقالت فاطمة المرابط من المغرب «أسعار الأدوية غالية جدا». وأشار زوجها محمد إلى أنهما جاءا في 2015 وكانت الأسعار أقل بشكل ملحوظ.
وأضافت فاطمة «هناك استغلال للجاهلين. أتمنى أن يحصل تغيير في المستقبل. الناس تأتي من أجل المسجد النبوي والكعبة ولكن هناك بعض الاستغلال وغياب الرقابة؛ لأن كل بائع يقول السعر الذي يريده وعلى الشاري أن يكون متيقظا ليشتري بالسعر الأفضل».
وأوضح إسماعيل، العامل في أحد الفنادق والمقيم في مكة، أن «الأسعار في الأسواق المحيطة بالحرم مرتفعة؛ لأن إيجارات المتاجر هناك مرتفعة كثيراً وتفرض عليهم ذلك»، مشير ا إلى أن «الأسعار لكافة السلع في أسواق العزيزية وغيرها في مدينة مكة أقل كثيرا».
وأضاف «في بعض الأحيان هناك نوعية من الزبائن ترى أن الأسعار المرتفعة تعني نوعية أفضل، ولهذا يرفع التجار الأسعار على أناس معينين وإلا لن يشتروا».
العدد 5118 - السبت 10 سبتمبر 2016م الموافق 08 ذي الحجة 1437هـ