اليوغور (الشعب المتحد أو المتضامن) هم شعب مسلم يتحدث اللغة التركية يعيش منذ مئات السنين في تركستان الشرقية. في العام 1933تمكنوا من إقامة جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية، ولكن حطم الجيش الشعبي الصيني بقيادة ماوتسي هذه الدولة المستقلة العام 1949بعد أن تولى الشيوعيون مقاليد الحكم في الصين، وسميت المنطقة بإقليم شينغيانغ (أي الأراضي التي تم غزوها من جديد).
لم تأت الاضطرابات الأخيرة في الإقليم التي راح ضحيتها 156شخصا على الأقل من فراغ أو أن سببها مجرد مقتل عاملين في مصنع من عرقية اليوغور ولكن نتيجة لاحباطات وتراكمات ضخمة من الاضطهاد والكبت بعد أن قام هذا الشعب بنحو 40 ثورة كبيرة خلال فترات نضاله المريرة من أجل البقاء.
في الوقت الذي يتمتع فيه إقليم التبت بحكم ذاتي وتم إعفاؤه من كثير من القوانين المقيدة للحريات مثل قانون «طفل واحد للعائلة الواحدة»، يطبق هذا القانون بصرامة في شينغيانغ ذو الغالبية المسلمة. وفي الوقت الذي يسمح فيه للتبتيين بإقامة مدارسهم الأديرة الخاصة بهم إذ يمارسون طقوسهم وتفتح منطقتهم تحت ضغط الحكومات الغربية للزوار والصحافيين الأجانب، لا تمنح بكين هذه الميزات للسكان المسلمين في تركستان الشرقية حيث تم تحييد اللغة العربية ومورس الترحيل القسري تجاه اليوغور إلى مناطق أخرى بحجة التغلب على مشكلة نقص العاملة بينما يتم إحضار الكثير من عرقية الهان إلى شينغيانغ ومساعدتهم اقتصاديا إلى أن ظهر هناك فارغ كبير في سبل العيش بين السكان. فبينما استحوذ الهان على اقتصاد المدن والخدمات والطاقة انزوت غالبية اليوغور في الأرياف ليعتمدوا على الزراعة. ووصل الفارق في الإيرادات السنوية بين سكان المدن والقرى إلى ثلاثة أضعاف. وهناك عدد محدود من اليوغور يعمل في صناعة النفط الذي يعتبر شينغيانغ ثاني إقليم منتج له بعد هيلوغنجيانغ بينما يأتي الموظفون المتخصصون من الخارج.
في العام 1949 كان اليوغور المسلمون يمثلون 92 في المئة من السكان وأصبحوا حاليا 46 في المئة أي بينما كانوا 18 مليون نسمة نقص عددهم إلى 8 ملايين فقط.
ومن دواعي استياء هذا الشعب ظهور خطر تلوث البيئة في منطقته جراء أشغال استخراج المعادن وإجراء التجارب الذرية فيها وذلك منذ إجراء أول تجربة في أكتوبر/تشرين الأول 1964في صحراء لوبنور الواقعة شرقي الإقليم، وقد تسببت هذه العوامل في تزايد حالات سرطان الجلد وتشوه في الولادات.
لم تجد أعمال العنف الأخيرة في الإقليم الاهتمام الكافي من قبل المجتمع الدولي فبينما آثرت الولايات المتحدة الصمت، دعت كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى ضبط النفس، بعكس المواقف الدولية السابقة تجاه قضية التبت إذ أطلقت الإدانات من جميع عواصم الدول الكبرى وخرجت التظاهرات ضد تنظيم ألعاب الأولمبياد في الصين العام الماضي. ربما كان هذا الموقف الخجول للأسرة الدولية مرده إلى تجنب إثارة غضب الصين التي تحتاجها الدول العظمى في القضية النووية لكوريا الشمالية وإيران وخصوصا أن اضطرابات شينغيانغ تزامنت مع انعقاد قمة مجموعة الثماني في إيطاليا حيث تفاوض القادة من أجل التوصل إلى اتفاقات بشأن قضايا شتى. جاء الموقف المشرف الوحيد من أنقرة التي طلبت مناقشة العنف في تركستان الشرقية في مجلس الأمن حيث تحظى تركيا بمقعد غير دائم ولكن بكين أجهضت هذه المبادرة باستخدام الفيتو.
هناك وثائق دولية عديدة أعدتها مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية تقدم أدلة على أن سكان تركستان الشرقية من أكثر الشعوب المضطهدة، وتتهم هذه الوثائق الصين بتلفيق تهم الإرهاب لليوغور واستخدام ألفاظ شائعة دوليا مثل «الأصوليين الإسلاميين»، و «الإرهابيين الإسلاميين أو الانفصاليين» لوصف احتجاجات اليوغور على الاضطهاد وانتهاك حقوقهم المشروعة.
وفي هذا السياق لا نستبعد أن تكون الاستخبارات الصينية هي التي أوحت للقوات الأميركية في أفغانستان بالقبض على بعض أبناء اليوغور وإرسالهم إلى معتقل غوانتنامو حيث أمضوا هناك بضع سنين من دون محاكمة أو توجيه تهم لهم وحينما أرادت واشنطن إطلاق سراحهم لم تعيدهم إلى موطنهم بل بعثت بهم إلى دولة ثالثة غريبة عنهم.
إن ثورة اليوغور وتحركات النشطاء التبتيين بزعامة الدالاي لاما ومن قبلها الثورة الطالبية في ميدان تيانانمين ورغبة تايوان في الانفصال كلها عوامل ستقضي على المقولة التي ظلت ترددها القيادة الشيوعية الصينية بأن شعبها «مجتمع متناغم» يعمه السلام والازدهار طالما تعاني أقلياته من سياسة فيها كثير من التفرقة العنصرية ووجود فجوة كبيرة في التنمية بين العرقيات.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2500 - الجمعة 10 يوليو 2009م الموافق 17 رجب 1430هـ