العدد 5117 - الجمعة 09 سبتمبر 2016م الموافق 07 ذي الحجة 1437هـ

المجنّي وحرفة إصلاح الأواني الفخارية والحجرية

المجنّي يمارس مهنته (الشنو 2000)
المجنّي يمارس مهنته (الشنو 2000)

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

تعتبر مهنة إصلاح الأواني الفخارية، وكذلك الأواني التي تصنع من الحجر اللين من المهن القديمة، والتي تزامن ظهورها مع ظهور صناعة الفخار والأواني الحجرية. وقد تطورت هذه المهنة عبر الزمن، وشملت إصلاح الأواني الفخارية والخزفية والزجاجية، وبقيت في صورتها التقليدية حتى عهد قريب. هذا، وقد ظهرت أنماط حديثة لهذه المهنة، متمثلة في مهنة ترميم التحف والأواني الأثرية، والأواني المهمة، أي التي لها رمزية مهمة أو ذات الثمن الغالي.

يذكر، أن مهنة إصلاح الأواني الفخارية والخزفية والزجاجية، في صورتها التقليدية، عُرفت في البحرين، ومناطق أخرى في الخليج العربي، إلا أنها ما عادت تذكر الآن. وقد عُرف الشخص الذي يمارس هذه المهنة في البحرين، وكذلك مناطق أخرى في الخليج العربي، باسم «المجنّي»، أما في العراق فيعرف باسم خياط الفرفوري (الأواني الزجاجية)، أو خياط الخزف.

إصلاح الأواني الفخارية قبل الإسلام

تشير نتائج التنقيبات الأثرية إلى أن مهنة إصلاح الأواني الفخارية أو الحجرية ظهرت في الحضارات التي نشأت في منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من 8000 عام، كما تشير الدلائل الأثرية إلى أن هذه المهنة ارتبطت، في الغالب، بالأواني عالية الجودة (Dooijes and Nieuwenhuyse 2007). على سبيل المثال، تم العثور على آنية نُذرية تعود إلى حقبة الورقاء (3200 – 3000 ق. م.)، وهي آنية تحمل رسومات تمثل تقديم الطعام إلى الآلهة. هذه الآنية انكسرت في تلك الحقبة القديمة، وتم إصلاحها بعناية شديدة عن طريق صنع ثقوب في القطع المكسورة وإعادة لصقها باستخدام قطع من النحاس (Dooijes and Nieuwenhuyse 2007).

هذا وقد تعددت طرق إصلاح الأواني الفخارية في الحقب القديمة، وقد اشتهرت طريقتان في الحضارات التي قامت في الشرق الأوسط، الأولى، باستخدام النورة؛ حيث تطلى المناطق المكسورة أو الثقوب الموجودة في الفخار بالنورة. أما الطريقة الثانية، وهي الطريقة الأكثر انتشاراً، والتي بقيت حتى العصور الحديثة فهي عملية خياطة الآنية، وذلك بثقب الأجزاء المكسورة بمثقاب خاص، ومن ثم لصق هذه الأجزاء مع بعض باستخدام خيوط أو قطع من النحاس (Nieuwenhuyse 2009). وقديماً كان يستخدم القار كمادة لاصقة توضع بين القطع المكسورة، وهذه المادة تم استبدالها في العصور الحديثة بالشحم وبياض البيض وأنواع أخرى من المواد اللاصقة.

إصلاح الأواني الفخارية بعد الإسلام

لقد استمرت مهنة إصلاح الأواني الفخارية في البلاد العربية لما بعد الإسلام، على سبيل المثال، عثر في مدينة الكوفة، في تلِّ الصياغ، على صحن كان مكسورًا، يعود إلى القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، وقد أجريت عليه عملية تصليح وصيانة في تلك الفترة، إذ جرى تصليحه بمسامير حديد (الجنابي 2013، alhikmeh.org). هذا ولم أتمكن من العثور على إشارة في كتب اللغة أو التراث العربي، التي بحوزتي، لعمليات ترميم الأواني الفخارية في الحقب الإسلامية المبكرة. أما أقدم إشارة عثرت عليها فهي تعود إلى نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، وذلك في كتاب «معالم القربة في أحكام الحسبة»، لابن الأخوة (توفي العام 1329م) وذلك عندما أشار إلى طريقة غش بعض باعة الخزف الذين يقومون بإصلاح الخزف وبيعه بأنه سليم، وقد جاء في كتابه:

«يؤخذ على باعة قدور الخزف والكيزان والأواني أنهم لا يطلون ما كان مثقوباً منها أو مشقوقاً بالجبس المعجون بالشحم وبياض البيض والخزف الأحمر المسحوق ويبيعونه على أنه سالم فإذا وجد عند أحد منهم خزفاً على هذه الصفة أدبه ردعاً لغيره» (مطبعة دار الفنون 1937، ص 222).

المجنّي وإصلاح الأواني الخزفية

المجنّي هو الاسم الذي عُرف به مصلح الأواني الخزفية والزجاجية في البحرين، ومناطق أخرى في الخليج العربي. ويعتبر المجنّي، في الغالب، من العمال الجائلين الذين يطوفون الأحياء وينادون في الطرقات، أو يتخذون لهم زاوية معينة في إحدى الطرقات، وتبدأ حينها الناس بالتوافد عليه وجلب الأواني المراد إصلاحها.

وتتكون عدة المجنّي من مثاقب، مختلفة الأحجام، وأسلاك معدنية، ومبارد، ومواد لاصقة. هذه الأدوات هي ذاتها الأدوات التي كانت تستخدم منذ قديم الزمان، أما التغيير فهو في تطور هذه الأدوات؛ فالمثقاب، منه عدة أشكال، أبسطها المجدح أو المجداح، وهو عبارة عن مسمار يتم تدويره بخيط وعصا، وتوجد بطرف المسمار قطعة صغيرة جدّاً من الألماس لثقب الخزف والزجاج (جمال 2003، ص 276). وقد تغير شكل المثقاب لاحقاً إلى المثقاب اليدوي المركب.

كذلك، نوعية الأسلاك قد تغيرت عبر الزمن، من قطع من النحاس أو الحديد إلى أسلاك من الألمنيوم أو من معادن أخرى. وكذلك المادة اللاصقة تغيرت عبر الزمن، ويعتبر القار من أقدم المواد اللاصقة التي استخدمت، وبعد ذلك استخدم خليط من النورة وبياض البيض، وهذا الخليط استمر حتى العصر الحديث، في العراق (الجنابي 2013، alhikmeh.org)، والكويت (جمال 2003، ص 276) وكذلك في البحرين. يذكر أنه في قطر استخدم صمغ مكون من الدامر، وهو مادة صمغية تستخرج من بعض الأشجار، يطبخ حتى يسيح ويتحول إلى مادة سائلة لزجة (المالكي 2008، ص 49).

أما طريقة إصلاح الأواني، فتبدأ، بتنظيف القطع المكسورة، وبعد ذلك يتم إحداث ثقوب على جوانب هذه القطع، وبعدها تتم خياطة القطع بأسلاك معدنية، وإضافة المادة اللاصقة والتي تكون في الغالب مزيجا من النورة وبياض البيض.

الخلاصة، أن مهنة إصلاح الأواني الفخارية والخزفية والزجاجية، هي من المهن القديمة جدّاً، والتي ظهرت نتيجة الحاجة إلى صيانة الأواني الغالية سواء من ناحية الثمن أو من الناحية الرمزية. هذا ولم تكن هذه المهنة حصرية لطبقة دون أخرى، فالكل كان بحاجة لإصلاح نوع معين من الآنية.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً