إني أعتبر نفسي محظوظاً بأن أتيحت لي الفرصة لحضور الكثير من الدورات التدريبية وورش العمل التي تم ترتيبها لي على مر السنين من قبل عدد من البنوك التي عملت بها، وقد تراوحت مدد تلك الدورات التي تم عقدها في عدد من البلدان المختلفة من يوم واحد إلى ستة أشهر. أما موضوعاتها فقد شملت معظم الأنشطة والمنتجات المصرفية والممارسات الإدارية بما في ذلك إدارة الأفراد ووضع الاستراتيجيات والتخطيط الاستراتيجي وإدارة المخاطر ومنح التسهيلات الائتمانية وإدارة الاستثمارات والتدقيق والرقابة المالية، وكل هذه المواضيع تمثل جوهر ومضمون العمل المصرفي.
أثناء حضوري تلك الدورات التدريبية والدراسات، تعرفت إلى أشخاص من ذوي خلفيات وجنسيات متنوعة وخبرات مختلفة. وبطبيعة الحال، في مثل هذه الدورات يكون الفرد على تماس مع بيئات مختلفة يمكنه أن يستفيد من العادات الطيبة ويبتعد عن السيئة.
إن حضور الدورات التدريبية هو أحد روافد التعلم وزيادة المعرفة، لكن الفرد يحتاج الى أن يطوّر ذاته، إن هو أراد التقدم في حياته المهنية والشخصية. وتطوير الذات يحتاج الى وضوح في الرؤية والتزام شخصي بالتطوير. وهناك فارق كبير في المعرفة بين الشخص الذي يكتفي بحضور الدورات الدراسية وبين الشخص الذي يزيد جرعات المعرفة من خلال الحرص الشديد على تطوير الذات والتفاني في الاطلاع والبحث عن الجديد. وهناك طرق كثيرة لتطوير الذات نذكر بعضها في الآتي:
- بعد العودة من حضور الدورات التدريبية يفضل الاحتفاظ بمستندات واوراق الدورات لمراجعتها بين الحين والآخر، للاستفادة من محتوياتها وتطبيق ما يمكن منها في العمل الذي يقوم به الفرد. وهذا يعني عدم الاكتفاء بالجانب النظري من الدورات، لكن تطبيق بعض ما تتعلمه منها كفيل بزيادة المعرفة.
- القراءة المتواصلة للكتب والمراجع والنشرات والمجلات المتخصصة تساعد جميعها على خلق أفق أوسع لدى الفرد وتزيد من مساحة المعرفة، وهذه أمور تساعد على أدائه لعمله بطريقة أفضل. المشكلة الكبرى لدى البعض هي عدم قراءة الكتب وبحجة دائمة «عدم وجود الوقت». خلق الوقت للقراءة واجب مهم لتطوير الذات.
- تعويد النفس على الاستفسار وطرح الأسئلة عما لا نعرفه، يخلق لدى الفرد حب الاطلاع ويشجع الآخرين لتقديم الشرح والأجوبة على الأسئلة المطروحة، وهذا بدوره يكسب السائل مزيداً من المعرفة.
-لا يجب أن نتوقع أو نعتقد أن الآخرين سيتطوعون بتقديم النصيحة أو الإيضاح لما يدور في أذهاننا، فهم مشغولون أيضاً في أمور تطوير أنفسهم. فقط من خلال المبادرة التي نقوم بها بطرح الأسئلة نحصل أكثر على معلومات تنمي قدراتنا المعرفية والإدراكية.
- عملية تطوير الذات هي عملية مستمرة، ويجب أن تزداد وتيرتها كلما رغبنا أكثر في تطوير قدراتنا. وكلما تقدمنا في أعمالنا أو مناصبنا أصبحت الحاجة إلى تطوير الذات أكثر إلحاحاً.
- العمل على تطوير قدرات الآخرين حولنا، في العمل وفي البيت، هو بحدِّ ذاته تطوير لقدراتنا وزيادة معارفنا. فالفرد يتعلم عندما يحضر دورات، ويتعلم أكثر عندما يدرب الآخرين من خلال الاستماع إلى اسئلتهم واستفساراتهم. ومن خلال تجربتي الشخصية في التدريب، فإنني أكبر مستفيد من خلال الأسئلة التي يطرحها المشاركون. فكل استفسار أو سؤال من المشاركين يعطيني الفرصة للبحث والقراءة مما يزيد من مساحة المعرفة لدي.
فقط من خلال تعلم أشياء أكثر نستطيع نحن البشر الحصول على حياة أفضل. إن التعلم واكتساب المعرفة هو مسئولية شخصية، فلا تتوقع من الآخرين تحمّل هذه المسئولية نيابة عنك، وتذكر أنه مهما تعلمت فإن هناك الكثير والكثير مما يمكن أن تتعلمه. إن أي يوم يمر دون أن تتعلم شيئاً جديداً هو يوم ضائع من حياتك.
لذلك يلزم للتطوير الذاتي أن يكون عنصر المبادرة قويًّا لدى الشخص من خلال ما ذكرنا أعلاه، وعدم انتظار الآخرين للتبرع بتطويرنا، حيث هم أيضا لهم طموحاتهم لتطوير النفس. لا تنتظر الآخرين لتلقيمك بالملعقة، بل خذ الملعقة واستمتع بما تختاره وتضعه بنفسك في الملعقة.
إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"العدد 5117 - الجمعة 09 سبتمبر 2016م الموافق 07 ذي الحجة 1437هـ
شكرا أستاذ صالح ، موضوع رائع وجميل ، كنت اتمنى. منذ مدة لو أن جريدة الوسط تنوع من أعمدتها وكتابها ، كونها ٩٠٪ سياسية ، والنسبة الاخرى موزعة بين اجتماعية تثقافية وعلمية . نحن كشباب نحتاج لمثل هذه المواضيع اكثر من تلك التي تجلب الهم والمآسي ، نحن بحاجة لثورة ثقافية .
شكرًا جزاك الله خيرا
صباح الخير وشكرا جزبلا على جميع المقالات التي بالفعل مصنوعة بيد خبير وتستحق درجة ممتاز بجدارة نكرر الشكر ولرؤيتكم مشتاقون وعيدكم مبارك مقدما. مع تحيات ابو محمود
مقال جدا رائع أستاذ صالح