العدد 5117 - الجمعة 09 سبتمبر 2016م الموافق 07 ذي الحجة 1437هـ

الفنان كمال الصُّوص: لوحاتي تعبيرية... وبالتأمل هزمت السرطان

كمال الصُّوص
كمال الصُّوص

هل يُمكن أن يكون الفن وسيلة للشفاء من مرض مزمن؟ هل هو الفن بحد ذاته أم هي روح الفنان بكل دفق الحياة الذي لا ينتهي فيها، هي ما يمكن لها أن تحارب أي داء وإن كان ورماً خبيثاً يأكل الدماغ؟ ربما كان ذلك ممكناً، وربما كانت سيرة حياة الفنان والمهندس البحريني كمال الصُّوص خير شاهد على ذلك. الفنان الصُّوص الذي أقام آخر معارضه الشخصية في جمعية البحرين للفنون التشكيلية العام 2010 ، فنان يروي عبر حياته الشخصية حكاية مختلفة، فيها من الإلهام الكثير...

إلهام وتجربة لا يمكن أن ينجزهما سوى من يحمل روح فنان.

التقيته في مرسمه في الحد، ودار بيننا حوار تناول انقطاعه عن الفن والكتابة، ثم عودته... عن رحلة مرضه، ثم تشافيه عبر التأمُّل وعبر اتباع نظام حياتي مختلف.

بمجرد دخولي مرسمه لفتت انتباهي لوحة لفتاة في ريعان شبابها، فيها من الحياة بقدر ما فيها من الألم، تتلون بالأحمر والأبيض والأخضر، وإن غلب عليها الأحمر بشكل ملفت. سألته إن كانت تلك شخصية حقيقية، أخبرني أن اسم تلك اللوحة «رحلة الياسمين» وأنها لوحة تعبيرية مثل جميع لوحاته، يقول «أنا لا أرسم الأشياء بنقلها مباشرة من الواقع، لكنني أتخيلها فكرة ثم أنفذها على الورق» ويضيف «لقد رسمت عمتي موزة بعد وفاتها بسنوات. لم أكن أتذكَّر وجهها، في الواقع وجهها يأخذني لطفولتي. لكنني حين أردت رسمها تمثلت حنانها وحبها لنا فيما كنا صغاراً، في ذهني، أولاً، ثم رسمتها» ثم يوضح «لذلك لم تكن اللوحة وجهاً طبق الأصل من عمتي موزة لكنها كانت لوحة معبّرة عن روحها».

ويشير إلى لوحات أخرى قائلاً: «انظري إلى هذه الأم الصينية مع طفلها، شاهدت صورة لها على التلفزيون، ظلت الصورة بداخلي، ثم تفاعلت حتى وصلت للشكل الذي ترينه في اللوحة. انظري للوحة الدعاء تلك وللوحة السيدة مريم، هل تعرفين أن هذه اللوحة خصوصاً كانت تعبيراً عن حلم شهدته العام 1967. كان عمري حينها 16 عاماً وفي ليلة القدر حلمت بسيدة تشبه هذه السيدة في اللوحة، أخبرت أمي فقالت هذه ماريا أو السيدة مريم».

وعودة إلى لوحة «الياسمين»، أخبرني الصُّوص أن الفتاة في اللوحة هي ياسمين، ابنة اخته، المصابة بلوكيميا الدم، والتي تمكن منها المرض، يقول «75 في المئة من اللوحة متأثر بشكل ياسمين ووجهها لكن ما تبقى هو تعبير عن إحساسي. حتى الألوان اخترتها معبِّرة عن إحساسي، فالأحمر هو دمها الملوث باللوكيميا أما الأخضر والأبيض فهما الأمل».

لعله الأمل نفسه الذي يسكن روح الفنان، ولعلها ذات الرغبة العارمة في الحياة التي سكنته حين أخبره الأطباء أنه لم يتبقَّ من عمره سوى ثلاثة أشهر. مهلة ثلاثة أشهر كانت كفيلة بنقل الصُّوص من حياة إلى أخرى، وثلاثة أيام عاشها معتزلاً الحياة، بعد تأكيد الأطباء بأن الورم تمكَّن منه، جعلته يتخذ القرار الأهم.

الفن... الانقطاع... والعودة

سألت الصُّوص أولاً عن سيرته كفنان، متى بدأت ولماذا انقطعت ومتى أستأنفها؟

- كنت أرسم الأشياء منذ طفولتي، وكما أخبرتك أرسمها بشكل تعبيري. بعد تخرجي من الجامعة التحقت بالعمل في شركة أرامكو السعودية، كان ذلك في السبعينات، وحينها لم تكن الأجواء هناك مشجِّعة على الفن. تلا ذلك انشغالي بالزواج ثم العمل مع شركة لبنانية عالمية، كان العمل يتطلب السفر الكثير. لم أكن لأركز على الكتابة أو الرسم بالطبع مع كل ذلك التنقل. انقطعت عن الفن لمدة 40 عاماً لكنني حين انتقلت إلى العمل في البحرين وتأقلمت مع أجوائها عدت إلى الفن مرة أخرى، أخرجت 55 لوحة من لوحاتي القديمة وقدمتها في معرض «الرجوع إلى الماضي» الذي أقيم في جميعة البحرين للفنون التشكيلية. كانت جميع لوحات المعرض بالأبيض والأسود، وطغى عليها الشكل التكعيبي وهو الطاغي على جميع أعمالي منذ بداياتي في الرسم، وحتى قبل أن أتخصص في الهندسة.

يشير الصُّوص إلى أن نجاح المعرض وتمديده من أسبوعين إلى ثلاثة، منحه دفعة جديدة، وجعله يقرر العودة إلى الفن وإلى الكتابة بقوة. الكتابة التي يهواها منذ صغره.

الإلهام في جبل لبنان فقط

يقول الصُّوص: «منذ صغري كنت أكتب الشعر، ومنذ البداية لم يكن الإلهام يأتيني إلا حين أكون في أعلى جبل لبنان. هناك كتبت الكثير من الأشعار، وأظن أن أشعاري تشبه لوحاتي».

من بين نصوص الصُّوص «أنتِ، الخلق الموعود، الحب، إليك، أمي، الليل والنهار، شقاء الإنسان، لبنان، بسمتك، الأمهات الثماني، يا رب، قبلتك، يا والدي، حواء».

من الشعر انتقل الصُّوص لكتابة مختلفة فجاءت مؤلفاته الثلاثة «تعلمت فتأملت فحمدت: الإيمان خير علاج» وثانيهما «تأملات شعرية وفنية»، وصدرا العام 2013، ثم جاء الثالث بعنوان «استدامة... الوقاية خير علاج»، وجميع الكتب صادرة عن دار ضفاف في بيروت.

في الكتاب الأول سرد تجربته مع المرض موضحاً كيف تجاوز مرحلة الخطر، وكيف واجه الورم العنيد وسيطر عليه ثم هزمه وتعايش معه ولا يزال كذلك، أما الكتاب الثاني «تأملات شعرية وفنية» فضم 27 نصاً مع مجموعة من أعماله الفنية باللونين الأبيض والأسود.

في الكتاب الثالث قدَّم الصُّوص تفصيلاً لخطوات مواجهته المرض عبر إيمانه القوي ولجوئه للتأمل وللتغذية السليمة.

بالتأمل غلبت الورم

درس الصُّوص التأمل في أميركا، وعن ذلك يقول: «شعرت بأنني إنسان آخر، لم أعد قادراً على أن أغضب من أي أحد، ولا لأي سبب». لعل هذه التأثيرات هي ما أخذته، كما أكد لي، في رحلته التي واجه فيها السرطان بشجاعة حتى قهره.

يقول الصُّوص «بدأ الأمر بضعف حاد في النظر، لم أتمكن من حله لدى أطباء العيون أو غيرهم، ثم تبين إصابتي بورم في المخ. كان ذلك منذ 13 عاماً من الآن».

«كنت أعمل في ميناء الشيخ خليفة حينها، أخبرني الأطباء أن ما تبقى لي من حياتي لا يتجاوز الشهور الثلاثة وأنه عليَّ أن أجرى جراحة دماغية عاجلة، تصل نسبة الخطورة فيها إلى 80 في المئة، بل إن عليَّ أن أوقع ورقة أؤكد فيها أنني مسئول عن نتيجة العملية».

«يومها كنت في لبنان وكان عليَّ أن أتخذ قراراً. لثلاثة أيام أصابني كدر شديد، وفقدت خلال هذه الأيام الثلاثة 5 كيلوغرامات من وزني. بالطبع لم يكن المرض هو سبب فقداني لهذه الكيلوغرامات لكنها كانت الأمور السلبية التي كنت أفكر فيها. حينها قلت إذا استمر الأمر كذلك فسأتحول إلى هيكل عظمي خلال شهر».

«بعد انقضاء الأيام الثلاثة، قرَّرت ألاَّ أجرى العملية، وأن أعيش حياتي بطريقة مختلفة. كنت على قناعة بأن الطبيب ليس هو من يحدد متى أموت. عدت يومها إلى التأمل وقررت ممارسته مرتين يومياً، كما قررت اتباع نظام غذائي صحي صارم».

يواصل الصُّوص «استمر الحال كذلك لسبعة شهور، وحين راجعت طبيبي بعدها، كانت المفاجأة هي توقف الورم عن النمو. أضحك الآن حين أتذكر اصرار الأطباء على فترة الثلاثة شهور المتبقية من حياتي. لقد كان هذا الأمر منذ ثلاثة عشر عاماً. لا أزال أحمل الورم في رأسي لكنه ورم متوقف عن النمو».

تعايش الصُّوص مع الورم وسيطر عليه وشل حركته. لم يكن ذلك ليحدث لولا روح الفنان التي تسكن جسده، ولولا ذلك الثبات والعزيمة بفضل إيمانه القوي بالله، ثم التأمل، وأخيراً، العادات الغذائية السليمة.

يشار إلى أن الفنان كمال الصُّوص بحريني الجنسية مواليد بيروت لبنان العام 1949، يعمل في مجال الهندسة الميكانيكية. مارس الرسم والكتابة منذ الطفولة، ودرس الهندسة الميكانيكية وعمل بها طوال حياته. تلقى دروساً إضافية في الرسم والفن في عدة معاهد وجامعات منها الجامعة الأميركية، والجامعة اللبنانية، ومركز كيندي الثقافي في بيروت. عضو في جمعية المهندسين البحرينية، وجمعية البحرين للفنون التشكيلية في البحرين، وجمعية البحرين لمكافحة السرطان، ومعهد التأمل التجاوزي في لبنان، وجمعية التأمل البحرينية والنادي الثقافي العربي في بيروت.

شارك الصُّوص في عدَّة معارض فنية في السبعينات، في الجامعة الأمريكية، ومركز كنيدي الثقافي، ومركز جوته الثقافي الألماني، وفي عدة معاهد أخرى، كما أقام معرضاً خاصاً به في البحرين.

لوحة «الدعاء»
لوحة «الدعاء»




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:53 ص

      يمكن الحصول على كثير من المعلومات من كتاب الاستاذ كمال، الثالث (استدامة، الوقاية خير علاج) وهو متوفر في المكتبة الوطنيه

    • زائر 4 | 6:32 م

      ربما يصبح الفن علاج بديل للعلاج التقليدي..
      شئ جميل أن يصاحب الألم (الأمل) .
      أنحناءة للفنان والأستاذ كمال الصوص..
      تحياتي للكاتبة..

    • زائر 3 | 10:09 ص

      مقاله شقه وتعطي الأمل للكثيرين..حبذا لو يستطيع الأخ والميل المهندس والفنان كمال الصوص..إن يذكر ويشرح للجميع ما المقصود بالأمل وما هو الغذاء الصحي المقصود في المقاله والذي استطاع من خلاله محاربه المرض ...مع تمنياتنا له بالشفأن الكامل والصحه وطول العمر

    • زائر 2 | 5:58 ص

      الله يشافيك ويعطيك طولة العمر
      ولكن ما هو النظام الغذائي الذي اتبعته ويمكن ان يُحد من هذا المرض

    • زائر 1 | 4:04 ص

      كم انت ملهم يا سيدي

اقرأ ايضاً